31 أكتوبر 2017
ترامب أقل ضرراً من هيلاري
أدت التصريحات والمواقف العنصرية التي عبر عنها المرشح الجمهوري للرئاسة الأميركية، دونالد ترامب، بشأن المسلمين، إلى لفت الأنظار عن المواقف بالغة الخطورة التي عبر عنها بقية المرشحين الجمهوريين والمرشحة الديموقراطية الرائدة هيلاري كلينتون، والتي تجاوزت كل السوابق في تماهيها مع مواقف اليمين الصهيوني المتطرف، وتحاملها على الفلسطينيين وقضيتهم. سيعاني الفلسطينيون أكثر في حال فاز أي من المرشحين الآخرين بمنصب الرئاسة، لأنهم جميعاً ذهبوا إلى أبعد من ترامب، في انحيازهم لإسرائيل، وتحاملهم على الشعب الفلسطيني وقضيته. ففي بحث أعده وعرضت نتائجه في "مؤتمر إسرائيل للسلام" الذي نظم في تل أبيب، مطلع نوفمبر/ تشرين ثاني الماضي، يوضح الأكاديمي اليهودي الأميركي، بيتر باينروت، أن مواقف المرشحين الجمهوريين من القضية الفلسطينية تتراوح بين المنادين إلى إبقاء الفلسطينيين تحت الاحتلال إلى الأبد والداعين إلى طردهم، في حين أن هناك من ينفي وجودهم شعباً. وحسب باينروت، فإنه، حسب منطق أكثر المرشحين الجمهوريين "اعتدالاً"، جوب بوش وماركو ربيو، فإن حل القضية الفلسطينية يجب أن ينتظر حتى يتمكن الفلسطينيون من اختيار مرشحين قادرين على الوفاء بالوعود التي قطعوها على أنفسهم في أثناء المفاوضات مع إسرائيل. ولا حاجة للقول إن من يتبنى هذا الموقف لا يرى مشكلة في مشاريع الاستيطان والتهويد التي تعاظمت منذ التوقيع على "أوسلو" بأكثر من 60%، كما يشهد الوزير الإسرائيلي السابق الجنرال إفرايم سنيه.
أما المرشح تيد كروز، فيذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، عندما أعلن أنه يتوجب منح إسرائيل وحدها الحق في قبول فكرة الدولة الفلسطينية أو رفضها. أما المرشح بين كارسون فيطالب، بكل بساطة، بطرد الفلسطينيين خارج بلادهم، لكي يتسنى لإسرائيل أن تعيش بهدوء وأمان. وينقل باينروت عن كارسون قوله، في زيارته إسرائيل العام الماضي إنه غير متأكد من أن فكرة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة "منطقية تماماً، فيمكن لمصر أن توفر مكانا لاستقبال الفلسطينيين على أراضيها". ويتفق المرشح مايك هاكابي مع كارسون، فقد أنه أوصى عام 2008 بأن يتم تدشين الدولة الفلسطينية على أرض "مقتطعة من مصر أو سورية أو الأردن". وفي مناسبة أخرى، أنكر هاكابي وجود الفلسطينيين شعباً.
وإن كان للمرء أن يتفهم خلفية المواقف التي عبر عنها المرشحون الجمهوريون المتأثرون بمواقف المحافظين الجدد من الصراع، فإن المفاجأة تكمن في المواقف التي عبرت عنها هيلاري كلينتون، الأوفر حظاً بالفوز بترشيح الحزب الديموقراطي. وقد طرحت كلينتون تصورها لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي في كتابها "خيارات صعبة" الذي صدر عام 2014، حيث رأت أن أكثر ما يمكن لإسرائيل أن توافق عليه هو منح "حكم ذاتي" للفلسطينيين في مقابل حصول إسرائيل على الأمن، أي أن كلينتون ترفض إقامة الدولة الفلسطينية؛ وبذلك تتماهى مع مواقف هوامش اليمين المتطرف في إسرائيل، فحتى رئيس الوزراء الإسرائيلي الليكودي، بنيامين نتنياهو، الذي يعلن، أحياناً، رفضه حل الدولتين، سرعان ما يضطر إلى التراجع عن هذا الموقف، حتى لا يفضي هذا الموقف إلى صدام مع المجتمع الدولي.
وفي موضع آخر من الكتاب، تتبنى كلينتون حجة اليمين الإسرائيلي الرافض مسألة الانسحابات من الأراضي المحتلة، خشية أن تسفر التحولات في العالم العربي عن تطورات سلبية، تجعل المناطق التي ينسحب منها جيش الاحتلال قواعد انطلاق للعمل ضد إسرائيل. وتدعي كلينتون أنه من الصعب تسويق فكرة الانسحاب من الأراضي المحتلة، في الوقت الذي تتهدد أنظمة معتدلة المخاطر، حيث تشكك في قدرة نظام الحكم في الأردن على الصمود في مواجهة التحولات المتلاحقة.
وتطالب كلينتون بإضفاء شرعية على التوسع الإسرائيلي داخل الضفة الغربية، وذلك في تأييدها تدشين جدار الفصل العنصري الذي ضمن عملياً ضم مساحات واسعة من الأراضي الفلسطينية التي احتلت عام 67 لإسرائيل. ولم تتردد في تأييد قطع المساعدات الأميركية عن السلطة الفلسطينية، في حال أعلنت عن قيام الدولة الفلسطينية من جانب واحد. وفي مقال نشرته في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي في صحيفة هآرتس، خرجت كلينتون عن طورها، في محاولة استرضاء الرأي العام الإسرائيلي، ومن خلفه المنظمات اليهودية الأميركية، من خلال تفصيل الإجراءات والقرارات التي ستتخذها لصالح إسرائيل، في حال فازت بالرئاسة، ناهيك عن تعهدها بعقد لقاء مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بعد شهر على توليها المنصب. وأبدت كلينتون "تعاطفها" مع المستوطنين اليهود الذين لا يغادرون منازلهم، خشية تعرضهم لـ "اعتداءات" من المقاومين الفلسطينيين؛ من دون أن تبدي أي تفهم لدوافع المقاومين الفلسطينيين، ولا تنظر بتعاطف للفلسطينيين الذين يتعرضون للقمع الإسرائيلي في كل لحظة. ولم تدخر كلينتون جهداً في التدليل على انحيازها لإسرائيل، حيث ذكرت إسرائيل 40 مرة في خطابها أمام معهد "بروكينغز" في سبتمبر/أيلول الماضي ، في حين لم تذكر الفلسطينيين مرة واحدة.
وفي الحديث عن انحياز المرشحين الأميركيين الحاليين، علينا أن نتذكر شهادة كل من الرئيس الإسرائيلي السابق، شيمون بيريس، ورئيس الوزراء السابق، إيهود أولمرت، اللذيْن أكدا أن باراك أوباما هو "الأكثر سخاءً من بين الرؤساء الأميركيين في دعمه إسرائيل" (هآرتس 9-11-2015). وليس في الوسع المزايدة على أوباما في العلاقة مع إسرائيل، فإنه يؤكد، عملياً، أنه سيكون أكثر فجاجة في تحيزه لإسرائيل وتماهيه مع مواقفها.
سيكون دونالد ترامب، في حال فوزه رئيسا للولايات المتحدة، الأقل ضرراً، لأن مواقفه كفيلة بتحويله إلى عبء على الولايات المتحدة نفسها، ومثبط لمصالحها. وفي الوقت نفسه، سيشكل فوز كلينتون تحدياً كبيراً للسلطة الفلسطينية، وسيقلص هامش المناورة أمام رئيسها محمود عباس الذي سيكون مطالباً بعدم الإقدام على أية خطوة تستدعي من كلينتون الإثبات للوبي اليهودي مجدداً أنها أكثر انصياعاً لترف تطرف اليمين في تل أبيب وجنونه.
وإن كان للمرء أن يتفهم خلفية المواقف التي عبر عنها المرشحون الجمهوريون المتأثرون بمواقف المحافظين الجدد من الصراع، فإن المفاجأة تكمن في المواقف التي عبرت عنها هيلاري كلينتون، الأوفر حظاً بالفوز بترشيح الحزب الديموقراطي. وقد طرحت كلينتون تصورها لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي في كتابها "خيارات صعبة" الذي صدر عام 2014، حيث رأت أن أكثر ما يمكن لإسرائيل أن توافق عليه هو منح "حكم ذاتي" للفلسطينيين في مقابل حصول إسرائيل على الأمن، أي أن كلينتون ترفض إقامة الدولة الفلسطينية؛ وبذلك تتماهى مع مواقف هوامش اليمين المتطرف في إسرائيل، فحتى رئيس الوزراء الإسرائيلي الليكودي، بنيامين نتنياهو، الذي يعلن، أحياناً، رفضه حل الدولتين، سرعان ما يضطر إلى التراجع عن هذا الموقف، حتى لا يفضي هذا الموقف إلى صدام مع المجتمع الدولي.
وفي موضع آخر من الكتاب، تتبنى كلينتون حجة اليمين الإسرائيلي الرافض مسألة الانسحابات من الأراضي المحتلة، خشية أن تسفر التحولات في العالم العربي عن تطورات سلبية، تجعل المناطق التي ينسحب منها جيش الاحتلال قواعد انطلاق للعمل ضد إسرائيل. وتدعي كلينتون أنه من الصعب تسويق فكرة الانسحاب من الأراضي المحتلة، في الوقت الذي تتهدد أنظمة معتدلة المخاطر، حيث تشكك في قدرة نظام الحكم في الأردن على الصمود في مواجهة التحولات المتلاحقة.
وتطالب كلينتون بإضفاء شرعية على التوسع الإسرائيلي داخل الضفة الغربية، وذلك في تأييدها تدشين جدار الفصل العنصري الذي ضمن عملياً ضم مساحات واسعة من الأراضي الفلسطينية التي احتلت عام 67 لإسرائيل. ولم تتردد في تأييد قطع المساعدات الأميركية عن السلطة الفلسطينية، في حال أعلنت عن قيام الدولة الفلسطينية من جانب واحد. وفي مقال نشرته في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي في صحيفة هآرتس، خرجت كلينتون عن طورها، في محاولة استرضاء الرأي العام الإسرائيلي، ومن خلفه المنظمات اليهودية الأميركية، من خلال تفصيل الإجراءات والقرارات التي ستتخذها لصالح إسرائيل، في حال فازت بالرئاسة، ناهيك عن تعهدها بعقد لقاء مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بعد شهر على توليها المنصب. وأبدت كلينتون "تعاطفها" مع المستوطنين اليهود الذين لا يغادرون منازلهم، خشية تعرضهم لـ "اعتداءات" من المقاومين الفلسطينيين؛ من دون أن تبدي أي تفهم لدوافع المقاومين الفلسطينيين، ولا تنظر بتعاطف للفلسطينيين الذين يتعرضون للقمع الإسرائيلي في كل لحظة. ولم تدخر كلينتون جهداً في التدليل على انحيازها لإسرائيل، حيث ذكرت إسرائيل 40 مرة في خطابها أمام معهد "بروكينغز" في سبتمبر/أيلول الماضي ، في حين لم تذكر الفلسطينيين مرة واحدة.
وفي الحديث عن انحياز المرشحين الأميركيين الحاليين، علينا أن نتذكر شهادة كل من الرئيس الإسرائيلي السابق، شيمون بيريس، ورئيس الوزراء السابق، إيهود أولمرت، اللذيْن أكدا أن باراك أوباما هو "الأكثر سخاءً من بين الرؤساء الأميركيين في دعمه إسرائيل" (هآرتس 9-11-2015). وليس في الوسع المزايدة على أوباما في العلاقة مع إسرائيل، فإنه يؤكد، عملياً، أنه سيكون أكثر فجاجة في تحيزه لإسرائيل وتماهيه مع مواقفها.
سيكون دونالد ترامب، في حال فوزه رئيسا للولايات المتحدة، الأقل ضرراً، لأن مواقفه كفيلة بتحويله إلى عبء على الولايات المتحدة نفسها، ومثبط لمصالحها. وفي الوقت نفسه، سيشكل فوز كلينتون تحدياً كبيراً للسلطة الفلسطينية، وسيقلص هامش المناورة أمام رئيسها محمود عباس الذي سيكون مطالباً بعدم الإقدام على أية خطوة تستدعي من كلينتون الإثبات للوبي اليهودي مجدداً أنها أكثر انصياعاً لترف تطرف اليمين في تل أبيب وجنونه.