11 نوفمبر 2024
باريس والاتفاق الليبي.. رهانات ومحاذير
يبدو أن قبول الأطراف المتنازعة في ليبيا، وأساسا فائز السراج والمشير خليفة حفتر، بوساطة الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، ما زال يطرح أسئلة عديدة، تظل تطارد كل حلقات المصالحة الليبية التي تعثرت، على الرغم من تعدّد وسطاء الخير فيها، حتى لم يعد من الممكن للخبير في الشأن الليبي أن يستحضر بيسر كل المحطات التي مرّت بها هذه المصالحة التي تأبى أن تترسخ في قناعات الأطراف المتنازعة وتوجهاتهم قبل ممارساتهم. سيبدو لبعضهم أن اتفاق الصخيرات مجرد خبر أو ذكرى عابرة ناهيك عن اتفاقات الجزائر وأبو ظبي وغيرها، فالمحطات التي مرت بها المصالحة الليبية، وهي مصالحة تتغير دقات قلبها، فضلا عن صدق نياتها مع تطورات الميدان وتراجع تأثير القوى الإقليمية والدولية، أو صعودها في مجريات الأحداث، تظل لا حصر لها تقريبًا. لذلك، تسعى القوى السياسية في ليبيا إلى استرضاء جميع القوى المؤثرة: الجزائر وليبيا ومصر والإمارات وغيرها.
يبدو مؤكداً أن الإمارات وفرنسا، وهما من قوى إقليمية أخرى، وإنْ بأشكال متفاوتة، قد استفادتا من هذا الأمر، فالرئيس الفرنسي ماكرون قد أبدى مواقف في غاية التلطف تجاه زعامات سياسية ما كان يرتضيها سلفه الأسبق، نيكولا ساركوزي، حتى مجرّد أن يلتقيها، فلقد رفض الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، في مناسبات عديدة، استقبال المشير خليفة، على رغم توسّط بعضهم. على خلاف تلك التقاليد الفرنسية، يحاول ماكرون، من خلال التوسط في حل النزاع الليبي، أن يتخلص من إرث سلفه هذا، بانياً لنفسه خطّا متمايزا في النزاعات الخارجية، وهي للأسف نزاعاتٌ عربية في المقام الأول.
يتدرّب ماكرون، كما ذكرنا، وقد بدت له الفرصة سانحةً على امتحان عسير، يحرص فيه على إصلاح ما أفسده من سبقوه من الزعماء الفرنسيين، فلقد ساند ساركوزي نظام معمر القذافي،
وارتبط معه بعلاقات وطيدة، غير أنه سرعان ما انقلب عليه في اللحظات الحاسمة، وربما باعه درءاً لملفاتٍ ما زالت جارية يكتنفها غموضٌ كثير. أما هولاند فقد حاول أن ينأى بنفسه قدر الإمكان عن الملف الليبي، معترفاً بأن فرنسا عاجزة عن تدارك "حقائق التاريخ و الجغرافيا"، إذ يبدو أنها تظل، حسب اعتقاده، ملتفتة إلى دول المغرب العربي التي كانت سابقاً مستعمراتها، وذلك لأسباب تاريخية، يطول استحضارها في هذا المقام.
أقر السراج وحفتر، وهما بين يدي الوسيط الفرنسي وبحضور مبعوث الأمم المتحدة غسان سلامة الذي يتطلع إلى تحقيق إنجاز حاسم، يفتتح به مهمته الصعبة في ليبيا الوثيقة التي تتضمن عشر نقاط ظلت عامة، ما عدا الاتفاق على وقف إطلاق النار، والسعي إلى ثتبيته واستدامته وتنظيم انتخابات في الربيع المقبل، تقتضي، كما نصت الوثيقة، عودة المهجّرين والعفو والمصالحة الوطنية، والامتناع عن اللجوء إلى القوة العسكرية لحسم الخلافات، وبناء سلطة قضائية موحدة، وحل المليشيات، وإدماج بعضها في جهاز جيش وطني موحد .. إلخ. وقد تكون تلك ''البنود" تمهيداً لخريطة طريق، في صورة نجاح شروطها، من أجل حل المعضلة الليبية. وعلى رغم أن السراج وحفتر لم يوقعا على أي وثيقة، ما يجعل من لقائهما الفرنسي تعبيرا عن حسن نياتٍ فشلت سابقا في أن تترجم نفسها إلى وقائع وإجراءاتٍ على أرض الواقع، خصوصا في ظل عوامل عديدة، أهمها ارتهان الرجلين إلى قوى محلية وإقليمية ودولية متنافرة الأهداف والخلفيات، فان الكل يحرص على إنجاح هذه المساعي التي قد تكون حافزا لبداية مشوار سياسي، أو مهني، لكل من رعاها أو أقرّها، وأولهما الرئيس الفرنسي، دون نسيان غسان سلامة، والليبيين السرّاج وحفتر ذاتهما.
يغامر الرئيس الفرنسي الذي لتوه تولى مقاليد السلطة في بلاده، متخلياً عن التردّد الذي ميز
سلفه هولاند، فالرجل قبل بالتوسّط "على المباشر''، في نزاع فشلت فيه كل الوساطات السابقة، وهو بذلك ينخرط في نزعة براغماتية جديدة، تحمس لها وزير خارجيته جون إيف لو دريان، ويعمل على ترسيخها، حتى تغدو تقليداً جديداً للسياسة الخارجية الفرنسية. وهي سابقةٌ تحسب للرجل، أو ربما عليه، إذ أنه مسؤول غربي يقابل المشير حفتر، في حين ظلت التقاليد الغربية مجافيةً للاعتراف بالعسكريين، أو حتى مجرد التحاور معهم بشكل مباشر. ويبدو أن حفتر قد قبل، بل سعى إلى هذا اللقاء، بقطع النظر عن النتائج التي ستؤول إليها كل هذه المساعي، إذ يراهن الرجل أن يكون ذلك بداية اعتراف دولي به تحديدا، ليس باعتباره رقما مهما في المعادلة الليبية فحسب، بل اعترافا قد يفتح له مستقبلا سياسيا ينزع فيه بدلته العكسرية هذه المرة، لا لمقابلة ماكرون، بل لخوض منافسةٍ على الرئاسة، يعتقد الرجل نفسه جديرا بها. يعلم الجنرال حفتر أنه، وهو ذاهب إلى ملاقاة السراج في باريس، أن حقائق الميدان لصالحه بشكل كبير، ولكنه يعلم أيضا أنه يحتاج إلى جرعات متزايدة من الاعتراف السياسي والدبلوماسي به، فالرجل لم يلتق، خلال سنوات الحرب الطويلة، إلا بحلفائه الإقليميين من العرب، مصر والإمارات والأردن، والاستثناء الوحيد من خارج هذه الدائرة هو الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين.
لا تهم، في مثل الحالة، صدق نيات السراج و"خصمه الحليف" حفتر، ذلك أن الأمر موكول لعدة فاعلين آخرين في ليبيا وغيرها، لهم نفوذهم الحاسم، خصوصاً وأن لمساندي السراج وأنصارهم في طرابلس ومصراتة لهم مواقف مغايرة من حفتر تحديدًا. أما أنصار حفتر فيرون الأمر مواتيا للزحف على طرابلس وبقية المدن الغربية لحسم الأمر عسكرياً، ولو كانت التكلفة باهظة، فهذه هي الفرصة المواتية التي لا يجب تفويتها. لن تكون النيات الصادقة، أو حقائق الميدان وحدها، المتحكمة في نجاح مساعي الرئيس الفرنسي ماكرون، أو إخفاقها، بل ستكون القوى الإقليمية محدّدة بدورها فيما ستؤول إليه الأمور: الجزائر وإيطاليا ودول أخرى، من دون نسيان بقايا "الشرعيات القديمة" وتحالفاتها الغريبة أحياناً.
يبدو مؤكداً أن الإمارات وفرنسا، وهما من قوى إقليمية أخرى، وإنْ بأشكال متفاوتة، قد استفادتا من هذا الأمر، فالرئيس الفرنسي ماكرون قد أبدى مواقف في غاية التلطف تجاه زعامات سياسية ما كان يرتضيها سلفه الأسبق، نيكولا ساركوزي، حتى مجرّد أن يلتقيها، فلقد رفض الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، في مناسبات عديدة، استقبال المشير خليفة، على رغم توسّط بعضهم. على خلاف تلك التقاليد الفرنسية، يحاول ماكرون، من خلال التوسط في حل النزاع الليبي، أن يتخلص من إرث سلفه هذا، بانياً لنفسه خطّا متمايزا في النزاعات الخارجية، وهي للأسف نزاعاتٌ عربية في المقام الأول.
يتدرّب ماكرون، كما ذكرنا، وقد بدت له الفرصة سانحةً على امتحان عسير، يحرص فيه على إصلاح ما أفسده من سبقوه من الزعماء الفرنسيين، فلقد ساند ساركوزي نظام معمر القذافي،
أقر السراج وحفتر، وهما بين يدي الوسيط الفرنسي وبحضور مبعوث الأمم المتحدة غسان سلامة الذي يتطلع إلى تحقيق إنجاز حاسم، يفتتح به مهمته الصعبة في ليبيا الوثيقة التي تتضمن عشر نقاط ظلت عامة، ما عدا الاتفاق على وقف إطلاق النار، والسعي إلى ثتبيته واستدامته وتنظيم انتخابات في الربيع المقبل، تقتضي، كما نصت الوثيقة، عودة المهجّرين والعفو والمصالحة الوطنية، والامتناع عن اللجوء إلى القوة العسكرية لحسم الخلافات، وبناء سلطة قضائية موحدة، وحل المليشيات، وإدماج بعضها في جهاز جيش وطني موحد .. إلخ. وقد تكون تلك ''البنود" تمهيداً لخريطة طريق، في صورة نجاح شروطها، من أجل حل المعضلة الليبية. وعلى رغم أن السراج وحفتر لم يوقعا على أي وثيقة، ما يجعل من لقائهما الفرنسي تعبيرا عن حسن نياتٍ فشلت سابقا في أن تترجم نفسها إلى وقائع وإجراءاتٍ على أرض الواقع، خصوصا في ظل عوامل عديدة، أهمها ارتهان الرجلين إلى قوى محلية وإقليمية ودولية متنافرة الأهداف والخلفيات، فان الكل يحرص على إنجاح هذه المساعي التي قد تكون حافزا لبداية مشوار سياسي، أو مهني، لكل من رعاها أو أقرّها، وأولهما الرئيس الفرنسي، دون نسيان غسان سلامة، والليبيين السرّاج وحفتر ذاتهما.
يغامر الرئيس الفرنسي الذي لتوه تولى مقاليد السلطة في بلاده، متخلياً عن التردّد الذي ميز
لا تهم، في مثل الحالة، صدق نيات السراج و"خصمه الحليف" حفتر، ذلك أن الأمر موكول لعدة فاعلين آخرين في ليبيا وغيرها، لهم نفوذهم الحاسم، خصوصاً وأن لمساندي السراج وأنصارهم في طرابلس ومصراتة لهم مواقف مغايرة من حفتر تحديدًا. أما أنصار حفتر فيرون الأمر مواتيا للزحف على طرابلس وبقية المدن الغربية لحسم الأمر عسكرياً، ولو كانت التكلفة باهظة، فهذه هي الفرصة المواتية التي لا يجب تفويتها. لن تكون النيات الصادقة، أو حقائق الميدان وحدها، المتحكمة في نجاح مساعي الرئيس الفرنسي ماكرون، أو إخفاقها، بل ستكون القوى الإقليمية محدّدة بدورها فيما ستؤول إليه الأمور: الجزائر وإيطاليا ودول أخرى، من دون نسيان بقايا "الشرعيات القديمة" وتحالفاتها الغريبة أحياناً.