تماسك أوروبي وتفكك عربي

24 يوليو 2020
توصل ساسة أوروبا إلى تسويات رغم اختلافاتهم (Getty)
+ الخط -

قدم الاتحاد الأوروبي، في قمته الأخيرة، نموذجاً يستحق التوقف عنده. فرغم اختلافات/خلافات الثقافة واللغة والأيديولوجيا الحاكمة، يميناً ويساراً، في الملكيات الدستورية والجمهوريات، توصل ساسته إلى تسويات مصالح، تمسّ حاضر ومستقبل شعوبهم، بأموال طائلة، لم تستثن منها قضايا مناخية لمصلحة أحفاد أحفادهم. 
بين "اتحادهم" وتفكك وشلل العمل العربي المشترك، بتركيباته الجامعة والإقليمية، من المحيط إلى الخليج، يقف الإنسان العربي حائراً أمام اتحاد قارة، عاشت فظائع حروب حتى العام 1945، وانشطار وتشظي "أمة عربية واحدة". 
يبدو الفساد، منذ الاستقلال، أحد أهم تشخيصات المأساة العربية. والفساد هنا ليس في صورته النمطية عن الغرب كـ"جنس" و"حشيش" و"انحلال أخلاقي"، بل فساد النظم الحاكمة. ففي أوروبا لم يخشوا القول: "سننزل بكم عقوبات، إن لم تحترموا المواثيق ودولة القانون، ونظام فصل السلطات"، في حالتي المجر وبولندا. لن تحشد بودابست ووارسو جيشيهما ضد البقية بحجة "السيادة الوطنية". فالأصل معاهدات ومواثيق تبنتها منظومة "الاتحاد الأوروبي"، الذي تأسس بعد"الجامعة العربية"، والأخيرة تشاهد مذابح محتل أجنبي و"بلدي"، يحيل مدن وأجساد أطفال العرب إلى هياكل، وتحت خيمتها "القومية" يُحمى الاستبداد.
من حق الإنسان العربي المقارنة بين أوروبا، أو المنظومة الأفريقية، وهزال حالنا العربي، الشبيه بأجساد أطفال اليمن وسورية، وصهينة العقل، ووصول لبنان والعراق إلى حواف الانهيار، ومصر إلى عبثية الهامش التاريخي، وتبديد ثروات وجهود استعادة خطاب "داحس والغبراء" في لغة "الإخوة"، واختزال البلاد والعباد في "الزعيم"، وبثقافة تستنبط "أفكار الحكم وعلومه" من قبور الراحلين، المورثين للاستبداد والفساد.
ثمة فارق واضح بين مُدخلات ومخرجات "النظام" و"اللانظام". فلا أحد يردد أن ألمانيا، مثلاً، ستنهار بمغادرة مستشارتها أنجيلا ميركل، لمنصبها العام المقبل. صحيح أن النظام الصحي الأوروبي ارتبك في بداية تفشي كورونا، لكن ذلك لم ولن يمنع المحاسبة، بمقتضيات نظام إعلاء قيمة ومكانة المواطن. 
وفي العموم، قامت منظومة أوروبا الحديثة على التخلص من أنظمة فاسدة ومتخلفة، وبعضها أصغر من لبنان. ومضت رافضة عقد عبادة الزعامة، حتى في ملكياتها الدستورية العريقة، حيث لم تفقد هيبة دولها وشعوبها، كاسكندينافيا، التي هاجر إليها مئات آلاف العرب. ببساطة، وحده "النظام"، المُستند إلى مدخلات صحيحة، وعقد اجتماعي، ومحاسبة وشفافية، وتدافع وتعددية الأفكار، يمكن أن يفرمل كارثتنا العربية وهجرة العقل العربي، واغترابه في وطنه. وعكسه، "اللانظام"، بتحويل الأوطان إلى مزارع استبداد بتكاثر أجهزة القمع وتكميم الأفواه، سيعمق الكوارث، وإن جُمّلت بتطبيل إعلامي مخز.