ومؤخرا توصل مجلس النواب إلى التعديل الدستوري الحادي عشر على مواد الإعلان الدستوري (دستور الثورة المؤقت) لتسهيل عملية إعادة تشكيل السلطة التنفيذية وتوفير منطلق دستوري قانوني لها بتحصينها من الطعن عليها أمام القضاء.
وطاول التعديل مادتين، الأولى ضمنت الاتفاق السياسي المعدل في الإعلان الدستوري، أما الثانية فقد نصت على عدم شرعية الأجسام المكونة أو المنشأة قبل التعديل، ووجوب العمل به منذ تاريخ صدوره وإلغاء كل ما يخالفه، وتحديدا الأجسام والصفات والمراكز التي لم تضمن في الإعلان الدستوري.
ويعتقد مراقبون أن محاولات المجلسين الحثيثة للإعلان عن تشكيل مجلس رئاسي جديد وحكومة جديدة منفصلة تأتي استباقا لموعد عقد الملتقى الوطني الجامع، والذي سيضم كافة الأطياف والشرائح الليبية، والتي يمكن أن تهدد وجود المجلسين وتتجاوزهما في حال اتفاقها على موعد للانتخابات وقانون للاستفتاء ينتج أجساما سياسية جديدة وبديلة عن الحالية.
المحلل السياسي الليبي، الجيلاني أزهيمة، يرى أن النواب أجهزوا بهذا التعديل على مساعي الانقلاب على سلطة السراج، و"بأيديهم أنهوا هذا المسار فلم يعد هناك حاجة لمقاومتهم"، موضحا في حديث لـ"العربي الجديد" أن "الفخ الذي وقعوا فيه من خلال المادة الثانية قد ينقلب عليهم في أي لحظة ويطيح بمجلس النواب نفسه".
وقال "حتى لو تم التغاضي عن مجلس النواب وشرعيته بعد هذه المادة فالأجسام والمؤسسات والمراكز التي أنشأتها حكومة الوفاق باتت اليوم واقعا ولا يمكن بسهولة إلغاؤها، سيما التعديل المتصل بإدارة مؤسسة النفط ونقل كثير من صلاحياتها إلى وزارات الحكومة، وأغلب الشركات والدول تتعامل مع النفط الليبي على أساس التعديل الحكومي في مؤسسة النفط"، مشيرًا إلى أن هذا مثال من عشرات الأمثلة.
وبين أزهيمة أن "ضيق الوقت والعاصفة التي يعيشها مجلس النواب وارتباك مواقف أعضائه جعلته يقرر مثل هذا التعديل دون الوعي لمخاطره وينهي مساعيه بيده". وتابع "العالم كله يتعامل مع حكومة الوفاق والمؤسسات المنشأة من قبله وترتب على هذا التعامل الكثير من الاتفاقات والإجراءات وإلغاؤه سيثير السخط على مجلس النواب دوليا كما أنه لن يرجع ثقة تلك الدول به"، مؤكدا أن المجلس في موقف مجرح جدا فهو لا يمكنه التراجع عن تعديلاته.
ولفت إلى أن قرارات تلك الأجسام المنشأة من حكومة السراج معممة وتشمل قرارات اتخذها مجلسي الدولة والنواب، مما يجعل مجلس النواب أمام محك خطير.
لكن أستاذ العلوم السياسية الليبي، خليفة الحداد، لفت إلى خطورة أخرى تطاول حليف مجلس النواب وهو اللواء خليفة حفتر. وقال في حديثه لـ"العربي الجديد" إن "نص التعديل الذي قرر إلغاء الأجسام والصفات والمراكز قبل هذا التعديل يعني أنه يطاول منصب القائد العام للجيش الذي منحه مجلس النواب لحفتر وبنى عليه كل آماله"، متسائلا "هل مجلس النواب يقصد بهذا التعديل حفتر كما يقصد السراج؟" وأوضح قائلا "لا أعتقد، فحفتر لديه طيف نيابي يمكن أن يوقف مساعي عقيلة صالح وتصعيد خلافه مع حفتر إلى هذا المستوى وما حدث لا يعكس سوى ارتباك كبير في قرارات مجلس النواب".
وأكد الحداد أن مجلس النواب لا خيار له سوى تجميد مساعيه لإطاحة السراج وحكومته للحفاظ على بقائه في المشهد وعدم دخوله في موجة من الصدامات الجديدة، معربا عن اعتقاده بأن نهاية هذه المساعي سيعلن عنها المجلس الأعلى للدولة الذي ينتظر أن يعقد جلسة للموافقة أو رفض تعديلات مجلس النواب على الإعلان الدستوري، مرجحا أن مجلس الدولة سينأى بنفسه عن الأمر ويعلن رفضه لهذه التعديلات.