10 نوفمبر 2024
ترامب والثورة المضادة عربياً
إذا كان هنالك وصفٌ يمكن أن يختزل المقاربة الكامنة وراء أجندة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، للمنطقة العربية، فهو العودة إلى المدرسة الواقعية التي تعطي الأولوية للمصالح الحيوية الأميركية، بصيغتها التقليدية (الأمن والاستقرار، إسرائيل، النفط)، ما يعني، عملياً، العودة إلى "الصفقة التاريخية" التي حكمت علاقة أميركا بالأنظمة العربية السلطوية، أي تغليب الأمن والاستقرار على أيّ اعتباراتٍ مرتبطةٍ بالديمقراطية وحقوق الإنسان.
على هذا الأساس، نفهم خطاب ترامب المترحّم على الدكتاتوريات العربية، وتأكيده على خطأ حرب العراق، والتخلي عن حسني مبارك، ما يعني الموقف السلبي من "ثورات الربيع الديمقراطي" العربية التي نشبت في المنطقة منذ العام 2011، قبل أن تدشّن الأنظمة العربية المحافظة "ثورة مضادة"، لتقف في وجه دومينو تلك الثورات وتوقفها، وتدعم الانقلابات العسكرية والقوى المحافظة داخل الدول التي وقعت فيها الثورات.
ليس على هذه القاعدة الصلبة وحدها يلتقي الرئيس المحافظ الجديد مع الثورة المضادة العربية، بل أيضاً على الموقف المعادي بقوة لحركات الإسلام السياسي، ووضعها جميعاً في الحزمة نفسها، بوصفها حركاتٍ متطرفة وإرهابية، لا فرق بين معتدل - سلمي وآخر متشدّد - عنيف. لذلك، نجد اليوم المساعي في أوساط التيار المؤيد له في المؤسسات الأميركية لتصنيف جماعة الإخوان المسلمين في أميركا بالإرهاب، كما حدث في مصر ودول عربية أخرى.
تتزاوج الأسباب السابقة مع الموقف من إيران، لتشكّل معاً أرضيةً مشتركة للطرفين (أجندة الثورة المضادة مع الإدارة الأميركية الجديدة)، فالرئيس الأميركي، في خطابه المعادي لإيران، مع أركان إدارته، أطفأ نار الهواجس العربية التي اشتعلت، في الأعوام الأخيرة، خصوصا بعد توقيع الاتفاقية النووية بين إدارة الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، وطهران، وما تزامن وتوازى معها من صعود قناعاتٍ لدى الأنظمة العربية بانقلاب الموقف الأميركي، وبعكس تحالفاته من هذه الدول إلى الطرف المقابل تماماً: طهران.
العامل الرئيس الذي يشكّل أحد أسباب موقف ترامب من إيران يتمثّل بإسرائيل التي عارضت تلك الاتفاقية، وربما الموقف من إيران نفسه قد يكون سبباً لتوافقٍ غير معلن بين دول عربية وإسرائيل والإدارة الأميركية. من هنا، تأتي الخشية من أن تتوارى القضية الفلسطينية، وتتراجع أهميتها، مقابل الصفقة الثلاثية السابقة، مع وجود توجه واضح لدى الإدارة الأميركية لدعم إسرائيل، ونقل السفارة الأميركية إلى القدس، والتصريحات غير المطمئنة التي صدرت عن ترامب، عشية لقائه رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، عن عدم اشتراط حل الدولتين أساساً للحل السلمي للقضية الفلسطينية.
لسنا هنا بصدد تقديم رؤية نقدية لهذه المقاربات الأميركية في الموقف السلبي من الربيع العربي والديمقراطية والعودة إلى المدرسة "الواقعية" التقليدية، فهي المقاربة نفسها التي أدّت إلى صعود "القاعدة"، ثم بروز "داعش"، والعداء للسياسات الأميركية، من جهة، وتتجاهل الأسباب والشروط التي وقفت وراء الربيع العربي، وتتمثل بالسياسات التسلطية والفساد وغياب العدالة وفشل الدولة القُطرية العربية.
من هنا، تتبدّى مفارقات السياسة الأميركية الجديدة ومعضلة المعالم المتشكلة لصفقة ترامب مع الأنظمة العربية المحافظة، فإعطاء الأولوية لقتال "داعش" عسكرياً، والقضاء عليه في مقابل تغذية شروط (وأسباب) التطرّف والعنف والإرهاب، هو ثقب أسود كبير وتكرار لسياساتٍ ثبت فشلها ودورها تاريخياً في صعود القاعدة، وهي القناعة التي تولدت في الأوساط الفكرية والسياسية الأميركية نفسها، بعد أحداث "11 سبتمبر" في العام 2001، وأدت إلى انبثاق الشراكة الأوسطية التي أعلنت عنها وزيرة الخارجية الأميركية السابقة، كوندوليزا رايس، في العام 2005، وتلخص ذلك كله عبارة أن القاعدة بمثابة الكرة الملتهبة نتيجة الفساد والقمع، ألقتها الأنظمة التوتاليتارية العربية في أحضان الإدارة الأميركية.
المعضلة الأخرى أنّ ترامب أتى متأخراً، بعد أن أصبحت إيران قوة إقليمية فعلاً، ولها نفوذ واسع، وهو نفسه مضطر للتعاون معها عسكرياً، في العراق عبر حلفائها، وفي سورية عبر تحالفها مع الروس، بينما حلفاء أميركا متناقضون ومتعارضون، مثلما يحدث في شمال سورية اليوم.
على هذا الأساس، نفهم خطاب ترامب المترحّم على الدكتاتوريات العربية، وتأكيده على خطأ حرب العراق، والتخلي عن حسني مبارك، ما يعني الموقف السلبي من "ثورات الربيع الديمقراطي" العربية التي نشبت في المنطقة منذ العام 2011، قبل أن تدشّن الأنظمة العربية المحافظة "ثورة مضادة"، لتقف في وجه دومينو تلك الثورات وتوقفها، وتدعم الانقلابات العسكرية والقوى المحافظة داخل الدول التي وقعت فيها الثورات.
ليس على هذه القاعدة الصلبة وحدها يلتقي الرئيس المحافظ الجديد مع الثورة المضادة العربية، بل أيضاً على الموقف المعادي بقوة لحركات الإسلام السياسي، ووضعها جميعاً في الحزمة نفسها، بوصفها حركاتٍ متطرفة وإرهابية، لا فرق بين معتدل - سلمي وآخر متشدّد - عنيف. لذلك، نجد اليوم المساعي في أوساط التيار المؤيد له في المؤسسات الأميركية لتصنيف جماعة الإخوان المسلمين في أميركا بالإرهاب، كما حدث في مصر ودول عربية أخرى.
تتزاوج الأسباب السابقة مع الموقف من إيران، لتشكّل معاً أرضيةً مشتركة للطرفين (أجندة الثورة المضادة مع الإدارة الأميركية الجديدة)، فالرئيس الأميركي، في خطابه المعادي لإيران، مع أركان إدارته، أطفأ نار الهواجس العربية التي اشتعلت، في الأعوام الأخيرة، خصوصا بعد توقيع الاتفاقية النووية بين إدارة الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، وطهران، وما تزامن وتوازى معها من صعود قناعاتٍ لدى الأنظمة العربية بانقلاب الموقف الأميركي، وبعكس تحالفاته من هذه الدول إلى الطرف المقابل تماماً: طهران.
العامل الرئيس الذي يشكّل أحد أسباب موقف ترامب من إيران يتمثّل بإسرائيل التي عارضت تلك الاتفاقية، وربما الموقف من إيران نفسه قد يكون سبباً لتوافقٍ غير معلن بين دول عربية وإسرائيل والإدارة الأميركية. من هنا، تأتي الخشية من أن تتوارى القضية الفلسطينية، وتتراجع أهميتها، مقابل الصفقة الثلاثية السابقة، مع وجود توجه واضح لدى الإدارة الأميركية لدعم إسرائيل، ونقل السفارة الأميركية إلى القدس، والتصريحات غير المطمئنة التي صدرت عن ترامب، عشية لقائه رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، عن عدم اشتراط حل الدولتين أساساً للحل السلمي للقضية الفلسطينية.
لسنا هنا بصدد تقديم رؤية نقدية لهذه المقاربات الأميركية في الموقف السلبي من الربيع العربي والديمقراطية والعودة إلى المدرسة "الواقعية" التقليدية، فهي المقاربة نفسها التي أدّت إلى صعود "القاعدة"، ثم بروز "داعش"، والعداء للسياسات الأميركية، من جهة، وتتجاهل الأسباب والشروط التي وقفت وراء الربيع العربي، وتتمثل بالسياسات التسلطية والفساد وغياب العدالة وفشل الدولة القُطرية العربية.
من هنا، تتبدّى مفارقات السياسة الأميركية الجديدة ومعضلة المعالم المتشكلة لصفقة ترامب مع الأنظمة العربية المحافظة، فإعطاء الأولوية لقتال "داعش" عسكرياً، والقضاء عليه في مقابل تغذية شروط (وأسباب) التطرّف والعنف والإرهاب، هو ثقب أسود كبير وتكرار لسياساتٍ ثبت فشلها ودورها تاريخياً في صعود القاعدة، وهي القناعة التي تولدت في الأوساط الفكرية والسياسية الأميركية نفسها، بعد أحداث "11 سبتمبر" في العام 2001، وأدت إلى انبثاق الشراكة الأوسطية التي أعلنت عنها وزيرة الخارجية الأميركية السابقة، كوندوليزا رايس، في العام 2005، وتلخص ذلك كله عبارة أن القاعدة بمثابة الكرة الملتهبة نتيجة الفساد والقمع، ألقتها الأنظمة التوتاليتارية العربية في أحضان الإدارة الأميركية.
المعضلة الأخرى أنّ ترامب أتى متأخراً، بعد أن أصبحت إيران قوة إقليمية فعلاً، ولها نفوذ واسع، وهو نفسه مضطر للتعاون معها عسكرياً، في العراق عبر حلفائها، وفي سورية عبر تحالفها مع الروس، بينما حلفاء أميركا متناقضون ومتعارضون، مثلما يحدث في شمال سورية اليوم.