حكاية نكبات متشابهة.. من عكا إلى اليرموك فصور

14 مايو 2016
النكبة جرّت بعدها نكبات (GETTY)
+ الخط -

كان عام 1948 عاماً أسود على الشعب الفلسطيني كله، ليس عبثاً أن يُسمّى "النكبة"، وليس من فراغ أنه بعد مرور نحو 68 عاماً لا تزال الأجيال تتحدث عن فظاعة ما حدث حينها. كما أن الأمر لم يقف عند حدود عام 48، إذ أصبحت "النكبة" قدراً يلاحق كل فلسطيني في كل زمان ومكان.

تعود الذاكرة إلى تلك الأيام، وتحديداً إلى مدينة عكا (شمالاً)، حينها تقطعت كل الطرقات ولم يبقَ سوى طريقين يمكن أن يسلكاه سكان المدينة. أمامهم البحر يركبوه ليصلوا إلى شواطئ قريبة مثل لبنان. ويمكنهم أيضاً أن يمشوا نحو صفد ومن هناك إلى لبنان أو سورية.

اختار الحاج أبو أحمد وأولاده الصعود في قارب الموت. كان يعمل صياداً ويستخدم قاربه في صيد الأسماك. لكن الحمولة الزائدة جعلت القارب يغرق بهم لينجو فقط خمسة أفراد من أصل 29 شخصاً.

يروي القصة الابن البكر أحمد، ويعتصر ألماً حين يتذكر كيف لم يستطع إنقاذ أمه وأخواته. وندم كثيراً لأنه لم يعلمهن فن السباحة ليقاوموا أمواج البحر المتسارعة. يتذكر كيف تم قصف مدينته ودخول العصابات الصهيونية إلى منزلهم وكرومهم.

وكأنّ المجزرة التي وقعت حصلت أمامه منذ ساعات. يروي التفاصيل ذاكراً أنواع الأسلحة والألبسة وكيف حاصرت العصابات عكا إلا من ناحية البحر. ويقول عن مجرمي العصابات إنهم أرادوا قتل ما استطاعوا من الفلسطينيين لكنهم تركوا لهم منفذاً للهرب. سمحوا لمن يسعفه الحظ أن يركب قاربه أو يسلك طريقاً ترابياً وعراً جداً باتجاه صفد ومن ثم لبنان.


اختار من بقي من عائلة أبو أحمد أن يستقروا في مدينة صور اللبنانية الساحلية. استوطنوا في مخيم الرشيدية على البحر ومارسوا الصيد كمهنة يعرفونها. ويقول أحمد إنّه لم يكن يتجاوز الـ17 عاماً عندما هُجر من فلسطين.


عمّ أحمد وعائلته ساروا في الطريق البري المتعرج الصعب، حتى وصلوا إلى بنت جبيل ومنها رحلوا إلى سورية، واستقروا في مخيم اليرموك.

ويتابع أن النكبة نفسها تتكرر مع الفلسطينيين كل وقت. فقد ذهب أحمد وأولاده إلى سورية خلال الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، والآن يردون الجميل ويحتضنون عمه وأولاده الذين هجروا من مخيم اليرموك في سورية عام 2013.

وتتشابه فصول الرواية، فقبل أشهر قرر أحد أحفاد أحمد الهجرة إلى أوروبا، وركب القارب الذي أنهى حياة أم أحمد والأبناء (بسبب الحمولة الزائدة).

يقول أحمد: "لم أكن أريد أن أصدق، كان آخر اتصال لي مع حفيدي ياسر ليلاً يطمئننا أنه وصل وعائلته إلى تركيا، وأنهم سيبحرون إلى اليونان". يقف أحمد عن الحديث لتكمل دموعه لدقائق بقية الرواية.

لم يشاهد ما حدث مع حفيده وعائلته المكونة من خمسة أطفال وزوجته، لكنه يعرف جيداً ما معنى الغرق في البحر، ويعرف أيضاً أن العزاء الوحيد هو تسلم الجثة، لتبقى لنا ذكرى.

يقول أحمد، كنت أرى أمي وأخواتي في البحر يصرخنَ، ثم تخفت الأصوات تدريجياً فصوت المياه يكتم حتى الهمسات، وبعدها تطفو الجثث. كنت أدعو للبحر أن يبقي جثثهن إلى جانبي، كان همي الوحيد أن أجمع الجثث إلى قلبي فهم كل الماضي. وعندما رأيت مشاهد نقلها الإعلام لجثة ابنَ حفيدي على أحد شواطئ أوروبا، عرفت أن دعواتي تحققت مع هذا الطفل، فالجثة بخير.

وصل حفيدي وابنه البكر فقط سالمين إلى ألمانيا، لكنهم رفضا اللجوء، وعادا إلى شاطئ الرشيدية. الجميع يحلم هنا بالعودة إلى عكا وشاطئها ويسألون متى تنتهي النكبات المتجددة.

المساهمون