24 أكتوبر 2024
تونس... الأحزاب الديمقراطية الاجتماعية في أزمة
شهدت تونس، منذ دخولها في مسار الانتقال الديمقراطي، إثر ثورة 14 يناير/كانون الثاني 2011، انفجاراً حزبياً لافتا وتعددية سياسية واسعة، شملت كل الأطياف والمكونات الفكرية والإيديولوجية الناشطة في البلاد، وإذا كانت المحطات الانتخابية المتعددة التي عرفتها تونس قد أفضت الى تحول أحزابٍ كثيرة إلى مجرد لافتاتٍ، من دون تأثير يذكر، أو حضور جماهيري أو نيابي، فإن ما عرفته أحزاب محسوبة على الخط الديمقراطي الاجتماعي من تراجع مذهل يثير تساؤلاتٍ كثيرة، ويطرح نقاط استفهام عديدة بشأن طبيعة الأزمة التي تعرفها هذه المكونات الحزبية، على الرغم من عراقة بعضها وحضورها الواضح بعد الثورة، بل وتأثيرها على المسار الانتقالي، بشكل لا يمكن إنكاره.
فأحزابٌ من قبيل التكتل الديمقراطي للعمل والحريات الذي شغل زعيمه، مصطفى بن جعفر، موقع رئيس المجلس التأسيسي، أو الحزب الجمهوري، بزعامة نجيب الشابي الذي فقد حضوره البرلماني، ليحتفظ بنائب واحد في المجلس الحالي، بالإضافة الى حالة التشرذم التي عرفها "المؤتمر من أجل الجمهورية"، تجعل المراقب يبحث عن العوامل الموضوعية التي أفضت إلى حالة التراجع الكارثي الذي عرفته القوى الديمقراطية الاجتماعية، وابتعادها عن موقع الصدارة، في ظل الثنائية القطبية التي يشكلها، اليوم، كل من حزبي النهضة ونداء تونس.
بدايةً، يمكن القول إن القوى السياسية ذات المنحى الاجتماعي تشكل ضرورة في أي مشهد سياسي متوازن، خصوصاً مع صعود خيارات ليبرالية يمينية لدى الأطراف التي تتولى حكم البلاد اليوم، وهو ما يفترض البحث في أسباب تراجع هذا التوجه، وضعف تأثيره، خصوصاً مع تصاعد نسق التغول الرأسمالي، وهيمنة أساطين السوق على المشهد السياسي، بل وتحولهم إلى المحرك الفعلي للمشهد الحزبي والفاعل الحقيقي الذي يقف خلف قرارات جوهرية وخيارات اقتصادية مصيرية، تمس الشرائح الواسعة من جماهير الشعب.
وتعترف قيادات هذه الأحزاب بحالة الضعف التي تمر بها، ويعزوها بعضهم إلى غياب الدعم المالي الضروري للنشاط السياسي، حيث صرح القيادي في حزب التكتل، محمد بنور، (إذاعة تونس الثقافية 28/09/2015) "الأحزاب الوسطية الاجتماعية في تونس تعيش، اليوم، وضعا هجيناً، وتعيش الفقر والفاقة، بسبب انعدام الدعم العمومي، ما يجعلها غير قادرة على القيام بدورها"، واتهم حزبي النداء والنهضة بعدم الشفافية في مجال التصرف المالي، مؤكدا "أن الشفافية اليوم منعدمة، وخصوصاً في مسألة التمويل الحزبي"، متسائلا عن مصادر تمويل أحزاب الائتلاف الحاكم. وعلى الرغم من أهمية الجانب المالي، إلا أنه لا يفسر سبب ضعف هذه الأحزاب، ولا تراجع حضورها في الشارع، حيث فشل حزب التكتل في الحفاظ على حضوره البرلماني، وهو الذي كان يحظى بـ26 مقعدا في المجلس التأسيسي، وهو الأمر نفسه الذي ينطبق على الحزب الجمهوري الذي أصبح لاعباً ثانوياً في المشهد الحزبي.
عجزت الأحزاب الديمقراطية الاجتماعية عن الحفاظ على وحدتها الداخلية، وأصبحت الانقسامات والصراعات الداخلية ميسماً مميزاً لنشاطها السياسي، وهو ما أدى إلى ضعف فادح في اجتذاب المناصرين، أو إقناع الكتلة الناخبة، لمنحها أصواتا كافية للمنافسة، سواء في الانتخابات الرئاسية أو البرلمانية لسنة 2014.
وعلى الرغم من سعي أحزاب اجتماعية نحو إيجاد أرضية للعمل المشترك، وعلى الرغم من
الاجتماعات المتتالية التي نظمتها، منذ الإعلان عن نتائج انتخابات أكتوبر/تشرين الأول 2014، إلا أن الأزمة تراوح مكانها، ففي إبريل/نيسان 2015، عقدت سبعة أحزاب، التكتل والجمهوري والعمل الديمقراطي والتيار الديمقراطي والتحالف الديمقراطي وحركة الشعب وحركة الديمقراطيين الاجتماعيين، اجتماعاً من أجل إيجاد صيغة للعمل الجبهوي، وصولا إلى إنشاء الحزب الديمقراطي الاجتماعي، حسب مصطفى بن جعفر الذي قال إن "الإعلان عن تأسيس الجبهة سيكون قبل الصيف، وذلك بعد الاتفاق على خريطة الطريق التي ستقود إلى تشكيل الجبهة، وتقود عملها في بداية حياتها السياسية". ولاحظ بن جعفر أن المرجعية السياسية التي تقوم عليها الجبهة المنتظرة هي "مقاومة التفاوت الاجتماعي وتحقيق التنمية العادلة بين الفئات والجهات وترسيخ الديمقراطية التشاركية، وهي مبادئ معروفة لدى الأحزاب الاجتماعية الديمقراطية في العالم"، حسب رأيه. وقال إن الجبهة "ستعمل على أن تكون بديلاً عن اليمين السياسي الديني والليبرالي الذي يسيطر على الساحة السياسية في تونس منذ الانتخابات الأخيرة"، معتبرا أن "الحكومة اليمينية الحالية غير قادرة على إجراء إصلاحات عميقة، ينتظرها التونسيون بعد الثورة" (تصريح لوكالة تونس إفريقيا للأنباء 30/04/2015)، غير أن ما حصل بعدها هو انسحاب حزبين من هذا التحالف غير المتماسك، والاكتفاء بخمسة أحزاب تعمل في إطار تنسيقية فضفاضة، عجزت عن تعبئة الجماهير، للتحرك في إطار مسيرة 12 سبتمبر/أيلول 2015 ضد قانون المصالحة الاقتصادية، بل وفشلت حتى في التنسيق مع قوى حزبية شبيهة، خصوصاً مع إقصاء "المؤتمر من أجل الجمهورية"، بالإضافة إلى رفض الجبهة الشعبية اليسارية التنسيق مع هذا التحالف الجديد، من أجل نشاط مشترك لإطاحة قانون المصالحة الاقتصادية، وكانت الحصيلة أن المشهد الحزبي لم يتعزز بقوة سياسية فعلية قادرة على أن تكون بديلاً للثنائي المهيمن حالياً (النهضة/ النداء)، والاكتفاء باجتماع شعبي شهدته مدينة صفاقس (04/10/2015)، ضم الأحزاب الخمسة الباقية، التيار الديمقراطي وحركة الشعب والحزب الجمهوري والتحالف الديمقراطي والتكتل من أجل العمل والحريات، من دون التوصل إلى إيجاد برنامج عمل موحد، أو صيغة مشتركة للنشاط السياسي المستقبلي، وليكشف المشهد عن مدى عمق الأزمة التي تعانيها الأحزاب الاجتماعية التونسية، سواء من حيث ضعف التمثيلية النيابية، أو العجز عن استقطاب الجمهور الواسع، بالإضافة إلى استمرار الصراع من أجل الزعامة، وتصدر المشهد، الأمر الذي ينبئ بتواصل حالة التشرذم، وربما فشل انتخابي في المحطات الانتخابية اللاحقة (الانتخابات البلدية)، مع استمرارية هيمنة طرفي الحكم اليوم (حزبي النهضة والنداء)، ما يستوجب مزيداً من الجهد، ومن الترفع عن الطموحات الشخصية والخلافات الإيديولوجية من أجل بناء قطب ثالث، يكون قادراً على التموقع ضمن المشهد السياسي الحالي، وإعادة صياغة الخيارات الاقتصادية والسياسية الكبرى للبلد، وهو ما سيكون أكبر كسب للتجربة الديمقراطية التونسية الناشئة.
فأحزابٌ من قبيل التكتل الديمقراطي للعمل والحريات الذي شغل زعيمه، مصطفى بن جعفر، موقع رئيس المجلس التأسيسي، أو الحزب الجمهوري، بزعامة نجيب الشابي الذي فقد حضوره البرلماني، ليحتفظ بنائب واحد في المجلس الحالي، بالإضافة الى حالة التشرذم التي عرفها "المؤتمر من أجل الجمهورية"، تجعل المراقب يبحث عن العوامل الموضوعية التي أفضت إلى حالة التراجع الكارثي الذي عرفته القوى الديمقراطية الاجتماعية، وابتعادها عن موقع الصدارة، في ظل الثنائية القطبية التي يشكلها، اليوم، كل من حزبي النهضة ونداء تونس.
بدايةً، يمكن القول إن القوى السياسية ذات المنحى الاجتماعي تشكل ضرورة في أي مشهد سياسي متوازن، خصوصاً مع صعود خيارات ليبرالية يمينية لدى الأطراف التي تتولى حكم البلاد اليوم، وهو ما يفترض البحث في أسباب تراجع هذا التوجه، وضعف تأثيره، خصوصاً مع تصاعد نسق التغول الرأسمالي، وهيمنة أساطين السوق على المشهد السياسي، بل وتحولهم إلى المحرك الفعلي للمشهد الحزبي والفاعل الحقيقي الذي يقف خلف قرارات جوهرية وخيارات اقتصادية مصيرية، تمس الشرائح الواسعة من جماهير الشعب.
وتعترف قيادات هذه الأحزاب بحالة الضعف التي تمر بها، ويعزوها بعضهم إلى غياب الدعم المالي الضروري للنشاط السياسي، حيث صرح القيادي في حزب التكتل، محمد بنور، (إذاعة تونس الثقافية 28/09/2015) "الأحزاب الوسطية الاجتماعية في تونس تعيش، اليوم، وضعا هجيناً، وتعيش الفقر والفاقة، بسبب انعدام الدعم العمومي، ما يجعلها غير قادرة على القيام بدورها"، واتهم حزبي النداء والنهضة بعدم الشفافية في مجال التصرف المالي، مؤكدا "أن الشفافية اليوم منعدمة، وخصوصاً في مسألة التمويل الحزبي"، متسائلا عن مصادر تمويل أحزاب الائتلاف الحاكم. وعلى الرغم من أهمية الجانب المالي، إلا أنه لا يفسر سبب ضعف هذه الأحزاب، ولا تراجع حضورها في الشارع، حيث فشل حزب التكتل في الحفاظ على حضوره البرلماني، وهو الذي كان يحظى بـ26 مقعدا في المجلس التأسيسي، وهو الأمر نفسه الذي ينطبق على الحزب الجمهوري الذي أصبح لاعباً ثانوياً في المشهد الحزبي.
عجزت الأحزاب الديمقراطية الاجتماعية عن الحفاظ على وحدتها الداخلية، وأصبحت الانقسامات والصراعات الداخلية ميسماً مميزاً لنشاطها السياسي، وهو ما أدى إلى ضعف فادح في اجتذاب المناصرين، أو إقناع الكتلة الناخبة، لمنحها أصواتا كافية للمنافسة، سواء في الانتخابات الرئاسية أو البرلمانية لسنة 2014.
وعلى الرغم من سعي أحزاب اجتماعية نحو إيجاد أرضية للعمل المشترك، وعلى الرغم من