بنكيران الصالح

08 ديسمبر 2014

عبد الإله بنكيران في مؤتمر لحزب العدالة والتنمية (ديسمبر/2013/الأناضول)

+ الخط -

كان الملك الراحل الحسن الثاني يردد جملة لازمة في خطبه، حتى استقرت في لاوعي ثلاثة أجيال، أو يزيد، من المغاربة. والجملة هي "الصالح العام"، أراد لها الملك الراحل أن تشكل عنوان مغرب ما بعد الاستقلال الذي كان صراعاً ما بين القوى الوطنية وبقايا الاستعمار، استعمل فيه المشروع وغير المشروع من أسلحة الصراع.

أراد الملك أن يعطي لما يسمى اليوم، المصلحة الوطنية، معنى آخر يختلط فيه الديني بالدنيوي، فالصالح يقابله الطالح، والجزاء فيه يكون هنا والآن، أو إلى حين في ميزان الحق.

وفي مقابل الصالحين، كانت هناك جماعات أخرى على النقيض، طالحة سياسياً، دخلت السجون، لكنها نظيفة اليد.

في الجهة الأخرى، كان لصوص للمال العام يسرقون جهاراً تحت شعار الصالح العام. طبعاً، اغتنى مَن اغتنى، وتحوّل الصالح العام إلى عنوان عريض لمغرب الفرص الضائعة في طريق التنمية.

وكلما برزت مشكلات آنية، إلا وفرض سؤال التنمية نفسه، اليوم مع الفيضانات التي عرفتها البلاد، ومع البطالة التي يتطاول سلّمها، وفي ظل تدبير غير محكم، حتى وإن كان شعار المرحلة هو الحوكمة.

وليس مديحاً لحكومة بنكيران، نصف الإسلامية، القول إنها تقلّدت المسؤولية في ظروف صعبة ودقيقة، وبالتالي، لو جاز لنا تقييمها بمنظار ورؤية الحسن الثاني، لقلنا عنها إنها احتكمت إلى الصالح العام، وهي تتحمّل عبء مشاركة سياسية، جرّت عليها ليس غضب الديمقراطيين فقط، بل حتى أشقاء الصف الإسلامي الذين تورطوا في  مغامرة للحكم بدون ضمانات، كما جرى الأمر نفسه في تجربة حكومة عبد الرحمن اليوسفي، حين دخل اليسار إلى العمل الحكومي، تحت العنوان العريض نفسه "الصالح العام"، والذي طوره العهد الجديد، ليصبح "المصلحة الوطنية" في أبعادها البراغماتية.

لكن، هل يمكن حوكمة ما لا يحوكم؟ فكما أن الديمقراطية لا يمكن أن تتحقق بدون ديمقراطيين يؤمنون بها، كذلك لا يمكن أن يجري تسيير الحياة الإدارية والسياسية بطريقة جيدة، وتخضع لمقاييس وقوانين التدبير الشفاف، ما لم يكن المسيّر الإداري والقاصد لهذا المرفق على اقتناع تام بأن القضاء على مظاهر الفساد الإداري يبدأ من الخطوة الصغيرة في الجماعة الترابية الصغيرة، وفي المستوصف الصحي، وعند مخفر الشرطة وفي فناء المحكمة.

الحكامة الجيدة، هي مثل كلمات شبيهة لها في قاموس التداول، في المشهد العام، وهي شأنها شأن "التخليق" أو "الشفافية"، وغيرها ممّا أنتجه نظام إداري في الضفة الأخرى من المتوسط، جرت استعارته، ونقل قشرته الظاهرة، من دون أن يحدث نوع من الإصلاح الحقيقي للإدارة المغربية المتقادمة، التي هي نفسها موروثة عن ثلاثينيات الإدارة الاستعمارية، فيكف يمكن مخاطبة كرسي من خشب بلغة الكراسي المتحركة الدوارة، أو تعويض الجدران المغلقة بفن الحواجز الزجاجية الشفافة، ويكون كل هذا التغيير مجدياً وضرورياً، وليس  زينة في بيت الديمقراطية.

الإدارة القائمة على مكتسبات الريع لا يمكن أن تنتج خطاباً أخلاقياً شفافاً عن النزاهة، ولا يمكن لها أن "تتخلّق"، أو تتشبّه بالزجاج، ذلك أن الانعكاس يخيفها، ويكشف عن البثور التي لا تخفيها صالات التجميل.

البيروقراطية هي سرطان الإدارة، وحين ينهار جسر، أو تتلف أحياء بكاملها، فهذا يدلّ على أن الآلة العجيبة للفساد لا تزال تعمل، وبصحة جيدة. وبالتالي، استطاعت أن تنمّي قدراتها، وتتحايل، وتعود من جديد إلى المشهد.

والوقائع أبانت أن مشكلاتنا ليست اقتصادية، بل أزمات طرق بالية في التدبير الإداري، حتى وإن كان قد جرى إضافة الطلاء اللامع إلى الجدران الصماء، باستعارة اللغة الجديدة للمانجمانت والماركوتينغ، فذلك لم يشكل أبداً فرقاً، بالنظر إلى تحديات حاسمة تواجه البلاد وتضعها على المحك.

6A0D14DB-D974-44D0-BAC8-67F17323CCBF
حكيم عنكر
كاتب وصحافي مغربي، من أسرة "العربي الجديد". يقول: الكرامة أولاً واخيراً، حين تسير على قدميها في مدننا، سنصبح أحراراً..