04 نوفمبر 2024
تونس بعد سبع سنوات من الثورة
يحتفل التونسيون، بعد أيام، بالذكرى السابعة لثورتهم التي أسقطت نظاما استبداديا، هو من الأنظمة الأكثر فسادا في المنطقة. فتحت الثورة للتونسيين سماء كاملة من الحرية، ولكن هذه السماء لمّا كانت واسعة، غطت مناطق مجاورة، فألهمت شعوبا، وشجعتهم على الثورة. لم يصدّر التونسيون ثورتهم، لكنهم لم يستطيعوا منع جاذبيتها، لأن أوضاعا كانت مشابهة، احتاجت فيها الضمائر والنفوس والعقول إلى ما احتاج إليه التونسيون: قدرا من الحرية يليق ببشرٍ يخطّون عشرية أولى من القرن الواحد والعشرين. ألهمت الثورة مناطق وشعوبا عديدة في العالم العربي وغيره، من دون أن يكون لها مانفيستو خطت فيه أيديولوجيتها، على غرار الثورات الأيدولوجية، بدءا من الثورة الفرنسية، مرورا بالثورة البلشفية، حتى آخر ثورة بهذا المعنى، أي الإيرانية، قبل أن يعرف العالم موجة الثورات الملونة التي هزّت أوروبا الشرقية، تحديدا بعد سقوط جدار برلين.
لعب في هذه الثورة الشباب دورا مهما، مستغلا تقنيات التواصل الحديث والشبكات الاجتماعية، ودفع ثمنا غاليا، مئات الشهداء، لكنه انعتق من الخضوع في ثورته إلى قياداتٍ، أو مرجعياتٍ كانت ستسحقه، لو قادت الثورة زعامات، أو كان لها بدائل أيدولوجية جاهزة. طابع المفاجأة أو سقوط النظام بسرعة، وغياب قيادات مهيأة، جعل منها ثورة "عفوية". ومع ذلك، كانت عنيدة وعصية ملتفة حول شعارات ومضامين واضحة: النقمة على الفساد، التعلق بالعدالة الاجتماعية والتوق إلى الكرامة. ومع ذلك، لم يجن هذا الشباب من الثورة أشياء ذات بال، عدا ما ورد.
قد تكون نقاط القوة هذه التي خلّصت الثورة من التبعية للزعماء، كما صاغتها ثورات القرن
العشرين التي انقلبت، في النهاية، إلى أنظمةٍ شمولية، تزكّي عبادة الأشخاص إلى حد التأليه، هي أيضا نقطة الضعف التي أنهكتها وأصابتها في مقتل، حين طعنت أحشاءها الرخوة التي تسلل منها أعداء الثورة وخصومها الذين عادوا إلى المشهد السياسي أشدّ بأسا أحيانا.
سيكون صعبا تقديم جردة دقيقة عن إنجازات الثورة التونسية وإخفاقاتها. ولكن ليس في المستطاع المضي في مكابراتٍ لا تستقيم أيضا، حتى ولو كانت تلك المشاعر ناجمةً عن عشق للثورة واستماتة للدفاع عنها، على الرغم من كل الخيبات والانكسارات التي حدثت. سرعان ما دحرجت الثورة التونسية معها كرة النار، لتلتهم أنظمة مستبدة. لكن سرعان أيضا ما أطلّت معها رؤوس أفاعي الإرهاب، مستغلة الفراغات الأمنية الرهيبة. مع ذلك، هناك أكثر من مؤشر عن سعي أنظمة عربية عديدة إلى تأجيج الإرهاب، حتى يفسد على الشعوب ثوراتها. ويبدو القتل الموحش آنذاك، وكأنه ابن سفاح هذه الثورات. وفعلا حدث هذا، ونما الإرهاب بشكلٍ مفزع، واشتغلت "غرف القيادات" الخفية، متمترسةً بإعلامٍ نافذٍ، ولوبياتٍ مالية تغدق عليه، مستغلة حلم الثورة وسذاجة من أداروا السنوات الأولى من تلك المرحلة الانتقالية، وسوء تقديرهم. واستطاعت تلك الدوائر، في تونس تحديدا، أن تصيب قوى الثورة في مكمن، حين زرعت الحنين إلى سنوات بن علي تدريجيا. وهكذا عادت تلك القوى، عبر صناديق الانتخاب، وتعطلت مسيرة الثورة. ومع كل جبال هذه الخيبات، استطاع الشعب التونسي أن يصوغ دستورا متقدما جدا، وأن يرسّخ الحريات الفردية والسياسية في دولة مدنية.
بعد سبع سنوات، ما زالت القضايا الاقتصادية والاجتماعية التي ثار من أجلها التونسيون
مكانها، بل استفحل بعضها، إذ ما زال نحو سبعمائة ألف شاب عاطل عن العمل، ثلثهم من أصحاب الشهادات الجامعية، فضلا عن جهاتٍ محرومةٍ ظلت الهوة التي تفصلها عن تونس المرفهة تتعمق. ولم تنجح الحكومات المتعاقبة في الاستجابة إلى تلك التطلعات التي فتحتها الثورة، ورفعت سقفها عاليا. قد تكون الضرورات والإكراهات، الإقليمية خصوصا، بعد أن تحولت جل الثورات العربية إلى كوابيس حروب أهلية مدمرة، تقودها قوى الإرهاب والتطرّف والمخابرات الدولية، هي التي دفعت إلى "التوافق بين قوى الثورة وخصومها"، تحديدا لإنقاذ البلاد من فتنة حربٍ أهليةٍ، لكن الثمن في ذلك كله كان باهظا. التدرب على تجرع سم الثورة المضادة قطرة قطرة بشكل غير قاتل، ومع ذلك مؤلم وموجع إلى حد كبير.
يحتفل التونسيون بالذكرى السابعة هذه لثورتهم المجيدة في مناخٍ من الذكريات المؤلمة لهذا الشهر تحديدا: الذكرى العاشرة لانتفاضة الحوض المنجمي (يناير/ كانون الثاني 2008)، ذكرى انتفاضة الخبز (يناير/ كانون الثاني 1984)، ذكرى الانتفاضة النقابية/ الخميس الأسود (يناير/ كانون الثاني 1978). وفي سياق من الزيادات المسبوقة في الأسعار والضرائب، ما يجعل من الأسابيع المقبلة ألغاما قابلة للانفجار. ولكن لم يعد تغيير الحكومات يعني التونسيين، ذلك أن ما يعني أوساطا واسعةً منهم هو بشكل أساسي تحسين معاشهم.
لعب في هذه الثورة الشباب دورا مهما، مستغلا تقنيات التواصل الحديث والشبكات الاجتماعية، ودفع ثمنا غاليا، مئات الشهداء، لكنه انعتق من الخضوع في ثورته إلى قياداتٍ، أو مرجعياتٍ كانت ستسحقه، لو قادت الثورة زعامات، أو كان لها بدائل أيدولوجية جاهزة. طابع المفاجأة أو سقوط النظام بسرعة، وغياب قيادات مهيأة، جعل منها ثورة "عفوية". ومع ذلك، كانت عنيدة وعصية ملتفة حول شعارات ومضامين واضحة: النقمة على الفساد، التعلق بالعدالة الاجتماعية والتوق إلى الكرامة. ومع ذلك، لم يجن هذا الشباب من الثورة أشياء ذات بال، عدا ما ورد.
قد تكون نقاط القوة هذه التي خلّصت الثورة من التبعية للزعماء، كما صاغتها ثورات القرن
سيكون صعبا تقديم جردة دقيقة عن إنجازات الثورة التونسية وإخفاقاتها. ولكن ليس في المستطاع المضي في مكابراتٍ لا تستقيم أيضا، حتى ولو كانت تلك المشاعر ناجمةً عن عشق للثورة واستماتة للدفاع عنها، على الرغم من كل الخيبات والانكسارات التي حدثت. سرعان ما دحرجت الثورة التونسية معها كرة النار، لتلتهم أنظمة مستبدة. لكن سرعان أيضا ما أطلّت معها رؤوس أفاعي الإرهاب، مستغلة الفراغات الأمنية الرهيبة. مع ذلك، هناك أكثر من مؤشر عن سعي أنظمة عربية عديدة إلى تأجيج الإرهاب، حتى يفسد على الشعوب ثوراتها. ويبدو القتل الموحش آنذاك، وكأنه ابن سفاح هذه الثورات. وفعلا حدث هذا، ونما الإرهاب بشكلٍ مفزع، واشتغلت "غرف القيادات" الخفية، متمترسةً بإعلامٍ نافذٍ، ولوبياتٍ مالية تغدق عليه، مستغلة حلم الثورة وسذاجة من أداروا السنوات الأولى من تلك المرحلة الانتقالية، وسوء تقديرهم. واستطاعت تلك الدوائر، في تونس تحديدا، أن تصيب قوى الثورة في مكمن، حين زرعت الحنين إلى سنوات بن علي تدريجيا. وهكذا عادت تلك القوى، عبر صناديق الانتخاب، وتعطلت مسيرة الثورة. ومع كل جبال هذه الخيبات، استطاع الشعب التونسي أن يصوغ دستورا متقدما جدا، وأن يرسّخ الحريات الفردية والسياسية في دولة مدنية.
بعد سبع سنوات، ما زالت القضايا الاقتصادية والاجتماعية التي ثار من أجلها التونسيون
يحتفل التونسيون بالذكرى السابعة هذه لثورتهم المجيدة في مناخٍ من الذكريات المؤلمة لهذا الشهر تحديدا: الذكرى العاشرة لانتفاضة الحوض المنجمي (يناير/ كانون الثاني 2008)، ذكرى انتفاضة الخبز (يناير/ كانون الثاني 1984)، ذكرى الانتفاضة النقابية/ الخميس الأسود (يناير/ كانون الثاني 1978). وفي سياق من الزيادات المسبوقة في الأسعار والضرائب، ما يجعل من الأسابيع المقبلة ألغاما قابلة للانفجار. ولكن لم يعد تغيير الحكومات يعني التونسيين، ذلك أن ما يعني أوساطا واسعةً منهم هو بشكل أساسي تحسين معاشهم.