تحركات مصرية للضغط على إثيوبيا قبل تشغيل سد النهضة

16 نوفمبر 2024
موظفون إثيوبيون في سد النهضة، 19 فبراير 2022 (ميناسي ونديمو هايلو/الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تواصل مصر تعزيز تحركاتها الإقليمية والدولية لمواجهة تداعيات سد النهضة، من خلال بناء تحالفات إقليمية قوية مع دول مثل جيبوتي والصومال، ومنع إثيوبيا من الحصول على منفذ بحري عبر إقليم "أرض الصومال".
- تسعى مصر لتشكيل تحالف رباعي يضم مصر والصومال وجيبوتي وإثيوبيا، وتوسيع شراكاتها مع دول حوض النيل، مع التركيز على تعطيل مشروع إثيوبيا البحري في القرن الأفريقي.
- تراهن مصر بشكل محدود على دور دولي داعم، مثل عودة دونالد ترامب، وسط تساؤلات حول نجاح استراتيجيتها في ظل سياسة إثيوبيا المتشددة.

تواصل مصر تعزيز تحركاتها لمواجهة تداعيات تشغيل سد النهضة الإثيوبي من دون التوصل إلى اتفاق ملزم، وذلك من خلال تحركات إقليمية ودولية تستهدف الضغط على أديس أبابا ومواجهة سياسة فرض الأمر الواقع. وفي ظل استمرار التعنت الإثيوبي ورفضه أي تفاوض ملزم بشأن قواعد ملء وتشغيل سد النهضة، تحرص القاهرة على بناء تحالفات إقليمية تعزز من موقفها. 

تحركات مصر لمواجهة أزمة سد النهضة

وتشمل هذه التحركات تعزيز التعاون العسكري والدبلوماسي مع جيبوتي والصومال، إضافة إلى منع أديس أبابا من الحصول على منفذ بحري عبر إقليم "أرض الصومال" (صوماليلاند) غير المعترف به دولياً.

مصر تسعى لتشكيل تحالف رباعي يضم مصر والصومال وجيبوتي وإثيوبيا

ووفقاً لما كشفته مصادر مطلعة لـ"العربي الجديد"، فإن مصر تسعى لتشكيل تحالف رباعي يضم مصر والصومال وجيبوتي وإثيوبيا. كما تعمل على توسيع شراكاتها مع دول حوض النيل، مع تركيز خاص على توقيع اتفاقيات دفاع مشترك مع أوغندا. وتهدف هذه التحركات إلى تقليص نفوذ إثيوبيا في المنطقة وتحجيم قدرتها على المناورة. ويشكل سد النهضة مصدر قلق كبير لمصر، خصوصاً فيما يتعلق بإدارته خلال مواسم الجفاف. ويرى مسؤول مصري أن أزمة السد ستتجلى بشكل أوضح مع أول موسم جفاف، إذ يتوقع أن ترفض أديس أبابا تمرير الحصص التاريخية لمصر والسودان. وأكد أن القاهرة لن تتراجع عن استخدام كل الأدوات المتاحة لضمان مصالحها المائية.

انقسام بشأن الرهان على دونالد ترامب
 

وتراهن مصر على عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، حيث سبق أن اتخذ موقفاً أقرب للموقف المصري، بما في ذلك فرض عقوبات على إثيوبيا في 2020. ومع ذلك، تنقسم الآراء حول مدى واقعية هذا التعويل. ويقول وزير الموارد المائية والري المصري السابق، محمد نصر الدين علام، في تصريح لـ"العربي الجديد" إن "التعويل على ترامب قد يكون غير واقعي من الناحية السياسية"، متسائلاً عن "دوافع ترامب لدعم مصر ضد حليف استراتيجي مثل إثيوبيا، الذي يرتبط بعلاقات وثيقة مع إسرائيل. ويقول: "لا أعتقد أن ذلك ممكن أو واقعي. وباختصار، يمكن فهم ما يجري من خلال التساؤل عن: لماذا ترامب يخدم مصر ويساندها ضد الحليف الإثيوبي-الإسرائيلي؟".

عمار فايد: الوضع الحالي يمنح إثيوبيا قوة تفاوضية أكبر

ويتفق أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، عمار فايد مع أهمية الدور الأميركي لكنه يرى أن الوضع الحالي يمنح إثيوبيا قوة تفاوضية أكبر. ويقول في حديث لـ"العربي الجديد": "نعم، من المرجح أن مصر ستسعى لإعادة إحياء الدور الأميركي الذي كان أقرب تفهمًا للموقف المصري خلال إدارة ترامب الأولى. لكن أعتقد كذلك أن القاهرة تدرك أن هذا غير كافٍ، خصوصاً أن السد بات واقعاً يمنح أديس أبابا قوة تفاوضية أكبر".

ويضيف: "ما تعوّل عليه مصر أكثر في تقديري هو الوجود العسكري في الصومال وتعطيل مشروع إثيوبيا البحري في القرن الأفريقي، باعتبار أن هذا يمنح مصر ورقة مساومة قوية في مواجهة أبي أحمد. ما زال من المبكر الجزم بنجاعة هذا الرهان، لكنّه يظل أكثر تحرك جاد قامت به القاهرة في مواجهة سياسة فرض الأمر الواقع الإثيوبية".

وفي عام 2019، قام وزير الخارجية المصري السابق سامح شكري، بالتوقيع المبدئي بالأحرف الأولى على الاتفاق الفني النهائي لتشغيل وإدارة سد النهضة الذي اقترحته كل من وزارة الخزانة الأميركية والبنك الدولي للإنشاء والتعمير، وكان ذلك في البيت الأبيض بالعاصمة الأميركية واشنطن، إبان ولاية الرئيس دونالد ترامب الأولى. وكان التوقيع غير ملزم للحكومة المصرية، ورفضت إثيوبيا الحضور أصلاً إلى واشنطن، كما رفض السودان التوقيع، وبررت وزيرة الخارجية السودانية آنذاك مريم الصادق المهدي الرفض، بأن دولة المنبع (إثيوبيا) لم تحضر فكيف للخرطوم أن توقع.
وحين انتقدت الإدارة الأميركية آنذاك السلوك الإثيوبي الذي تمثل في رفض الحضور إلى واشنطن في اللحظة الأخيرة، صدرت بيانات شديدة اللهجة من قبل أديس أبابا ضد الإدارة الأميركية، وكان مفاد هذه التصريحات أن إثيوبيا "دولة ذات سيادة ولا ترضخ لضغوط من أي جهة أو دولة كانت".

وبين التحركات الإقليمية لتعطيل النفوذ الإثيوبي، وتعويل محدود على دور دولي أكثر دعماً للموقف المصري، تعمل القاهرة على مواجهة التحديات المتعلقة بسد النهضة عبر أدوات متعددة. ومع ذلك، يبقى التساؤل حول مدى نجاح هذه الاستراتيجية في تحقيق نتائج ملموسة وسط استمرار سياسة إثيوبيا المتشددة.

وتشهد أزمة سد النهضة الإثيوبي تصاعداً مستمراً في ظل تعنت أديس أبابا واستمرارها في فرض سياسة الأمر الواقع بشأن السد، الذي اكتمل بناؤه بنسبة 100%، وفقاً لما أعلنه رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد أخيراً. يأتي ذلك وسط قلق مصري وسوداني متزايد من التداعيات المحتملة للسد على حصتيهما من مياه نهر النيل، لا سيما خلال فترات الجفاف. وتشير مصادر مصرية إلى أن موسم الجفاف المقبل سيكون لحظة اختبار حاسمة في الأزمة. وتتخوف القاهرة من أن أديس أبابا سترفض تمرير الحصص المائية التاريخية لمصر والسودان، ما سيؤدي إلى تفاقم الأزمة. وأكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مراراً أن مصر لن تتخلى عن حقوقها المائية، مشدداً على أن بلاده ستستخدم كافة الوسائل المتاحة لحماية مصالحها.

المساهمون