31 أكتوبر 2017
حرائق إيران في خدمة إسرائيل
على الرغم من أن ماكينة الدعاية الإسرائيلية تحرق وقوداً كثيراً في سعيها إلى شيطنة تدخلات إيران في دول الإقليم، ولا سيما في سورية؛ إلا أن نظرةً متفحصةً سرعان ما تقود إلى استنتاج أن الحرائق التي أشعلتها إيران في المنطقة قد حسّنت المكانة الاستراتيجية للكيان الصهيوني، ووسّعت بيئته الإقليمية، ومنحته هامش مناورة أكبر لتحقيق مصالحه الأمنية، فالتورّط في سورية منح إسرائيل الفرصة لاستنزاف إيران وأدواتها، ولا سيما حزب الله، وضمن تحسين مكانتها في أية مواجهة مستقبلية مع الطرفين، فقد استغلت إسرائيل استنفار حزب الله لصالح نظام الأسد، بناء على توجيهات إيران، وعمدت إلى تقليص قدرة الحزب على تعزيز قوته العسكرية وتعاظمها من خلال الحيلولة دون وصول السلاح إليه، عبر شن الغارات الجوية على مخازن وإرساليات سلاح تعود إليه؛ إلى جانب تبرير تصفية قياداتٍ عسكرية للحزب والحرس الثوري الإيراني في قلب الأراضي السورية، فقد كان حزب الله يحصل على السلاح الإيراني عبر سورية، طوال الفترة التي سبقت الثورة، ولم يحدث أن تم استهدافها إرساليات السلاح على هذا النحو، وبتلك الوتيرة.
ومما فاقم أوضاع إيران سوءاً أن إسرائيل تحظى بهامش حرية شبه مطلق بدعمٍ صامتٍ من روسيا التي يفترض أنها حليفٌ لطهران، فحاجة إيران للدور الروسي الحاسم في ضمان استقرار نظام بشار الأسد اضطرّها إلى ابتلاع التنسيق الروسي الإسرائيلي الهادف، بشكل أساس، إلى توفير بيئةٍ مناسبةٍ لمواصلة استنزافها وحزب الله. وقد تذرّعت إسرائيل بـ "المخاوف" من حصول إيران على موطئ قدم بعد انتهاء الصراع في سورية للمطالبة بأخذ مصالحها الاستراتيجية في أية تسوية سياسية لهذا الصراع؛ من خلال ترويج مشاريع تسوية، تهدف إلى تقسيم سورية. ليس هذا فحسب، بل تتذرّع إسرائيل بالوجود الإيراني في شن حملةٍ دبلوماسية ودعائية، تهدف إلى إضفاء شرعية دولية على قرارها فرض سيادتها على هضبة الجولان. ومن المفترض أن يبلغ هذا التحرك أوجه خلال الزيارة المتوقع أن يقوم بها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، لتل أبيب نهاية مايو/ أيار الجاري، حيث يفترض أن تعرض إسرائيل عليه خطةً تفصيليةً بهذا الشأن، أعدها وزير الاستخبارات يسرائيل كاتس. ومما لا شك فيه أن تجلد إيران وحزب الله وتسليمهما بالغارات التي تشنها إسرائيل في قلب سورية وعدم الرد عليها يمسّ الانطباع الذي يحاولان تكريسه عن دورهما باعتبارهما "قوتي ممانعة" للمشروع الصهيوني.
في الوقت نفسه، سمح التدخل الإيراني في سورية والدول العربية الأخرى لإسرائيل بمحاولة تحقيق جملةٍ من المكاسب، فشلت في تضمينها في الاتفاق النووي مع القوى العظمى، ولا سيما إلزام طهران بالتخلص من ترسانتها الصاروخية، من خلال الادعاء أن تفكيك الصواريخ الباليستية يقلّص من خطورة توسع طهران الإقليمي. وها هم قادة الأغلبية الجمهورية في الكونغرس يتذرّعون بتدخلات إيران في المنطقة وترسانتها الصاروخية، لتبرير تقديم مشاريع قوانين، تنظم فرض عقوباتٍ مالية جديدة على إيران؛ مع العلم أن مشاريع هذه القوانين تحظى بدعم عدد من كبار المسؤولين في الإدارة الأميركية الجديدة. وقد أفضى التدخل الإيراني في دول المنطقة إلى تحسين البيئة الإقليمية لإسرائيل، بشكل واضح، من خلال إسهامه في توفير المسوّغات لدى قوى إقليمية كثيرة للتقارب مع تل أبيب، والتعاون معها. وقد تطوّر التعاون بين إسرائيل وتلك القوى إلى درجة أن وزير الدفاع الأميركي، جيمس ماتيس، قد تحدث، خلال زيارته إسرائيل أخيرا، صراحة عن "تحالف إقليمي يضم إسرائيل ودولاً عربية بهدف مواجهة إيران والقوى الإسلامية المتطرفة" (مجلة الدفاع الإسرائيلي، 29-4). ويتحدث الإسرائيليون بوضوح عن توفر الظروف لنشوء "حلف ناتو شرق أوسطي"، بذريعة مواجهة إيران (مجلة الدفاع الإسرائيلي، 29-4)، فالحكومة الإسرائيلية الحالية التي تعد الأكثر تطرفا في تاريخ الكيان الصهيوني مدينةٌ لإيران بتوفير البيئة التي سمحت لرئيسها، بنيامين نتنياهو، عرض تصوّره لحل الصراع مع الشعب الفلسطيني، من خلال صيغة التسوية الإقليمية التي تهدف عمليا إلى تصفية القضية الوطنية الفلسطينية، فبنيامين نتنياهو يعرض عمليا على الدول العربية صفقةً تقوم على تعاون إسرائيل مع الدول العربية في مواجهة "الخطر الإيراني" في مقابل مساعدة الدول العربية في حل الصراع مع الشعب الفلسطيني، من دون أن تتحمل إسرائيل أعباء هذا الحل.
في الوقت نفسه، يحسّن تقاربٌ مع الدول العربية من قدرة إسرائيل على مواجهة قوى المقاومة الفلسطينية، ويوفّر بيئةً أكثر ملاءمة لاستهدافها، مع العلم أن طهران تدّعي أن هذه القوى محسوبةٌ على المحور الذي تقوده. ومن الأهمية التأكيد، هنا، أن التذرّع بالحاجة إلى مواجهة إيران لا يبرّر تعاون بعض الدول العربية مع إسرائيل، ولا يسوّغ نسج الشراكات معها، فهذا التبرير غير متماسكٍ من ناحية أخلاقية، كما أن الرهانات العربية على عوائد التعاون مع إسرائيل غير موضوعية، وغير واقعية.
في كل الأحوال، يتبين أن الحريق الهائل الذي أشعلته إيران في المنطقة يصب في صالح إسرائيل، ويساعد الأخيرة على تحقيق مصالحها الاستراتيجية والأمنية، من دون أن تكون مطالبةً بتقديم تنازلاتٍ كبيرة، أو بذل كثير من مواردها الذاتية. ناهيك عن أن هذه التدخلات أصبحت مركبا أساسيا من ضمن مركبات البيئة التي تسمح بالمسّ بفلسطين، وقضيتها ومقاومتها.
وسيتبين لإيران، عاجلا أم آجلا، أنها لم تساعد إسرائيل على تحقيق مصالحها فقط، بل أيضا أن أياً من رهاناتها على التدخل في شؤون المنطقة لن يتحقّق.
ومما فاقم أوضاع إيران سوءاً أن إسرائيل تحظى بهامش حرية شبه مطلق بدعمٍ صامتٍ من روسيا التي يفترض أنها حليفٌ لطهران، فحاجة إيران للدور الروسي الحاسم في ضمان استقرار نظام بشار الأسد اضطرّها إلى ابتلاع التنسيق الروسي الإسرائيلي الهادف، بشكل أساس، إلى توفير بيئةٍ مناسبةٍ لمواصلة استنزافها وحزب الله. وقد تذرّعت إسرائيل بـ "المخاوف" من حصول إيران على موطئ قدم بعد انتهاء الصراع في سورية للمطالبة بأخذ مصالحها الاستراتيجية في أية تسوية سياسية لهذا الصراع؛ من خلال ترويج مشاريع تسوية، تهدف إلى تقسيم سورية. ليس هذا فحسب، بل تتذرّع إسرائيل بالوجود الإيراني في شن حملةٍ دبلوماسية ودعائية، تهدف إلى إضفاء شرعية دولية على قرارها فرض سيادتها على هضبة الجولان. ومن المفترض أن يبلغ هذا التحرك أوجه خلال الزيارة المتوقع أن يقوم بها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، لتل أبيب نهاية مايو/ أيار الجاري، حيث يفترض أن تعرض إسرائيل عليه خطةً تفصيليةً بهذا الشأن، أعدها وزير الاستخبارات يسرائيل كاتس. ومما لا شك فيه أن تجلد إيران وحزب الله وتسليمهما بالغارات التي تشنها إسرائيل في قلب سورية وعدم الرد عليها يمسّ الانطباع الذي يحاولان تكريسه عن دورهما باعتبارهما "قوتي ممانعة" للمشروع الصهيوني.
في الوقت نفسه، سمح التدخل الإيراني في سورية والدول العربية الأخرى لإسرائيل بمحاولة تحقيق جملةٍ من المكاسب، فشلت في تضمينها في الاتفاق النووي مع القوى العظمى، ولا سيما إلزام طهران بالتخلص من ترسانتها الصاروخية، من خلال الادعاء أن تفكيك الصواريخ الباليستية يقلّص من خطورة توسع طهران الإقليمي. وها هم قادة الأغلبية الجمهورية في الكونغرس يتذرّعون بتدخلات إيران في المنطقة وترسانتها الصاروخية، لتبرير تقديم مشاريع قوانين، تنظم فرض عقوباتٍ مالية جديدة على إيران؛ مع العلم أن مشاريع هذه القوانين تحظى بدعم عدد من كبار المسؤولين في الإدارة الأميركية الجديدة. وقد أفضى التدخل الإيراني في دول المنطقة إلى تحسين البيئة الإقليمية لإسرائيل، بشكل واضح، من خلال إسهامه في توفير المسوّغات لدى قوى إقليمية كثيرة للتقارب مع تل أبيب، والتعاون معها. وقد تطوّر التعاون بين إسرائيل وتلك القوى إلى درجة أن وزير الدفاع الأميركي، جيمس ماتيس، قد تحدث، خلال زيارته إسرائيل أخيرا، صراحة عن "تحالف إقليمي يضم إسرائيل ودولاً عربية بهدف مواجهة إيران والقوى الإسلامية المتطرفة" (مجلة الدفاع الإسرائيلي، 29-4). ويتحدث الإسرائيليون بوضوح عن توفر الظروف لنشوء "حلف ناتو شرق أوسطي"، بذريعة مواجهة إيران (مجلة الدفاع الإسرائيلي، 29-4)، فالحكومة الإسرائيلية الحالية التي تعد الأكثر تطرفا في تاريخ الكيان الصهيوني مدينةٌ لإيران بتوفير البيئة التي سمحت لرئيسها، بنيامين نتنياهو، عرض تصوّره لحل الصراع مع الشعب الفلسطيني، من خلال صيغة التسوية الإقليمية التي تهدف عمليا إلى تصفية القضية الوطنية الفلسطينية، فبنيامين نتنياهو يعرض عمليا على الدول العربية صفقةً تقوم على تعاون إسرائيل مع الدول العربية في مواجهة "الخطر الإيراني" في مقابل مساعدة الدول العربية في حل الصراع مع الشعب الفلسطيني، من دون أن تتحمل إسرائيل أعباء هذا الحل.
في الوقت نفسه، يحسّن تقاربٌ مع الدول العربية من قدرة إسرائيل على مواجهة قوى المقاومة الفلسطينية، ويوفّر بيئةً أكثر ملاءمة لاستهدافها، مع العلم أن طهران تدّعي أن هذه القوى محسوبةٌ على المحور الذي تقوده. ومن الأهمية التأكيد، هنا، أن التذرّع بالحاجة إلى مواجهة إيران لا يبرّر تعاون بعض الدول العربية مع إسرائيل، ولا يسوّغ نسج الشراكات معها، فهذا التبرير غير متماسكٍ من ناحية أخلاقية، كما أن الرهانات العربية على عوائد التعاون مع إسرائيل غير موضوعية، وغير واقعية.
في كل الأحوال، يتبين أن الحريق الهائل الذي أشعلته إيران في المنطقة يصب في صالح إسرائيل، ويساعد الأخيرة على تحقيق مصالحها الاستراتيجية والأمنية، من دون أن تكون مطالبةً بتقديم تنازلاتٍ كبيرة، أو بذل كثير من مواردها الذاتية. ناهيك عن أن هذه التدخلات أصبحت مركبا أساسيا من ضمن مركبات البيئة التي تسمح بالمسّ بفلسطين، وقضيتها ومقاومتها.
وسيتبين لإيران، عاجلا أم آجلا، أنها لم تساعد إسرائيل على تحقيق مصالحها فقط، بل أيضا أن أياً من رهاناتها على التدخل في شؤون المنطقة لن يتحقّق.