11 نوفمبر 2024
تونس.. كيف خسرت "النهضة" انتخابات الرئاسة؟
ما زالت أصداء زلزال الانتخابات الرئاسية التي شهدتها تونس تثير أسئلة وردود أفعال مختلفة، لعل أهمها: كيف خسرت حركة النهضة، في عدم مرور مرشحها، عبد الفتاح مورو، إلى الدور الثاني؟ وكيف صعد منافساه، قيس سعيد ونبيل القروي، متقدمين عليه بمئات آلاف الأصوات؟ جملة من العوامل حاسمة في هذا التراجع المريع لحركة النهضة من انتخابات إلى أخرى (2011 – 2019)، فقد خسرت في أقل من عقد ما يفوق عن مليون صوت، مكتفية بما يناهز 420 ألف صوت. وأعتقد أن العوامل الداخلية كانت الحاسمة.
أولاً، منذ خروجها من الحكم بداية سنة 2014، وعودتها إليه في مشاركات متعدّدة الأشكال والأحجام، ظلت منزلة حركة النهضة في الحكم غامضة، حيث لا يفهم الناس حقيقة إن كانت تحكم أم لا تحكم. والأكيد أن هذا الحضور الملتبس الذي طال أدّى إلى الملل من "النهضة" التي تحكم، حتى وإن كانت "لا تحكم بما يكفي"، كما تقول، من خلال حضورها المكثف في دوائر الحكم (الوزراء في الحكومة، الكتلة الأكبر في السنة الأخيرة في مجلس النواب ..). وفي كل الحالات، هي ليست في المعارضة. حصلت قناعة راسخة لدى فئات واسعة بأن على "النهضة" تحمل مسؤولية حكمها، ولذلك شملها العقاب، ولم يستثنها، بل ربما كانت أكثر من دفع ثمناً باهظاً جرّاء أخطاء الحكم. وقد زاد صعود مورو، أخيراً، إلى رئاسة مجلس النواب هذه القناعة رسوخاً. وثمة شباب محتج وغير منتظم حزبياً يرى أن "النهضة" تنكّرت لأشواقه وتطلعاته في العدل
والحرية والعدالة، وأنها قبلت بالمصالحة مع النظام القديم والاقتراب منه، ومدّته بطوق النجاة في أكثر من مرة، فإذا كان اليسار هو الذي اعترف بشرعية ميلاد حزب نداء تونس، فإن "النهضة" هي التي رعته وأرضعته. قطعت "النهضة" مع مخيم الثائرين والمحتجين، ولم تفلح في تحقيق اختراق واسع في المخيم المقابل، إذ ظلت عندهم غير حداثية، تقليدية ومخيفة. ورأينا هذا الخطاب والابتزاز في مناسبات عديدة، وفي أثناء الحملة الانتخابية، حتى لو كان ذلك من باب الدعاية العارضة. لم يكن بالإمكان أن تعود "النهضة" إلى مخيم الثائرين، حين استنجدت في الأيام الأخيرة بمعجم الثورة. .. لقد فات الأوان.
ثانياً، لم تنجز حركة النهضة رؤية استراتيجية تخوض بها الحملة الانتخابية، وظلت متردّدة، خصوصاً وأنها، إلى حد السنة الفارطة، راهنت على رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، وعملت على إنجاح هذا السيناريو، وضحت بعلاقتها بالمرحوم الباجي السبسي، حين استماتت في الدفاع عن الشاهد، على أمل أن يعبرا انتخابات 2019 معاً. لم يقنع هذا التوجه جميع أبناء الحركة، بل ظل محل خلاف وتنازع شديد. ومع ذلك تم فرضه والمرور به أمراً واقعاً، ثم تبعته فيما بعد رحلة البحث عن العصفور النادر الذي ذبذب على النهضة وأنصارها البوصلة، حتى يتم لاحقاً التخلي عن هذه المبادرة، حين تم "التفطن" إلى مورو. كان ذلك مما عكّر أكثر المزاج الداخلي. ولم يكن مورو سوى بضاعة مستهلكة، وممجوجة أحياناً، من خلال حضوره الإعلامي الروتيني الذي تغلب عليه كليشيهات "الدعابة"، في حين كان الناس يبحثون عن جديد، حتى ولو كان" غريباً" (قيس سعيد الغامض ونبيل القروي المريب الملتبس ..). لم تفطن "النهضة" إلى رغبة جامعة في رؤية عرض انتخابي جديد ووجوه جديدة، حتى لو كانت مغامرة.. مزاج شبابي خصوصاً يبحث عن القصوويّ.
ثالثاً، كانت قراءة "النهضة" لانتصارها في الانتخابات البلدية 2018 كسولة، وهي التي تعامت غروراً عن نصف الدرس، أي تنامي ظاهرة المستقلين وتنامي نزوع المزاج الانتخابي إلى البحث عن ممثلين غير منتمين إلى "النومونكلاتورا الحزبية". كان ذلك إنذارا مبكّرا، تم كتم صوته وطمسه تحت قراءة سعيدة مكتفية بذاتها. لقد عمّق ذلك كسل "النهضة" الفكري والسياسي، وتغافل الحس الاستراتيجي لها عن هذه النزوات الانتخابية المتنامية، ولم ينتبه إلى أن تحت الأرض الصلبة زلزالاً قادماً، نما في أحشاء انتصار المحليات 2018 وخسارة 2019.
رابعاً، طفت على السطح، منذ أشهر، صراعات داخلية، تجاوزت السقف المألوف لحركةٍ طالما تغنّت بوحدة الصف والانضباط الحزبي وصلابة المؤسسات. لم تكتف تلك الخلافات بما سال في مواقع التواصل الاجتماعي بين إخوة المحنة، بل وصل صداه إلى وسائل الإعلام. ولم يكتف هذا الصراع بشقوق الداخل والخارج، السجن والمنفى، الدعوي بالسياسي، بل استهدف، هذه المرّة،
من كان يعد دوماً ضامن وحدتها ورمزها، الشيخ راشد الغنوشي، توجهت إليه سهام النقد فيما يتعلق بمسألة الانتخابات الداخلية لممثلي الحركة في الانتخابات التشريعية (خلاف القوائم). كان ذلك الخلاف مربكاً، وجاءت تداعياته خطيرة على تماسك الحركة، وتعبئتها في الحملة الانتخابية التي يبدو أنها لم تفلح في جمع ممكنات الحركة النفسية، فثمة نوع من التحلّل النفسي، وفقدان للحماسة الكافية للتعبئة. انتشر بشكل مفزع شعورٌ بأن هناك جهات تجيّر لصالحها الانتصار الانتخابي لو حصل. تحدث الغنوشي، فيما بعد، في تصريحات عديدة، عن أخطاء جسيمة ارتكبت، نجم عنها فقدان مرشح الحركة، عبد الفتاح مورو، أكثر من خُمس أصوات أبنائها التي منحها أصحابها للمنافسين، قيس سعيد وسيف الدين مخلوف.
خامساً، كان ترشيح حركة النهضة شخصاً من داخلها مجازفة غير مأمونة العواقب. ويبدو أن الضغط التنظيمي الداخلي دفع بهذا الخيار الذي لم يكن خياراً سياسياً، بل تنظيمياً. ولذلك لم تستطع حملة مورو الانتخابية أن تقنع "التنظيم" بضخ ما تمتلك من مصادر وذخيرة وموارد، بل واجهت عراقيل كثيرة ناجمة أصلاً عن التباين الحاصل بين التنظيم و"الماكينة" والقواعد. ولم يكن هيكل الانتخابات في انسجام مع حملة مورو الانتخابية. وكان خطاب الشيخ مورو "فولكلورياً"، لم يفلح في جلب الانتباه بعيداً عن قاموس الشباب ومفرداته واستعاراته. كما أن أداء الرجل في المناظرة التلفزيونية كان مخيباً لمتابعين عديدين. كما كان شباب "النهضة" الرقم الهزيل في المعادلة الجديدة الذي تحول "شباب حزب حاكم" مخالبه من مخمل. حرمت الحملة الانتخابية من ممارسات تعبوية شبابية حية، تبتكر وتبدع، وظلت الحملة مستندة إلى آلة ضخمة، لكن براغيها ثقيلة ومعطوبة أصابها صدأ بغيض.
لهذه الأسباب الداخلية الخاصة بحركة النهضة، كانت النتيجة خروج مرشحها عبد الفتاح مورو من الدور الأول في الانتخابات الرئاسية.
ثانياً، لم تنجز حركة النهضة رؤية استراتيجية تخوض بها الحملة الانتخابية، وظلت متردّدة، خصوصاً وأنها، إلى حد السنة الفارطة، راهنت على رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، وعملت على إنجاح هذا السيناريو، وضحت بعلاقتها بالمرحوم الباجي السبسي، حين استماتت في الدفاع عن الشاهد، على أمل أن يعبرا انتخابات 2019 معاً. لم يقنع هذا التوجه جميع أبناء الحركة، بل ظل محل خلاف وتنازع شديد. ومع ذلك تم فرضه والمرور به أمراً واقعاً، ثم تبعته فيما بعد رحلة البحث عن العصفور النادر الذي ذبذب على النهضة وأنصارها البوصلة، حتى يتم لاحقاً التخلي عن هذه المبادرة، حين تم "التفطن" إلى مورو. كان ذلك مما عكّر أكثر المزاج الداخلي. ولم يكن مورو سوى بضاعة مستهلكة، وممجوجة أحياناً، من خلال حضوره الإعلامي الروتيني الذي تغلب عليه كليشيهات "الدعابة"، في حين كان الناس يبحثون عن جديد، حتى ولو كان" غريباً" (قيس سعيد الغامض ونبيل القروي المريب الملتبس ..). لم تفطن "النهضة" إلى رغبة جامعة في رؤية عرض انتخابي جديد ووجوه جديدة، حتى لو كانت مغامرة.. مزاج شبابي خصوصاً يبحث عن القصوويّ.
ثالثاً، كانت قراءة "النهضة" لانتصارها في الانتخابات البلدية 2018 كسولة، وهي التي تعامت غروراً عن نصف الدرس، أي تنامي ظاهرة المستقلين وتنامي نزوع المزاج الانتخابي إلى البحث عن ممثلين غير منتمين إلى "النومونكلاتورا الحزبية". كان ذلك إنذارا مبكّرا، تم كتم صوته وطمسه تحت قراءة سعيدة مكتفية بذاتها. لقد عمّق ذلك كسل "النهضة" الفكري والسياسي، وتغافل الحس الاستراتيجي لها عن هذه النزوات الانتخابية المتنامية، ولم ينتبه إلى أن تحت الأرض الصلبة زلزالاً قادماً، نما في أحشاء انتصار المحليات 2018 وخسارة 2019.
رابعاً، طفت على السطح، منذ أشهر، صراعات داخلية، تجاوزت السقف المألوف لحركةٍ طالما تغنّت بوحدة الصف والانضباط الحزبي وصلابة المؤسسات. لم تكتف تلك الخلافات بما سال في مواقع التواصل الاجتماعي بين إخوة المحنة، بل وصل صداه إلى وسائل الإعلام. ولم يكتف هذا الصراع بشقوق الداخل والخارج، السجن والمنفى، الدعوي بالسياسي، بل استهدف، هذه المرّة،
خامساً، كان ترشيح حركة النهضة شخصاً من داخلها مجازفة غير مأمونة العواقب. ويبدو أن الضغط التنظيمي الداخلي دفع بهذا الخيار الذي لم يكن خياراً سياسياً، بل تنظيمياً. ولذلك لم تستطع حملة مورو الانتخابية أن تقنع "التنظيم" بضخ ما تمتلك من مصادر وذخيرة وموارد، بل واجهت عراقيل كثيرة ناجمة أصلاً عن التباين الحاصل بين التنظيم و"الماكينة" والقواعد. ولم يكن هيكل الانتخابات في انسجام مع حملة مورو الانتخابية. وكان خطاب الشيخ مورو "فولكلورياً"، لم يفلح في جلب الانتباه بعيداً عن قاموس الشباب ومفرداته واستعاراته. كما أن أداء الرجل في المناظرة التلفزيونية كان مخيباً لمتابعين عديدين. كما كان شباب "النهضة" الرقم الهزيل في المعادلة الجديدة الذي تحول "شباب حزب حاكم" مخالبه من مخمل. حرمت الحملة الانتخابية من ممارسات تعبوية شبابية حية، تبتكر وتبدع، وظلت الحملة مستندة إلى آلة ضخمة، لكن براغيها ثقيلة ومعطوبة أصابها صدأ بغيض.
لهذه الأسباب الداخلية الخاصة بحركة النهضة، كانت النتيجة خروج مرشحها عبد الفتاح مورو من الدور الأول في الانتخابات الرئاسية.