تحديات مغربية

02 مارس 2015

تظاهرة في الرباط تطالب بفرص عمل للشباب (24 مارس/2014/أ.ف.ب)

+ الخط -

على مرمى حجر منا، وفي الضفة الأخرى من المتوسط، يستعد جيراننا لعمليات تحديث جذرية، في الإدارة والعمل، بالاستغناء عن شكل الإدارة التقليدية، وابتداع بدائل جديدة وأكثر مردوديته، مهيأة، منذ الآن، لدينامية جديدة، تقوم على انتهاج سياسة العمل عن بعد، في قطاعات إنتاجية، وتحديداً في القطاعات الخدماتية أو شبه الخدماتية.

وستكون سنة 2020 هي التي سينطلق فيها هذا المسلك الإداري الجديد في أوروبا، مع ما يمكن تسجيله، في المقابل، على إدارتنا المغربية من خمول وتخلف وتخاذل، يضع المسؤول عن تسيير الشأن العام موضع تساؤل، ويدعوه إلى الخروج السريع من الخطابات العمومية والفارغة، المحكومة بهواجس سياسوية، غير قادرة على الاندراج في العصر، وفي المحيط الإقليمي والعالمي المتلاطم التحولات.

ولم يعد خافياً ما للمحيط المجالي من أثر على السلوك الاجتماعي، وعلى العيش في بيئة سليمة، فقد بينت دراسة حديثة نتائج مفاجئة، أهمها أن أكبر الوفيات، اليوم، لا تكون بسبب الإدمان على السجائر أو التدخين. ولكن، بسبب التلوث المناخي. وفي هذا الصدد، تكشف الإحصائيات عن أكثر المناطق في العالم خطراً، منها، علاوة على البلدان الآسيوية التي تشهد وتيرة تصنيع مرتفعة، دول الجنوب، ومنها المغرب، والتي تحولت إلى مكب نفايات صناعية، ما يعني أن الخطر يزداد أمام مجتمع مغربي مهدد، بسبب الأمراض النفسية التي تفتك بالجيل الجديد منه. وبسبب التخلف الإداري وعقمه. ومن ناحية ثالثة، تلوث المجال البيئي وتراجع جودة الحياة في مدن كبرى، الصناعية تحديداً.

هذا هو الوضع، وهو رمادي بكل تأكيد. لكن، ما السبيل لتجاوز كذا لوحة قاتمة؟

وليس أمراً عارضاً، ذلك الذي يتعلق بالعنف الذي يمارسه المغاربة على أجسادهم، عنف حاد، يبدأ بالاعتداء على الجسد ووشمه، وإحداث الأثر العنيف فيه، سواء بحد السكين أو بألسنة اللهب أو برش ماء النار، أو بإغراق الجسد في البحر أو في مجرى النهر، أو تعليقه مثل فزاعة على جذع شجرة، أو في قبو البيت، كما فعلت شابة، أخيراً، علقت جسدها احتجاجاً على حياة البؤس التي تعيشها.

كل هذه الأفعال، ليست مجانية، بل هي، في العمق، أفعال احتجاجية لها أكثر من دلالة، ورغبة في رفع الصوت أو الجسد عاليا، سيان.

وهذا يتساوق مع نتائج دراسةٍ، كانت أعلن عنها وزير الصحة المغربية، الحسين الوردي، ومفادها بأن معطيات منظمة الصحة العالمية تشير إلى أنه يوجد في المغرب حوالي 20% من الأطفال والشباب يعانون من اضطرابات نفسية، من قبيل الاكتئاب واضطراب المزاج والاضطرابات السلوكية والمعرفية.

الدراسة التي تبنتها وزارة الصحة، تمضي بعيداً، حين أفادت بأن هذه الأمراض النفسية للخزان البشري للبلاد، تبدأ مبكراً، وأن نصف الحالات المرضية تحصل في سن الرابعة عشرة، من دون أن ترافقها مواكبة نفسية، ولا رعاية من خبراء في مجالات التوجيه الاجتماعي، وهذا يعني أن هذه الفئة المهمة من المجتمع تعاني في صمت مطبق، ومعرضة، بشكل كبير، للآثار الوخيمة والعنيفة لأمراض كامنة، تنتج ما لا يمكن تصوره من انهيارات في البنية الأسرية، وعلى مستقبل العائلة، وموارد الدولة من الطاقات البشرية التي هي المادة الرمادية التي تبني عليها الشعوب مستقبلها.

وتفيد الدراسة التي تعتبر، من حيث الأهمية، ناقوس خطر يدق، بأن أكبر نسبة من هؤلاء التلاميذ هم في المراحل الإعدادية أو الثانوية، ما يعني، أنهم بصدد اجتياز أدق مراحل العمر، من دون مصاحبة نفسية، ما يعرضهم، بطبيعة الحال، لأعطاب لها انعكاسات على أدائهم التعليمي، وعلى كفاياتهم العلمية. إنهم يبلغون مرحلة "الشيخوخة"، وإن كانوا في أولى عتبات الحياة.

ليست الهشاشة النفسية والاجتماعية وحدها العائق أمام التأهيل الاجتماعي للمواطن المغربي، بل تتضافر عناصر أخرى، اقتصادية وسياسية ومجالية، لتجعله، حقيقة، في موقع كسب رهان التحدي، خصوصا في عصر يمور بالتحولات.

6A0D14DB-D974-44D0-BAC8-67F17323CCBF
حكيم عنكر
كاتب وصحافي مغربي، من أسرة "العربي الجديد". يقول: الكرامة أولاً واخيراً، حين تسير على قدميها في مدننا، سنصبح أحراراً..