وإثر خسارة غريان، أطلق المتحدث العسكري باسم قيادة مليشيات حفتر، أحمد المسماري، تهديدات باستهداف أي سفينة تركية تدخل إلى المياه الليبية، بل اعتبر المواطنين الأتراك في ليبيا رعايا دولة معادية، بحسب تعبيره.
لكن وزارة داخلية حكومة الوفاق والمجلس الأعلى للدولة قلّلا من أهمية هذه التهديدات. واعتبرت الوزارة والمجلس في بيانين منفصلين، اليوم الأحد، أن تهديدات حفتر لا قيمة لها، وأن حكومة الوفاق مستمرة في علاقاتها مع تركيا.
وأكد المجلس الأعلى للدولة من جهته، أن ليبيا وتركيا تربطهما علاقات مبنية على اتفاقات، وأي هجمات عدوانية ضد الأصدقاء، وعلى رأسهم تركيا، تعد إضراراً بالأمن القومي وسيتم الوقوف ضدها بكل حزم.
وطالب مجلس الدولة الأمم المتحدة ومجلس الأمن باتخاذ إجراءات رادعة لوقف انتهاكات مليشيات حفتر الإجرامية، بحسب البيان.
وجاء تهديد المسماري بعد عجز قيادته على إثبات تهم، أطلقتها بشأن تصفية عدد من جرحى قوات حفتر بمستشفى غريان، لكن الهلال الأحمر الليبي سلم 42 جثة لمقاتلي حفتر الجمعة الماضية لقيادة مليشيات حفتر في بنغازي، ثبت مقتلهم في معركة غريان الأربعاء الماضي.
لكن خسائر حفتر لم تكن على الصعيد العسكري فقط، بل كانت سياسياً أيضاً، فبعد حديث متزايد عن العثور على أسلحة خلّفتها مليشيات حفتر داخل معسكر الثامنة في غريان، ثبت أن بعضها أميركي الصنع ولا تمتلكه سوى دولة الإمارات، أكد وزير الداخلية بالحكومة فتحي باشاغا، أن بعض الدول التي قدمت الدعم لحفتر "بدأت تتراجع"، مرجعاً السبب إلى أن تلك الدول "وجدت مصلحتها مع حكومة الوفاق".
لكن باشاغا أكد، خلال تصريح لتلفزيون محلي ليل الجمعة الماضية، في ذات الوقت، أن تلك الدول "لم تعد مصدر ثقتنا".
ومثّل إعلان وزارة الخارجية الأميركية بشأن اهتمامها الكبير بالتقارير التي أثبتت سوء استعمال الأسلحة الأميركية في ليبيا، ضربة أخرى لحفتر بعد أشهر من محاولات وسائل إعلام محلية ودولية تسويق اتصال الرئيس الأميركي دونالد ترمب، بحفتر في العشرين من إبريل/ نيسان الماضي، على أنه مباركة لهجومه على طرابلس.
وأكدت الخارجية الأميركية، في بيان مساء أمس السبت، أنها تأخذ بجدية فائقة جميع التقارير عن سوء استعمال أسلحة أميركية الصنع، مشددة على أن "السلامة والاستقرار في ليبيا لا يتحققان إلا عبر الحل السياسي".
وجاء بيان الداخلية الأميركية بعد تقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز"، أكدت فيه أن وزارة الدفاع الأميركية بدأت تحقيقاً في كيفية وصول "صواريخ جافلين" الأميركية المضادّة للدبابات، إلى يد مليشيات حفتر في ليبيا.
وكانت قوات حكومة الوفاق قد نشرت في بيانات، الجمعة والسبت، صوراً لصورايخ أميركية الصنع عثر عليها في معسكر الثامنة في غريان، الذي كانت مليشيات حفتر تتخذه معسكراً رئيسياً لقواتها المهاجمة لطرابلس، وذلك تزامناً مع تقارير إعلامية تفيد بأن الإمارات هي الدولة الوحيدة في المنطقة التي تمتلك هذا النوع من الصواريخ.
ويؤكد مراقبون أن استمرار قصف طيران حفتر لمعسكر الثامنة، محاولة منه لإخفاء أدلّة ووثائق تركتها مليشياته إثر هربها من المعسكر، بعد أن أكدت تقارير إعلامية العثور على وثائق تثبت استعانة حفتر بضباط ومقاتلين أجانب، منهم مرتزقة تشاديون في حربه على طرابلس.
ورغم إعلان "كتيبة صقور الصحراء لحماية الحدود" بالمنطقة العسكرية الجنوبية التابعة لحفتر، اليوم الأحد، عن توجهها من القطرون جنوباً إلى تخوم غريان، لــ"تحريرها"، وفق بيانها، إلا أن استعادة المدينة باتت أمراً صعباً بحسب المعطيات الجغرافية، فالمدينة الجبلية محصنة طبيعياً ولا يمكن الولوج إليها إلا عبر منفذ أبورشادة والهيرة، وكلاهما تسيطر عليه قوات الحكومة وتؤمنه بشكل كبير.
يذكر أن مليشيات حفتر لم تدخل غريان في السابق بعد قتال، بل سيطرتها بعد مفاوضات مع مليشياتها التي سلّمتها المدينة.
هذه الضغوط الكثيفة يبدو أنها دفعت حفتر إلى الاعتراف الضمني بخسارة معركة طرابلس، من خلال تقديم مبادرة لحل الأزمة سياسياً.
فقد أكد المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة، في تصريح لوكالة الأنباء الكويتية عقب اجتماعه بوزير الخارجية الإيطالية إنزو ميلانيزي في روما، أن البعثة تسلمت مبادرة من خليفة حفتر.
وأعرب سلامة عن ترحيبه بمبادرة حفتر للحل السياسي، معتبراً أنها "بداية للحديث عن حل سياسي، بعد أن كان محرماً حتى وقت قريب".