تونس.. الاقتصاد والسياسة

08 ديسمبر 2016
+ الخط -
عرفت تونس صعوباتٍ اقتصاديةً، بعد ثورتها التي أطاحت نظام الرئيس المخلوع بن علي. وعلى الرغم من أن جذور الأزمة أعمق من أن تكون نتاجاً للتحول الديمقراطي في تونس، ذلك أن حالة العجز المالي، وتصاعد البطالة، خصوصاً في صفوف الشباب وخريجي الجامعات، بالإضافة إلى استشراء الفساد والمحسوبية، كان من العوامل الأساسية التي أدت إلى اندلاع الثورة التونسية في 17 ديسمبر/ كانون الأول 2010، وصولا إلى فرار رأس النظام في 14/01/2011. فإن حالة عدم الاستقرار السياسي وتوالي الحكومات، بالإضافة إلى تصاعد المطلبية في القطاعات المختلفة زمن ما بعد الثورة، قد أفضيا إلى زيادة العجز المالي للدولة التونسية، وفرض حاجةً إلى البحث عن مصادر للتمويل من أجل إيجاد آليات للتشغيل وفرص للاستثمار، يمكنها أن تشكل رافعةً للاقتصاد الوطني التونسي.
وقد شكلت الندوة الدولية للاستثمار التي انعقدت في تونس يومي 29 و 30 نوفمبر/ تشرين الثاني محاولةً من أجل ضخ دماء جديدة في الاقتصاد التونسي. وشهدت الندوة مشاركة دولية لوفود من 40 دولة، بالإضافة إلى المؤسسات النقدية العالمية ذات العلاقة. ولا يمكن، في هذا السياق، التغاضي عن التقاطع بين البعدين السياسي والاقتصادي، في مقاربة هذا الحدث، من جانبين: فمن جهةٍ، عملت تونس على الاستفادة من تحولها الديمقراطي، وقدمت نفسها نموذجاً لنجاح تجربة سياسية واعدة، في الدولة الوحيدة من دول الثورات العربية التي حققت تطوراً سياسياً بعيداً عن الفوضى والحرب الأهلية، ومن جهة أخرى، فإن المعضلات التي يعانيها الاقتصاد التونسي يمكن أن تجد لها حلاً من خلال تركّز بعض الاستثمارات الدولية الكبرى في البلاد، بالإضافة إلى حُسن التصرف في القروض والهبات المالية، من بعض الدول والمؤسسات المالية الدولية.
ويمكن، في هذا الإطار، فهم خلفيات الدعم الدولي لتونس، كما لخصته كلمة أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، (قطر الدولة الراعية لمؤتمر الاستثمار)، حيث ركز على ثلاث مسائل أساسية:
أولا: دعم التجربة التونسية وإنجاحها، في ظل الوضع الإقليمي المضطرب، يشكل نموذجا لما يجب أن يقوم به المجتمع الدولي "في مدّ يد العون لإنجاح التجارب الواعدة، بدل الاستنفار للتشاور بعد حصول الكوارث".
ثانياً: حل المشكل الاقتصادي ومساندة الدول التي تشهد انتقالاً ديمقراطياً، يمثل "الطريق الأفضل في مواجهة التطرف والعنف، ولا يوجد علاج مضمون بعد انتشار الظاهرة"، كما يلاحظ أمير دولة قطر، الشيخ تميم بن حمد.
ثالثا: الدعم القطري موجه أساسا للشعب التونسي، ولا يتعلق بحسابات سياسوية ضيقة، مثلما
نلاحظ لدى دول أخرى، تركز على دعم الأنظمة الاستبدادية، وتتجنب الاستثمار في تنمية التحولات الديمقراطية، ذلك "أن نجاح برامج التنمية في تونس هو هدف في حد ذاته، لتحقيق حياة أفضل للشعب التونسي، وإنجاح تجربته في الحكم الرشيد، وتنظيم الحياة السياسية في ظل التعدّدية"، كما يقول الأمير الشيخ تميم الذي اعتبر أن التنمية مناسبة لإيجاد فرص عمل للشباب، لحل مشكلة البطالة والوقاية من المظاهر السلبية التي ترتبط بها، لا سيما اليأس والتطرّف.
ألقى التقاطع بين السياسي والاقتصادي بظلاله على ندوة تونس للاستثمار، لأن الرغبة الفعلية لإنجاح التجربة الديمقراطية التونسية تمر حتماً عبر حل المشكل الاقتصادي، والدفع نحو إيجاد آلياتٍ للتنمية، تساعد على الاستقرار الاجتماعي. ويبقى الجانب المهم ما بعد مؤتمر الاستثمار، وهل ستتمكن الحكومة التونسية الحالية من الاستفادة بصورة ناجعةٍ من الدعم الدولي، وتحويله إلى قوةٍ دافعةٍ، نحو مزيدٍ من التنمية والاستقرار، فالورقة السياسية المتعلقة بحالة الانتقال الديمقراطي التونسي، وما تعيشه البلاد من حالة توافق سياسية بين القوى الحزبية الكبرى، لإنجاح التجربة السياسية في البلاد، تشكل في الواقع إحدى الورقات المهمة من أجل إقناع المراكز المالية الدولية لدعم ما يمكن اعتباره نجاحاً تونسياً في تحقيق انتقال ديمقراطي هادئ في منطقةٍ موسومةٍ بالاضطرابات والصراعات والنزاعات، على خلفيات طائفيةٍ وعرقية.
غير أن ما صاحب تنظيم المؤتمر من تحركاتٍ نقابيةٍ، وقف وراءها الاتحاد العام للتونسي للشغل، والمشكلات الناجمة عن قرار الحكومة وقف كل الزيادات في الأجور، أو تفعيل كل
الاتفاقيات المالية التي تم التوقيع عليها بين الحكومات المتتالية واتحاد العمال، يثير نقاط استفهام عديدة حول استقرار الوضع الاجتماعي الضروري، لتشجيع الاستثمار الدولي، خصوصاً في ظل التصعيد الواضح والممنهج للإضرابات العمالية. وتبقى المعضلة الكبرى في إنجاح المسار الاقتصادي مرتبطاً بمدى قدرة الحكومة الحالية على محاربة الفساد والتهرّب الضريبي وإيجاد نظام اقتصادي قائم على الشفافية والحوكمة الرشيدة، وهو ما يبدو أن المرحلة السياسية الحالية، بملابساتها المختلفة، عاجزة عن تحقيقه، لأسباب موضوعية، منها عودة المنظومة السياسية والاقتصادية القديمة إلى التصرّف والتحكم في مفاصل المشهد السياسي والاقتصادي، لتنقل من جديد أزماتها وطرق عملها الفاسدة إلى المشهد الجديد.
التجربة الديمقراطية في تونس الجديدة، على الرغم من جاذبيتها وقدرتها على التقدّم خطواتٍ جيدة نحو مزيدٍ من النجاح السياسي، تظل منقوصةً إذا لم يرافقها تحول اقتصادي وتنمية اقتصادية عادلة تشمل كل الجهات والقطاعات ومحاربة كل أشكال الفساد والتربّح والمحسوبية، وهو أمر يقتضي ظهور قوى سياسية شابة ونزيهة وقادرة على تطوير البلاد، والوصول بها إلى شاطئ الأمان.
B4DD7175-6D7F-4D5A-BE47-7FF4A1811063
سمير حمدي

كاتب وباحث تونسي في الفكر السياسي، حاصل على الأستاذية في الفلسفة والعلوم الإنسانية من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بصفاقس ـ تونس، نشرت مقالات ودراسات في عدة صحف ومجلات. وله كتب قيد النشر.