بريجيت باردو
في نهاية اللقاء الذي بثته القناة الفرنسية الثانية، تكريماً لإحدى أكبر نجماتها على الإطلاق، واحتفاءً ببلوغها الثمانين من عمرها في 28 سبتمبر/ أيلول الجاري، قالت بريجيت باردو إنها تحب مارين لوبان، ولا تجد حرجاً في قول ذلك. وكانت قد أعربت لمجلة باري ماتش، في المناسبة نفسها، عن أملها في أن "تنقذ فرنسا"، واصفة إياها بـ"جان دارك القرن الواحد والعشرين"!
ولمن لا يعرف، مارين لوبان هي ابنة الزعيم الفرنسي اليميني المتطرف، جان-ماري لوبان، أو النسخة المستحدثة والمحسّنة عنه، وقد انتُخبت عضواً في الاتحاد الأوروبي عام 2004 وأعيد انتخابها في العام 2009، وهي رئيسة لحزب الجبهة الديمقراطية منذ 2011، وكانت مرشحة الحزب للرئاسة الفرنسية في 2012، وقيل، أخيراً، إنها واليمين المتطرف قد أصبحا على "أبواب السلطة في فرنسا"، بحسب تعبير رئيس الوزراء الفرنسي، إيمانويل فالس.
ولا أنقل جملتيّ باردو لأنهما صادمتان، أو ما شابه، خصوصاً أنه عرف عن الممثلة الفرنسية التي جابت صورها وأفلامها العالم أجمعه، تصريحاتها المعادية للأجانب والمسلمين والمثليين، ما سبب لها مشكلات مع القضاء الفرنسي، حتى أنها أدينت عام 2004 بتهمة "التحريض على الكراهية"، بل لأنها ضمنّت جملتيها تلك نبرةً هادئة واثقة، هي نبرة من أثبتت الظروف صوابية مواقفه.
لا تحبّنا بريجيت باردو، ولا تخجل من كراهيتها، ولا تغصّ بها. وكزعيمتها التي قالت إن "صلاة المسلمين في الشوارع مثل الاحتلال النازي"، ستزداد كراهيتها لنا، وستشعر ويشعر معها من لف لفّها، الواثقون من مواقفهم والمتذبذبون منهم على السواء، الفرنسيون والأوروبيون، أنهم لا يريدون أن يعرفوا عنا، ولا أن تكون لهم بنا صلة من قريب أو بعيد.
فنحن الذين نخطف ونذبح ونقتل ونبيد، ومن يأتي إلينا، يغرق في وحول مستنقعاتنا وتعقيداتنا وثوراتنا التي تحوّل الربيع المزهر إلى خريف دموي.
لكنّ المفارقة أن هذه المرأة، التي تعتبر نفسها "محافظة" أكثر منها رجعية، تتسّم في ذاكرة الفرنسيين، وفي ذاكرة أجيال بأكملها، من الغرب إلى الشرق، ومن الشمال إلى الجنوب، بصورة المرأة المتمرّدة الثائرة التي، إلى جانب جمالها الأخاذ الذي ذهب مثلاً وشكل مرجعاً في مقاييس الجمال، تحرّرت وتعرّت وتجرأت، حيث لم تجرؤ امرأة من قبلها، فمثلت بذلك رمزاً لجيلها الذي قام بثورة مايو 68. ثورة ضد المجتمع وتقاليده العتيقة الموروثة عن القرن التاسع عشر، وضد السلطة الأبوية وسلطة أرباب العمل وسلطة الأساتذة في المدارس والجامعات، أحدثت قطيعة ثقافية ومعرفية وسياسية، أثّرت في أجيال الشباب على مستوى العالم أجمعه.
وبريجيت باردو المجبولة بالتناقضات والمفارقات، لم تكن كمارلين مونرو جميلةً ومثيرة فقط، أو "شقراء فارغة الرأس"، كما كانوا يشيعون عنها، بل كانت شقراء تتكلم وتعبّر عن رأيها. وهي لم تكن ربيبة المياتم، أو ضائعة الهوية تتسوّل الحب والاهتمام، كنظيرتها الأميركية، بل كانت من عائلة برجوازية وابنة لصناعي كبير، اختارت حياتها، وثارت على قيم عصرها ومثلت لأبناء جيلها قيم التحرر والتمرد وكسر القوالب الجاهزة.
بيد أن صورتها كامرأة "ثائرة" غابت مع انسحابها من عالم الأضواء، قبل أن تبلغ الأربعين، بل ومغادرتها عالم البشر لتنحاز إلى أوجاع الحيوانات وحقوقها، هي التي كانت تدمع حين تحكي عن مقتلة أطفال البطاريق، في حين تخلّت عن ابنها الوحيد، وحكت عن صعوبة أن تصبح أمّا لجنينٍ، كانت تشعر به ينمو "كالورم في بطنها"، متحيّنة اللحظة حيث ستتمكنّ من "لفظه".
ما زلنا إلى اليوم، حين نسخر ممن تعتقد نفسها خارقة الجمال، نتندّر قائلين، "شو مفكّرة حالها بريجيت باردو؟!" لكن، يبدو أن النكتة نفسها باتت تحتاج تصويباً، بعد أن ثارت باردو الثمانينية على باردو الستينيات!