10 نوفمبر 2024
تتغير الحكومات وتستمر الأزمة
تتجه تونس، حالياً، نحو تشكيل الحكومة السابعة بعد الثورة، وذلك بعد أن أعلن الرئيس الباجي قايد السبسي أن حكومة الحبيب الصيد لم تتمكّن من تحقيق النتائج المطلوبة، على الرغم من نظافة يد الأخير، والجهود الكبيرة التي بذلها منذ أكثر من سنة.
لا يعرف إن كان هذا القرار سيساعد حقاً على تحسين الأوضاع، أم أنه سيكون تسكيناً مؤقتاً لأوجاع مصدرها حالة اقتصادية واجتماعية وسياسية أكثر تعقيداً.
تعتقد الأحزاب بأنها المعنية وحدها بإدارة شؤون البلاد، وفي الآن نفسه، تتبادل التهم، وتحمل بعضها مسؤولية التدهور العام، والعجز عن الوفاء لأهداف الثورة. لكن، لا أحد تقريباً اعتبر نفسه جزءاً من الأزمة الشاملة، وليس خارجاً عنها، أو بريئاً منها.
حكومة الوحدة الوطنية التي اقترحها السبسي، وأيدتها "النهضة" وأحزاب أخرى، هي الصيغة المتبقية التي لم تجرّب بعد إطاحة حكم بن علي. تم في البداية اللجوء إلى حكومةٍ انتقاليةٍ أولى، اعتبرها كثيرون امتداداً للنظام المنهار. ثم كانت حكومة السبسي التي كانت مؤقتة، وجمعت شخصيات سياسية، وأخرى تم اختيارها على أساس الخبرة. ثم تشكلت حكومتان حزبيتان برئاسة "النهضة"، وعرفت بالترويكا. ثم انهارت تلك التجربة، واستبدلت بحكومة تكنوقراط، لكنها لم ترض الأحزاب. وعلى إثر الانتخابات التشريعية، قامت حكومة الرباعي برئاسة شخصية من التكنوقراط، فلم يرض عنها كثيرون، وأخفقت في إقناع التونسيين.
من الصعب قيام حكومة يشارك فيها الجميع. أعلنت القيادة النقابية رفضها المشاركة، بحجة أن الاتحاد ليس طرفاً سياسياً، وهو ما اعتبره بعضهم تهرّباً من تحمل المسؤولية في هذا الظرف الصعب، خصوصاً وأن النقابات لعبت ولا تزال أدواراً سياسية بصيغ مختلفة. كما يستبعد أن تقبل الجبهة الشعبية أن تكون ممثلة في حكومةٍ تشارك فيها حركة النهضة. وهذه قصة طويلة ومثيرة، تبدو مرشحةً للاستمرار فترة طويلة، فالجبهة رأت في إعلان السبسي دليلاً على فشل الائتلاف الرباعي في قيادة البلاد، وقد سبق لها أن أكّدت من خلال ناطقها الرسمي أنها أصبحت مهيأة للحكم. وهذا يعني أنه حالياً تسود الأجواء أزمة ثقة، وتطغى حساباتٌ متضاربة بين مختلف الأحزاب التي لم يقتنع كثير من قادتها بأن البلاد تغرق، وأنه لا أحد قادر على الانفرد بالقيادة، وأن انهيار التجربة سيشكل كارثةً على الجميع، حتى الذين دعوا إلى حل البرلمان، وتنظيم انتخابات سابقة لأوانها، يتحرّكون في الوقت الضائع.
لا شك في أن أداء كل حكومة مرتبط، في بعدٍ من أبعاده، بقيمة أعضائها، وبمدى قدرتهم على الاجتهاد وإنجاز مهامهم، لكن ذلك غير كافٍ وحده للحكم لها أو عليها. هناك عناصر أخرى لابد من استحضارها، حتى يكون الحكم عليها أكثر موضوعيةً وشمولاً، فالمشكلة في تونس لا تتعلق فقط بحكومة الصيد، وإنما ما قيل عنها قيل أيضاً عن الحكومات الست السابقة. وهذا يعني أن الإشكال لا يتعلق فقط بالأشخاص، وإنما يشمل أيضاً عوامل أخرى ذات طابع هيكلي، هي التي وضعت الجميع، ومن دون استثناء، أمام حالة الارتباك والعجز. وما يُخشى اليوم أن الحكومة القادمة، حتى لو تشكلت من جميع الأحزاب والمنظمات الرئيسية للمجتمع المدني، فإنها قد تجد نفسها تعيد إنتاج الأزمة نفسها، ولو بعد حين.
توجد في البلاد أزمة ثقة شاملة، كل يحمل المسؤولية للطرف الآخر، وهو ما حال دون أن تتحقق إنجازاتٌ فعلية تجعل المواطن يدرك بالملموس أن البلاد تتقدّم ولو ببطء. فتراجع نسبة النمو إلى حدود الصفر يعكس بكل وضوح هذا البعد الهيكلي للأزمة. وهو ما يفرض على الجميع، بعيداً عن منطق المزايدات الحزبية والمصلحية، مصارحة أنفسهم ومصارحة الشعب بأن الحالة مستعصية، وتتطلب توافقاً وطنياً حقيقياً وصادقاً، وإرادة سياسية جماعية للقيام بالإصلاحات الهيكلية الضرورية، والعمل على قطع الطريق أمام ظاهرة الفساد المخيفة التي اتسعت رقعتها بنسق سريع، ودعماً خارجياً يرتقي إلى حجم الأزمة، إلى جانب إشعار التونسيين بأنهم مطالبون بمزيد من الصبر والتضحية.
لا يعرف إن كان هذا القرار سيساعد حقاً على تحسين الأوضاع، أم أنه سيكون تسكيناً مؤقتاً لأوجاع مصدرها حالة اقتصادية واجتماعية وسياسية أكثر تعقيداً.
تعتقد الأحزاب بأنها المعنية وحدها بإدارة شؤون البلاد، وفي الآن نفسه، تتبادل التهم، وتحمل بعضها مسؤولية التدهور العام، والعجز عن الوفاء لأهداف الثورة. لكن، لا أحد تقريباً اعتبر نفسه جزءاً من الأزمة الشاملة، وليس خارجاً عنها، أو بريئاً منها.
حكومة الوحدة الوطنية التي اقترحها السبسي، وأيدتها "النهضة" وأحزاب أخرى، هي الصيغة المتبقية التي لم تجرّب بعد إطاحة حكم بن علي. تم في البداية اللجوء إلى حكومةٍ انتقاليةٍ أولى، اعتبرها كثيرون امتداداً للنظام المنهار. ثم كانت حكومة السبسي التي كانت مؤقتة، وجمعت شخصيات سياسية، وأخرى تم اختيارها على أساس الخبرة. ثم تشكلت حكومتان حزبيتان برئاسة "النهضة"، وعرفت بالترويكا. ثم انهارت تلك التجربة، واستبدلت بحكومة تكنوقراط، لكنها لم ترض الأحزاب. وعلى إثر الانتخابات التشريعية، قامت حكومة الرباعي برئاسة شخصية من التكنوقراط، فلم يرض عنها كثيرون، وأخفقت في إقناع التونسيين.
من الصعب قيام حكومة يشارك فيها الجميع. أعلنت القيادة النقابية رفضها المشاركة، بحجة أن الاتحاد ليس طرفاً سياسياً، وهو ما اعتبره بعضهم تهرّباً من تحمل المسؤولية في هذا الظرف الصعب، خصوصاً وأن النقابات لعبت ولا تزال أدواراً سياسية بصيغ مختلفة. كما يستبعد أن تقبل الجبهة الشعبية أن تكون ممثلة في حكومةٍ تشارك فيها حركة النهضة. وهذه قصة طويلة ومثيرة، تبدو مرشحةً للاستمرار فترة طويلة، فالجبهة رأت في إعلان السبسي دليلاً على فشل الائتلاف الرباعي في قيادة البلاد، وقد سبق لها أن أكّدت من خلال ناطقها الرسمي أنها أصبحت مهيأة للحكم. وهذا يعني أنه حالياً تسود الأجواء أزمة ثقة، وتطغى حساباتٌ متضاربة بين مختلف الأحزاب التي لم يقتنع كثير من قادتها بأن البلاد تغرق، وأنه لا أحد قادر على الانفرد بالقيادة، وأن انهيار التجربة سيشكل كارثةً على الجميع، حتى الذين دعوا إلى حل البرلمان، وتنظيم انتخابات سابقة لأوانها، يتحرّكون في الوقت الضائع.
لا شك في أن أداء كل حكومة مرتبط، في بعدٍ من أبعاده، بقيمة أعضائها، وبمدى قدرتهم على الاجتهاد وإنجاز مهامهم، لكن ذلك غير كافٍ وحده للحكم لها أو عليها. هناك عناصر أخرى لابد من استحضارها، حتى يكون الحكم عليها أكثر موضوعيةً وشمولاً، فالمشكلة في تونس لا تتعلق فقط بحكومة الصيد، وإنما ما قيل عنها قيل أيضاً عن الحكومات الست السابقة. وهذا يعني أن الإشكال لا يتعلق فقط بالأشخاص، وإنما يشمل أيضاً عوامل أخرى ذات طابع هيكلي، هي التي وضعت الجميع، ومن دون استثناء، أمام حالة الارتباك والعجز. وما يُخشى اليوم أن الحكومة القادمة، حتى لو تشكلت من جميع الأحزاب والمنظمات الرئيسية للمجتمع المدني، فإنها قد تجد نفسها تعيد إنتاج الأزمة نفسها، ولو بعد حين.
توجد في البلاد أزمة ثقة شاملة، كل يحمل المسؤولية للطرف الآخر، وهو ما حال دون أن تتحقق إنجازاتٌ فعلية تجعل المواطن يدرك بالملموس أن البلاد تتقدّم ولو ببطء. فتراجع نسبة النمو إلى حدود الصفر يعكس بكل وضوح هذا البعد الهيكلي للأزمة. وهو ما يفرض على الجميع، بعيداً عن منطق المزايدات الحزبية والمصلحية، مصارحة أنفسهم ومصارحة الشعب بأن الحالة مستعصية، وتتطلب توافقاً وطنياً حقيقياً وصادقاً، وإرادة سياسية جماعية للقيام بالإصلاحات الهيكلية الضرورية، والعمل على قطع الطريق أمام ظاهرة الفساد المخيفة التي اتسعت رقعتها بنسق سريع، ودعماً خارجياً يرتقي إلى حجم الأزمة، إلى جانب إشعار التونسيين بأنهم مطالبون بمزيد من الصبر والتضحية.