ورغم الادعائات المتكررة للحكومات الأفغانية المتعاقبة باتخاذ خطوات جادة وفاعلة للحد من الظاهرة المتفشية، غير أنه تم تجنيد مئات الأطفال في صفوف الجيش الأفغاني على مدى الأعوام الماضية، الأمر الذي تعترف به الحكومة الأفغانية نفسها.
واضطر البرلمان الأفغاني، بعد أن وجه المجتمع الدولي انتقادات شديدة إلى الحكومة الأفغانية وقواتها الأمنية بسبب تفشي ظاهرة تجنيد الأطفال، إلى إصدار مشروع في أكتوبر/تشرين الأول من العام المنصرم 2014، يمنع تجنيد الأطفال في أفغانستان، ما أجبر الحكومة على تشكيل لجنة من المسؤولين في وزارة الداخلية والدفاع والصحة والتعليم لوضع خطة متكاملة إزاء المعضلة التي دمرت حياة مئات الأطفال. وبعد عمل دام أسابيع أعلنت اللجنة أنها وضعت خطة جديدة للحد من المعضلة، ما أدى إلى تضاؤل أعداد الأطفال المجندين ولو نسبياً.
محمد مرتضى شاب أفغاني لم يتجاوز عمره 19 عاماً حتى الآن، كان قد انضم إلى الجيش الأفغاني قبل ثلاثة أعوام، أي عندما كان عمره 16 عاماً، ومنذ ذلك الحين يشتغل في صفوف الجيش لأجل الحصول على لقمة عيش لأسرته الفقيرة. والشاب يتأسف على بُعده عن المقاعد المدرسية، غير أن ظروف أسرته لن تسمح له بترك العمل.
ويستمر تجنيد الأطفال رغم توقيع أفغانستان في يناير العام 2011 اتفاقية مع الأمم المتحدة تقضي بعدم بتجنيد الأطفال في الجيش وقوات الأمن، وذلك بعد أن زادت أعداد الأطفال المجندين، وبعد أن تصاعدت وتيرة الشكاوى إزاء تعرض الأطفال المجندين لأنواع من الأذى، وعلى وجه الخصوص استغلالهم لأغراض جنسية. وقد أكد المسؤولون الأفغان أن الأطفال المجندين يتعرضون إلى أنواع من الاعتداءات.
ويعترف أحد المسؤولين في الشرطة الأفغانية بإقليم ننجرهار شرق أفغانستان، متحفظاً على ذكر اسمه، أنه لا يزال يتم تجنيد الأطفال في الجيش والأمن بعد تزوير أوراقهم الثبوتية ودفع مبالغ كبيرة إلى السلطات المعنية، مؤكداً أن الحكومة غير قادرة على مقاضات من يتورط في الجريمة رغم تعهداتها المتكررة، مشيراً إلى أن نسبة أعداد المجندين قد تضاءلت في الآونة الأخيرة.
الشرطة الأفغانية في القائمة السوداء
أما المؤسسات الحقوقية وعلى وجه الخصوص منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسف"، فقد أعربت عن قلقها البالغ حيال المجندين من الأطفال، لا سيما أن دراسة ميدانية أجرتها بعض المؤسسات الحقوقية، أثبتت استغلال الأطفال جنسياً من قبل بعض أمراء الحرب الذين كانوا يشغلون مناصب عالية في الجيش والأمن. وطالبت تلك المؤسسات الحكومة والجيش الأفغاني بأخذ تدابير في هذا الشأن، لا سيما وأن الأمم المتحدة سجلت الشرطة الأفغانية ضمن القائمة السوداء، لأنها تستغل الأطفال لأغراض جنسية.
في سياق متصل، تشير إحصائية أجرتها وسائل إعلام محلية إلى أن أكثر من 250 طفلاً تم تجنيدهم في شرطة مدينة قندهار، جنوب أفغانستان، كما تم تجنيد مئات الأطفال في صفوف الجيش القبلي المعروف محلياً بالشرطة المحلية، ويستغل قادة الجيش الأطفال المجندين، وهو ما أشار إليه زعيم قبلي يدعى هارون خان أثناء حديثه مع "العربي الجديد".
ويضيف هارون وهو أحد قادة الجيش المحلي السابقين أن عشرات من الأطفال ما زالوا متواجدين في صفوف الجيش القبلي، ويتم استخدامهم من قبل قيادات ميدانية في الجيش القبلي لأغراض عسكرية وغير عسكرية.
ولم تقتصر ظاهرة تجنيد الأطفال على الجيش والشرطة والجيش المحلي الموالي لهما، بل امتدت إلى كافة الجماعات المسلحة. وتتهم السلطات الأفغانية "طالبان" باستخدام الأطفال لأغراض عسكرية، لا سيما العمليات الانتحارية. ففي الأونة الأخيرة ألقت الاستخبارات الأفغانية القبض على طفلة عمرها عشرة أعوام تم تجنيدها من قبل "طالبان" لتنفيذ هجوم انتحاري على ثكنة عسكرية في إقليم هلمند، جنوب البلاد، غير أنها سلمت نفسها إلى قوات الأمن لدى وصولها إلى موقع الهجوم.
الفقر أحد أسباب تجنيد الأطفال
وأعربت المؤسسات الحقوقية المحلية والدولية عن قلقها البالغ مراراً إزاء تفشي الظاهرة، وقد تمكنت حسب ادعاءاتها، من إخراج عدد من الأطفال من صفوف قوات الأمن وإرسالهم إلى منازلهم، غير أنه لعدم توفر الدعم المادي لأسر أولئك الجنود الأطفال، هناك تخوف من عودتهم إلى صفوف الجيش من جديد.
ومن الأسباب الرئيسية لتفشي الظاهرة هو الوضع الاقتصادي المتدني في البلاد، لذا ترسل الأسر الفقيرة أولادها إلى الجيش والشرطة. ويرى الحقوقيون أن الحل الحقيقي هو تحسن مجمل الوضع المعيشي في البلاد.
كما يشير بخصوص ذلك الحقوقي الأفغاني عبد السلام قائلاً "إن الحل النهائي للقضاء على تجنيد الأطفال يكمن في تحسن الوضع المعيشي للأسر الفقيرة التي أرسلت أولادها إلى الجيش".
كما تعد العداوات القبلية من أهم أسباب تفشي الظاهرة، إذ تسارع القبائل المتخاصمة إلى تجنيد أطفالها في الجيش والشرطة لمواجهة بعضها البعض. إضافة إلى ظاهرة التسلح التي تسود أرجاء البلاد، وتشجع الأطفال الأفغان على التوجه نحو الجيش والشرطة.