تونس تعتمد "الاقتصاد الأخضر" لتعزيز السياحة البيئية

22 نوفمبر 2016
مشاريع جديدة صديقة للبيئة (فرانس برس)
+ الخط -
بدأت السياحة البيئية في تونس تحظى باهتمام المستثمرين المحليين والدوليين، على الرغم من أنها ما تزال في أولى خطواتها بعد إدراجها في العقد الأخير ضمن التوجّهات الاستراتيجية للبلاد.

وفتح "فورست كلوب"، مركز ترفيه شيّده صاحبه استناداً إلى معايير تحترم البيئة، أبوابه للزوار في أغسطس/ آب الماضي، في خطوة تجسّد توجهاً للمستثمرين في القطاع الخاص نحو السياحة البيئية.

أعمدة خشبية تصنع ممرّات وأروقة المركز الواقع بإحدى ضواحي العاصمة التونسية، أشجار وبساط أخضر يمتدّان على طول ملاعب كرة القدم واليد والتنس وغيرها من الأنشطة الرياضية. 

المكان يبدو أشبه بمشهد مقتطع من غابة، مع فارق بسيط يكمن في أن هذا المركز الترفيهي يستند إلى نظم خالية من جميع عناصر التلوّث أو المكونات الصناعية.

وعلى بعد بضعة كيلومترات فقط من وسط العاصمة، تقع غابة بمدينة "رادس"، كانت إلى وقت قريب مجرّد امتداد طبيعي لسلسلة من الأشجار، قبل أن يحوّلها مستثمر تونسي ناشط في مجال البيئة، إلى وجهة سياحية بمواصفات خاصة.

لطفي اللجمي، صاحب المركز الممتد على مساحة 5700 متر مربع، قال، في حديث للأناضول، إنّ "التوجّه العالمي نحو ما يعرف بالاقتصاد الأخضر، ألهمه فكرة إنشاء مركز بيئي خال من جميع العناصر أو المكوّنات التي من شأنها أن تضرّ بحق الأجيال المقبلة في الحصول على ثمار النموّ المستدام". 

وبحسب برنامج الأمم المتحدة للبيئة، يعرّف "الاقتصاد الأخضر" على أنّه نظام أنشطة اقتصادية يرمي إلى تحقيق نمو مستدام، يقي الأجيال المقبلة المخاطر البيئية أو حالات الندرة الإيكولوجية (نضوب المياه أو غيره من الموارد الحيوية الأخرى). 

اللجمي، أضاف أن مركزه جاء ليدعم توجّه بلاده أيضاً نحو "السياحة البيئية" في مفهوم أوضح أنه يمنح عناية خاصة للجانب البيئي في الأنشطة السياحية الترفيهية.

ومنذ العام الماضي 2015، حتى نهاية الربع الثاني من العام الحالي، عانت السياحة التونسية الوافدة من تراجع حاد، نتيجة الأوضاع الأمنية في البلاد، وتفجيرات طاولت معالم سياحية العام الماضي.

وتعد صناعة السياحة في تونس، واحدة من مصادر الدخل ومصادر العملة الصعبة في البلاد؛ وظهرت معالم تراجع الرحلات من الخارج بغرض الترفيه، سريعاً على اقتصادها المحلي في الشهور الماضية.

وبالنسبة للجمي، فإنّ "فكرة استقطاب اهتمام زبائن تعوّدوا، في معظم الأحيان، على ارتياد المناطق والمنتجعات السياحية المنتشرة في عدد من المدن الساحلية التونسية، بدت صعبة التجسيد". 

عقبات بالجملة لم تمنع ولادة مركز ترفيهي تشكّلت جميع جدرانه من الخشب، وأسقفه من القشّ، أما الأرضيات والكراسي وجميع الأواني المستخدمة، فصمّمت جميعها من مواد قابلة للتدوير، وبطريقة تحترم البيئة بشكل كامل. 

قبل ذلك، وغير بعيد عن مدخل شيّد بابه الضخم من الخشب الصلب بطابع تونسي بحت، تنتصب قاعة مخصصة لألعاب اللياقة البدنية (الجيم)، وبذات المعايير، تحتشد في الغرفة الفسيحة آلات متنوّعة تخلق نشازاً محبباً للنفس بينها وبين ديكور هادئ خال من المؤثّرات العصرية.

25 موظّفاً يعملون بالتناوب على مدار اليوم، لتأمين استقبال لائق للزبائن من المحليين والأجانب، وأجنحة للبالغين وأخرى للأطفال، وثالثة لعشاق الرياضات بأنواعها من كرة اليد إلى السلة مروراً بالتنس وركوب الخيل، وليس انتهاءً بالسباحة والرقص.

أما بخصوص الإقبال على المركز، فأشار اللجمي إلى أنّ زبائنه يستغربون وجود مكان في غابة كانوا إلى وقت قريب "يخشون اقتحامها حتى في وضح النهار"، كما يقول. 

وتابع: "الناس أضحوا مدركين جيّداً أهمية المحافظة على البيئة، وذلك من أجل سلامتهم وسلامة أبنائهم". 

ومضى يقول إن "المعادلة الصعبة تكمن في تقديم خدمات قادرة على جذب الزبائن، وبأسعار تتناسب مع قدراتهم الشرائية، على أن يتم كل ذلك في إطار يقيهم التأثيرات السلبية للتلوّث وغيره من الأضرار البيئية الأخرى". 

الدخول إلى المركز مجاني، والزبون لا يدفع سوى ثمن الخدمة المقدّمة إليه سواء الأكل أو ممارسة شتّى أنواع الرياضات، بكلفة لا تتجاوز الـ 10 دولارات للشخص الواحد. 

ووفق اللجمي، تقدّر الكلفة الإجمالية لتشييد المركز بنحو ملياري ونصف دينار تونسي (ما يعادل 1.1 مليار دولار). 

ويتدفق يومياً، المئات من داخل البلاد ومن خارجها، لزيارة مركز يعتبر استثناء في العاصمة التونسية، وتحديداً في مدينة غالباً ما يضطرّ سكّانها إلى التنقّل باتّجاه الضواحي الشمالية للعاصمة، بحثاً عن الترفيه في عطلات نهاية الأسبوع.

ووفق بيانات وزارة البيئة التونسية، فإن مصطلح "السياحة الخضراء" أو "السياحة البيئية"، المعتمد في البلاد منذ عقود، يقترن بجملة من المبادئ أهمها أنه منتوج سياحي مسؤول وذو تأثيرات محدودة على البيئة، كما أنه يضفي فوائد للمجتمعات المحلية، ويكرّس مفهوم السياحة المستدامة. 

نبيل حمادة، مدير عام البيئة وجودة الحياة بالوزارة، قال للأناضول، إن "السياحة الإيكولوجية المرتكزة بالأساس على مكونات الطبيعة أو على المنظومات الطبيعية مثل الحدائق الوطنية والغابات وغيرها، تعتبر من روافد السياحة البيئية في تونس". 

وأوضح حمادة أن "تونس تحتوي على 44 محمية تختزل إمكانات هامة للنهوض بالقطاع السياحي البيئي في البلاد". 

إمكانات أضاف، أنها في انتظار توفّر الاستثمار اللازم لتأهيل المناطق الموجودة فيها، وتحسين أو بناء البنية التحتية اللازمة لتيسير وصول السياح إليها. 

(الأناضول)
دلالات
المساهمون