حكومة الشعب

21 فبراير 2018
+ الخط -
أخيرًا، أكمل مجلس النواب الأردني، قبل يومين، رسم ملامح المشهد البائس، بمنح أغلبية أعضائه ثقتهم للحكومة التي بدا رئيسها في لقائه التلفزيوني الأخير غير متعاطف أو متفهم أو حتى مدرك لجدية شكاوى المواطنين من حملات حكومته التي تلاحقهم في أرزاقهم وتحوّلهم إلى جيش من الفقراء والمعوزين.

ربما فات الأوان على التلاوم وتوجيه العتب للجماهير التي أفرزت نوابًا لا يمثلون غير ذواتهم، ولا يُعنَون بغير مصالحهم. بل ويحسبون، في حدود ثقافة الخضوع التي ألفوها، أنّهم موظفون لدى الحكومة لا مراقبين عليها.

وربما ما عاد يجدي استعراض خيباتنا المتلاحقة بحكومات أفقدتنا الإحساس بمسوغات وجود فكرة "الحكومة" كشكل من أشكال التنظيم الاجتماعي؛ ففي حين يُفترض بها، تبريرًا لوجودها، أن تحقق لشعبها الرخاء وتدفع به نحو نهضة اقتصادية ومجتمعية شاملة، تتناوبنا في هذه البلاد حكومات لا تنفك ترى في حالة الأمن وانعدام الفوضى أعظم إنجازاتها. وتطالبنا، نحن الشعب، أن ندفع ثمنها حرفيًا من جيوبنا.


لا تظهر في الأفق أي نية رسمية، لا من الحكومة ولا من السلطة الأعلى منها، لاحتواء المأزق أو معالجة آثاره التي خلقتها قرارات بلغت في تجبّرها حدّ الاستخفاف بحياة المواطنين حين أعلنت أخيرًا إلغاء شمول مرضى السرطان، ممن بلغت أعمارهم الستين عامًا، بالإعفاءات التي تتيح لهم تلقي العلاج في مركز الحسين للسرطان. ويبدو أنها عازمة، على الرغم من آراء المختصين المفنّدة لحججها، على التزام نهجها حتى الرمق الأخير، وكأنها تخوض حرب بقاء ضد شعبها.

الآن وقد بلغنا هذا الحدّ، آن لهذا الشعب أن يعيد النظر في تنظيم حياته بمنأى عن عناصر الدولة الرسمية. أن يعلن حالة الطوارئ في البلاد، تمامًا كأي شعب سعيد صادفه سوء الحظ مرة فاستيقظ بلا حكومة، فقرر حكماؤه، حفاظًا على بقاء المجموع، بناء مؤسسات وإنشاء تجمعات وعقد تحالفات شعبية بينهم. أن تُقام لجان تعاونية للمزارعين والصنّاع وصغار التجار وجميع المنتجين في مواقعهم كافة، تتولى مهمة تنظيم المعاملات بين الأفراد على مبدأ التكافل والتعاون. وأن نرتب الأمر على الطريقة التي كانت تتدبر بها المجتمعات البدائية شؤونها، حيث بات جليًا أنّنا شعب يدفع ضريبة الشكل الإداري للحياة العصرية المطروحة على هيئة دولة ومؤسسات، دون أن نحصل مقابل ذلك على أي منفعة من منافع هذا التطور الاجتماعي في حياة البشر.

في إطار دعوته "لتحرير الإنسان من لعنة الاستغلال الاقتصادي والعبودية السياسية والاجتماعية"، وفي ما لا يشبه سياق التهديد الذي يعيشه شعبنا اليوم، يقول رودولف روكر إنّه على المنتجين في المجتمع "تحرير العمل من جميع القيود التي أحكم الاستغلال الاقتصادي تكبيله بها، وتحرير المجتمع من مؤسسات وإجراءات السلطة السياسية كافة"، فكيف إذا ما كان الحديث هنا عن استغلال وفساد ودعوة مفتوحة للموت تقدمها الحكومة لشعبها كحلّ لأزماتها؟ هكذا يتحوّل الواحد منّا إلى صفّ "الفوضوية" بقناعة كاملة، لنجدد دعوة منظريها في خلق تنظيم إداري جديد مؤلف من جمهور الكادحين و"يخدم مصالح الجماعة".

ليس في الأمر مبالغة حين نقول إنّه ليس هناك من مسوغ لوجود الحكومة في هذا البلد، وإذا كان من الواضح أنّ الحديث عن خلق تنظيمات شعبية تدير مصالح الجماهير ضربًا من الخيال، فالأكثر وضوحًا أنّه ما عاد لنا غير باب الخيال هذا نطرقه دفاعًا عن وجودنا.
D88F6515-2641-4B76-9D90-9BDC22B8B5E4
منى عوض الله

محررة ومساعدة باحث لدى مشروع بحث وتوثيق الحركة الوطنية الفلسطينية.