علاوة على الجراح التي تملأ أجسادهم والهول الذي عايشوه إبان الاعتداء الصهيوني الأخير على قطاع غزة، يعاني الجرحى الغزيون في الأردن من صعوبات مختلفة تعمّق تلك الجراح، وتجعل رحلة العلاج المنشودة في الأردن أكثر صعوبة.
بلال جريح غزّي أصيب بشظايا في مختلف أنحاء جسده خلال العدوان الإسرائيلي الأخير، قدّم طلباً للعلاج في الأردن بسبب خطورة حالته الصحية، لم تصدر الموافقة على علاجه في الخارج إلا بعد 4 أشهر بسبب الحاجة لاستكمال إجراءات التنسيق بين السلطة الفلسطينية مع الجانبين الأردني والصهيوني.
بلا ماوى!
"وصل بلال إلى الأردن ووجد نفسه بلا مكان يؤويه" كما قال لـ"العربي الجديد"، موضحاً أنه في يوم الثلاثاء 9 ديسمبر/كانون أول الجاري طلب من المسؤولين عن العلاج في الخارج تزويده بأرقام هواتف أو جهات اتصال وارتباط يعود لها في حال تعرض لأي مشكلة بعد وصوله للأردن، لكنّهم رفضوا ذلك.
يضيف بلال "قالوا لي عند وصولك إلى معبر إيرِز شمال قطاع غزة، تجد حافلة تنقلك إلى مشفى الأردن، وصلت المعبر ولم أجد حافلة أو حتى من يقوم باستقبالي، تصرفت وتوجهت إلى المستشفى وأبلغتهم أني جريح من غزة فكان ردّهم لا نعلم عن حالتك ليتبنّى بعدها أحد المتعاطفين حالتي أنا وجريحة أخرى ويحجزوا لنا بالفندق المجاور للمشفى".
بلال يقول إنه "عاد إلى المستشفى بعد خمسة أيام مع مندوب السفارة الفلسطينية ليحددوا له موعداً للعملية، وأبلغ المندوب عن عدم وجود سكن له واضطراره لاستئجار شقة لمدة ستة أيام على نفقته الخاصة".
العملية التي أجراها بلال استأصل فيها عدداً من الشظايا من قدميه ويديه، ولم يستأصلوا ما تبقى منها في في الظهر والرأس، فيما طلب بعدها المستشفى منه الخروج، يضيف بلال "لم يستجب القائمون على المشفى لطلباتي المتكررة باستضافتي يوماً واحداً حتى تتحسن حالتي الصحية إلا بصعوبة".
السلطة غير مسؤولة!
اكتشف بلال بعد إجرائه العملية الجراحية أن الجهة المانحة هي هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية السعودية على عكس ما قيل له في غزة أن السلطة الفلسطينية هي من يتبنى العلاج، طلب هو وجريحان آخران معه مقابلة أحد المسؤولين عن الهيئة وكان الرد:"سنوفر لكم حجزاً في شقق فندقية تابعة للمستشفى لمدة يومين تجاوزاً منّا لأننا غير مسؤولين عن مسكنكم"، وفعلاً بعد يومين وصلهم أمر بإخلاء الشقة.
يقول بلال "بعد إخلائي الشقة الفندقية حاولت التواصل مع مندوب السفارة الفلسطينية، إلا أنه رفض التواصل معي، قمت بالاتصال بصديق لي ناشط في شؤون الأسرى يدعى أحمد عمره، استضافني ونشر ما حصل معنا على صفحته على موقع التواصل الإجتماعي "فيس بوك".
مستشفى الأردن غاضب!
بعد ما نشره عمره على صفحته، أمّنت هيئة الإغاثة الإسلامية حجزاً من أجل بلال وجريح آخر في شقق شذى البتراء الفندقية، وبحسب تصريح بلال أنه وقرينه سيغادرون الأردن بعد بضعة أيام، في الوقت نفسه لاقى منشور عمره استجابةً من قبل الناشطين على موقع "الفيس بوك" وتضامناً معنوياً مع ما حصل مع بلال و غيره من الجرحى.
أثار ذلك غضب وسخط مستشفى الأردن -تقع وسط عمان- إذ قال نائب الرئيس للشؤون الإدارية والمالية عبدالقادر الخطّاب في حديث لـ"العربي الجديد": "آلمني ما جاء بالمنشور، لتضمنه بعض المعلومات الخاطئة مثل طردنا للجرحى، وتقصيرنا الطبي تجاههم، والشخص الذي نشر المنشور يسعى لتشويه عملية علاج الجرحى، ويريد أن يستعطف المجتمع على حساب الحقيقة".
وأضاف: "مستشفى الأردن له تاريخ عريق في علاج جرحى فلسطين منذ عام 1997، وعلى من ينكر ذلك أن يتقي الله في دم الجريح والشهيد وفي البلد التي تحتضنه".
وتوعد الخطّاب بملاحقة أحمد عمره صاحب المنشور ومحاسبته قانونياً، هو ومن طلب منه نشر هذه المعلومات، وأضاف: "دليل صحة حديثي وإثباتي أنّ معلوماته كاذبة تنكره للموضوع وسحب المنشور من صفحته على الفيس بوك، وتوسله لي بعدم اتخاذ أي إجراء بحقه".
على موقع التواصل الاجتماعي الفيس بوك، بحثنا على منشور (بوست) أحمد عمره، تبين أنه ما زال إلى الآن على صفحته وأنه لم يتنكر له كما قال نائب الرئيس للشؤون الإدارية والمالية في مشفى الأردن عبدالقادر الخطّاب. يعلق عمره على الحديث السابق قائلاً: "وصلني تهديد من السيد عبد القادر الخطّاب وطلب منّي سحب ما كتبت على صفحتي ورفضت، ولم أتوسل له أو لغيره فما قلته صحيح، بعد كشف عورات هؤلاء الحيتان، وشرائهم ذمم بعض الأشخاص لتغيير أقوالهم، فأنا لن أتراجع عمّا قلت لأني تحركت بناءً على طلب من الجرحى ذاتهم، وأتحمل المسؤولية الكاملة عن كل ما ورد في المنشور لامتلاكي أدلة تثبت صحة ما قلت". عمره لفت إلى الضغط على بعض الجرحى وتهديدهم لعدم الخروج في الإعلام والتعريف بمشكلتهم، دون أن يذكر الجهة صاحبة التهديد.
السفارة الفلسطينية وإهمال رعاياها
"غادرت الأردن قبل عشرة أيام، أنا وجرحى آخرون، على نفقتنا الخاصة، رغم علم السفارة الفلسطينية وهيئة الإغاثة الإسلامية، لم يتكفل أحدٌ منهم بمساعدتنا للوصول إلى غزة، بعد أن أخبروني في المستشفى بوجود نزيف داخلي بعيني لكنهم لم يستأصلوا الشظية من عيني، أبقوها واكتفوا بإعطائي قطرة عين".
هكذا لخص لنا عبد الله رحلته للعلاج في الأردن بعد إصابته أثناء العدوان الأخير على غزة. ما جرى مع عبدالله طابق ما حدث مع بلال الذي رفض مندوب السفارة الفلسطينية في الأردن التواصل معه ولم يقف بجانبه بحسب تصريحه.
واجهنا مدير الإرتباط في السفارة الفلسطينية بالأردن معتصم جبر بوقائع إهمال السفارة لرعاياها، فردّ:"نعمل بموجب تعليمات الرئيس الفلسطيني محمود عباس، إذ نقوم بتوفير ما يحتاجه الجرحى بالتنسيق مع الجهة الداعمة للعلاج، كما نقوم بالتنسيق والمتابعة مع المستشفيات وزيارتهم وتقديم لهم المساعدة المادية من خلال السفير الفلسطيني عطا الله خيري، وبحسب تعليمات الرئيس أيضاً باب السفارة مفتوح أمام كل فلسطيني".
لكن الناشط عمره عاد وحمّل السلطة الفلسطينية وسفارتها في الأردن مسؤولية ما تعرض له جرحى غزة في رحلة علاجهم قائلاً: "يجب على السفارة الاهتمام بالجرحى بغض النظر عن الجهة المانحة لعلاجهم ومدى تنسيق السفارة معهم، كما يقول مدير الارتباط، وقد لمسنا تقصيراً واضحاً من قبلهم تجاه رعاياهم من جرحى في الأردن".
حاولت كاتبة التحقيق الحصول على ردّ من هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية السعودية التي تكفلت بعلاج 23 من جرحى غزة في مستشفى الأردن، لكن لم يجب أحد على أرقام هواتفهم المنشورة على الإنترنت، فيما زودنا أحد المصابين برقم هاتف للهيئة لم يرد عليه أحد أيضاً، وحفاظاً منّا على المصداقية لم ننشر تصريحات حالتين أخريين غيرتا ما قالتاه بعد يوم واحد من مقابلتهم.
الجدير بالذكر أن مستشفى الأردن في عمان استقبل 23 جريحاً من غزّة، بحسب كشف حصلت "العربي الجديد" على نسخة منه، عاد 19 جريحاً منهم إلى بلادهم، وبقي 2 بالمشفى وآخران سيغادران الأردن بعد بضعة أيام.