10 نوفمبر 2024
حل الدولتين
تنشط الدبلوماسية الخاصة بفلسطين، بعد كل مصيبةٍ تحل بالشرق الأوسط، حتى لو لم يكن لفلسطين يد فيها.
تشتعل المنطقة بحدثٍ ذي طابع عسكري، أو أمني، ويتخلله الغليان والاضطراب الدولي والمحلي اللازم، ثم يحصل تغير جوهري في الجغرافيا أو المفاهيم، وتخلق حقائق جديدة، ينتج عنها حمّى دبلوماسية، تدعو إلى اجتماعٍ عاجلٍ، يخص القضية الفلسطينية. لم تمل الأمم المتحدة هذا التكرار، بل أصبح من تقاليدها، وشكلاً فلوكلورياً لطبيعة العقلية التي تتحكّم بالمنظومة الدولية.
بعد النكبة، وهي حدث ذو طبيعة زلزالية، تغير الشرق الأوسط في الديمغرافيا وفي الجغرافيا، استَحدثت على إثره الأمم المتحدة ملف قضية فلسطين. تداعت الأمم المتحدة، عبر لجنة الوفاق في العام 1949، لعقد مؤتمر سلام في لوزان في سويسرا، تتحدّد فيه النقاط العالقة بين "الدولتين"، ليتم حلها بشكلٍ نهائيٍّ، وإسدال الستار على القضية التي كان عمرها، في ذلك الوقت، عامين. عقد المؤتمر، وحضرت كل الأطراف، وتحدّد كل شيء، وكانت العناوين معروفة تقرير المصير، اللاجئين، القدس، لكن هذا المؤتمر بالذات هو الذي حدّد الشكل البائس الكئيب الذي ستأخذه تلك القضية لكثرة ما تكرّرت تلك المصطلحات، وللكيفية الذي حضرت فيها فلسطين المؤتمر على شكل شخص واحد مختفٍ داخل الوفد السوري، فيما حضرت إسرائيل بشكل كامل يليق بالدول.
بعد النكسة، وذكراها السنوية حاضرة في مايو/ أيار، التهمت إسرائيل مساحةً من الأراضي العربية، تقدّر بثلاثة أضعاف ما منحها إياه قرار التقسيم، ونشطت الدبلوماسية، بعد توقف الجبهات مباشرة، وصدر القرار الشهير 242 الذي يتعلق بمقايضة الأرض بالسلام، حافظت الدبلوماسية على نشاطها، وصدرت مبادرة من وزير الخارجية الأميركي سميت مبادرة روجرز، وهي مجموعة من الحيل الدبلوماسية، تتواجه فيها فرق التفاوض العربية والاسرائيلية لإعادة ترتيب ما احتلته إسرائيل. كان حلم الدولة الفلسطينية، في ذلك الوقت، معلقاً بالشعارات اليسارية، وكان الجيش الإسرائيلي موجوداً على كل ما كان يعرف بفلسطين، لم تفلح الدبلوماسية، مرة أخرى، إلا بإيجاد مزيد من الثغرات بين الوفود العربية، وعندها لم تكن للعرب إلا قضية واحدة، هي قضية فلسطين.
جاء مؤتمر مدريد بعد خروج صدّام حسين من الكويت، دعت إليه أميركا، وقد سجلت أعلى نقطةٍ في الشرق الأوسط، مع انهيار الاتحاد السوفيتي، ترافقت الدبلوماسية مع فرد عضلات إعلامية، رفع حينها فارق الشرع، في المؤتمر، نشرة بريطانية تطلب توقيف إسحاق شامير كإرهابي، ورفع الأخير نسخةً من كتاب جغرافيا للمرحلة الابتدائية السورية لا تظهر فيها إسرائيل. توقف المؤتمر العلني عند هذه المماحكة، واستمر تحت الطاولات في حوارٍ سرّي، نتج عنه اتفاق غزة وأريحا، وهما أشبه باتفاق خبراء عقارات، جرى توزيع مؤقت للأرض، وبقي كل شيء كما هو، في تأجيل مفخخ قابل للانفجار في كل لحظة. لم تكن دبلوماسية مؤتمر مدريد مثمرة ولم تكن بحجم حدث دخول صدام حسين وخروجه من الكويت، لكنها كانت على شاكلة كل الركام الدبلوماسي الذي تكدّس على شكل أوراقٍ وملفاتٍ ومبعوثين دوليين.
ليس معروفاً إن كانت المبادرة الفرنسية لحل القضية المزمنة جاءت لتكمل عمل المتلازمة (هزة أمنية – عمل دبلوماسي)، أو هي استكمال للتقليد الفرنسي الذي يظهر نفسه على شكل مؤيدٍ للفلسطينيين، لكنها جاءت في ظرفٍ فقد العرب فضولهم "الفلسطيني" لصالح صراع محلي عريض، يستنفد كل طاقةٍ لديهم، فقد سارع العرب جميعاً لتأييد المبادرة، في حسمٍ نهائيٍّ للموقف الذي طالما تأرجح، وجرت المتاجرة به، أو المساومة عليه، وكأن العرب قد قدموا اعترافاً رسمياً بأن هذه القضية لم تعد قضيتهم الأولى، لكن أكثر ما يلفت الانتباه في هذه المبادرة أنها جاءت في عهد نتنياهو الذي تعهد في انتخابات 2015 بأن عهده لن يشهد دولة فلسطينية، والملفت أكثر أن مؤتمر حل الدولتين عقد بدون حضور أي من الدولتين.
تشتعل المنطقة بحدثٍ ذي طابع عسكري، أو أمني، ويتخلله الغليان والاضطراب الدولي والمحلي اللازم، ثم يحصل تغير جوهري في الجغرافيا أو المفاهيم، وتخلق حقائق جديدة، ينتج عنها حمّى دبلوماسية، تدعو إلى اجتماعٍ عاجلٍ، يخص القضية الفلسطينية. لم تمل الأمم المتحدة هذا التكرار، بل أصبح من تقاليدها، وشكلاً فلوكلورياً لطبيعة العقلية التي تتحكّم بالمنظومة الدولية.
بعد النكبة، وهي حدث ذو طبيعة زلزالية، تغير الشرق الأوسط في الديمغرافيا وفي الجغرافيا، استَحدثت على إثره الأمم المتحدة ملف قضية فلسطين. تداعت الأمم المتحدة، عبر لجنة الوفاق في العام 1949، لعقد مؤتمر سلام في لوزان في سويسرا، تتحدّد فيه النقاط العالقة بين "الدولتين"، ليتم حلها بشكلٍ نهائيٍّ، وإسدال الستار على القضية التي كان عمرها، في ذلك الوقت، عامين. عقد المؤتمر، وحضرت كل الأطراف، وتحدّد كل شيء، وكانت العناوين معروفة تقرير المصير، اللاجئين، القدس، لكن هذا المؤتمر بالذات هو الذي حدّد الشكل البائس الكئيب الذي ستأخذه تلك القضية لكثرة ما تكرّرت تلك المصطلحات، وللكيفية الذي حضرت فيها فلسطين المؤتمر على شكل شخص واحد مختفٍ داخل الوفد السوري، فيما حضرت إسرائيل بشكل كامل يليق بالدول.
بعد النكسة، وذكراها السنوية حاضرة في مايو/ أيار، التهمت إسرائيل مساحةً من الأراضي العربية، تقدّر بثلاثة أضعاف ما منحها إياه قرار التقسيم، ونشطت الدبلوماسية، بعد توقف الجبهات مباشرة، وصدر القرار الشهير 242 الذي يتعلق بمقايضة الأرض بالسلام، حافظت الدبلوماسية على نشاطها، وصدرت مبادرة من وزير الخارجية الأميركي سميت مبادرة روجرز، وهي مجموعة من الحيل الدبلوماسية، تتواجه فيها فرق التفاوض العربية والاسرائيلية لإعادة ترتيب ما احتلته إسرائيل. كان حلم الدولة الفلسطينية، في ذلك الوقت، معلقاً بالشعارات اليسارية، وكان الجيش الإسرائيلي موجوداً على كل ما كان يعرف بفلسطين، لم تفلح الدبلوماسية، مرة أخرى، إلا بإيجاد مزيد من الثغرات بين الوفود العربية، وعندها لم تكن للعرب إلا قضية واحدة، هي قضية فلسطين.
جاء مؤتمر مدريد بعد خروج صدّام حسين من الكويت، دعت إليه أميركا، وقد سجلت أعلى نقطةٍ في الشرق الأوسط، مع انهيار الاتحاد السوفيتي، ترافقت الدبلوماسية مع فرد عضلات إعلامية، رفع حينها فارق الشرع، في المؤتمر، نشرة بريطانية تطلب توقيف إسحاق شامير كإرهابي، ورفع الأخير نسخةً من كتاب جغرافيا للمرحلة الابتدائية السورية لا تظهر فيها إسرائيل. توقف المؤتمر العلني عند هذه المماحكة، واستمر تحت الطاولات في حوارٍ سرّي، نتج عنه اتفاق غزة وأريحا، وهما أشبه باتفاق خبراء عقارات، جرى توزيع مؤقت للأرض، وبقي كل شيء كما هو، في تأجيل مفخخ قابل للانفجار في كل لحظة. لم تكن دبلوماسية مؤتمر مدريد مثمرة ولم تكن بحجم حدث دخول صدام حسين وخروجه من الكويت، لكنها كانت على شاكلة كل الركام الدبلوماسي الذي تكدّس على شكل أوراقٍ وملفاتٍ ومبعوثين دوليين.
ليس معروفاً إن كانت المبادرة الفرنسية لحل القضية المزمنة جاءت لتكمل عمل المتلازمة (هزة أمنية – عمل دبلوماسي)، أو هي استكمال للتقليد الفرنسي الذي يظهر نفسه على شكل مؤيدٍ للفلسطينيين، لكنها جاءت في ظرفٍ فقد العرب فضولهم "الفلسطيني" لصالح صراع محلي عريض، يستنفد كل طاقةٍ لديهم، فقد سارع العرب جميعاً لتأييد المبادرة، في حسمٍ نهائيٍّ للموقف الذي طالما تأرجح، وجرت المتاجرة به، أو المساومة عليه، وكأن العرب قد قدموا اعترافاً رسمياً بأن هذه القضية لم تعد قضيتهم الأولى، لكن أكثر ما يلفت الانتباه في هذه المبادرة أنها جاءت في عهد نتنياهو الذي تعهد في انتخابات 2015 بأن عهده لن يشهد دولة فلسطينية، والملفت أكثر أن مؤتمر حل الدولتين عقد بدون حضور أي من الدولتين.