انقسامات المعارضة المصرية بين الداخل والمنفى

20 ديسمبر 2018
+ الخط -
مع دخول شهر ديسمبر/ كانون الأول الجاري، ظهرت وجهات نظر مختلفة من الجماعة الإسلامية وجماعة الإخوان المسلمين، بشأن تصورات لحل أزمتهم مع السلطة، وفيما استمر "الإخوان" في تبني التصعيد الدولي، فقد اتجهت الجماعة الإسلامية نحو تقييم دورها السياسي. وتكمن أهمية هذه التغيرات في أنها تثير النقاش بشأن اتجاهات تطور المعارضة وأفكارها السياسية.
يشكل خروج حزب البناء والتنمية من "تحالف دعم الشرعية" (2 ديسمبر/ كانون الأول 2018) نقطة بداية لمناقشة التغيرات الداخلية لدى الإخوان المسلمين والجماعة الإسلامية. وعلى الرغم من رمزية القرار، فإنه يتضمن مؤشرين؛ يتعلق الأول بتفكك ترابطات المعارضة والتباعد مع "الإخوان المسلمين". وبهذا المعنى، تنتهي فكرة التحالفات التي تشكلت بعد عزل محمد مرسي. أما الثاني، فهو أن موقف الجماعة الإسلامية يتسق مع فكرة المراجعات، حيث تميل إلى إيجاد بيئة كابحة للصراع، وأكثر ملاءمة للمصالحة. ويمكن قراءة التوجه نحو الحلول السياسية، كتطوير لمبادرة وقف العنف، باعتبارها جهداً مشتركاً لكل من الدولة والمنظمات المدنية والجماعة الإسلامية، أدت إلى صياغة قواعد لعلاج مشكلة العنف.
وفي تفسيره الخروج من التحالف، اعتبر "البناء والتنمية" أن الوضع الحالي تجاوز البقاء في التحالفات، وأن تغيرات السياسة في مصر تتطلب إعادة تقييم دوره من التدخل لمنع الانزلاق نحو العنف لتفعيل المصالحة الوطنية. وبشكل عام، يعد هذا القرار امتداداً للجدل داخل الحزب، منذ 2015، حول جدوى الاستمرار في التحالف.
وفي سياق متزامن، وفيما ينحسر نشاطها في مصر، استقرّت تصريحات بعض المسؤولين في 
المنفى عند المطالبة بالعودة إلى ما قبل يوليو/ تموز 2013، كما أكدت على الالتزام بالعمل السلمي واعتبار السلطة في مصر غير شرعية، وأن المبادرات المطروحة للتقارب والمصالحة محاولات شخصية. وهنا يمكن ملاحظة أن مواقف "الإخوان" تحتفظ بمسافة بعيدة عن فكرة المصالحة، وأن أولويتها تتمثل في إسقاط الحكومة.
ومن جانب آخر، تعمل إدارة "الإخوان" على توسيع الحوار مع المؤسسات البريطانية، وتعتبر أن الحوارات الثقافية وسيلة لتحقيق هدفين؛ الدفاع عن فكر "الإخوان" في مراكز القرار الدولية، ورسم صورةٍ عن الأوضاع في مصر توضح "رفض الممارسات الوحشية للسلطة"، لكنه لم يتم التطرق لوضع تصور للخروج من الأزمة الممتدة مع النظم العلمانية والعسكرية، سوى الدعوة إلى تبادل الأفكار وتصحيح رؤى الغربيين عن الجماعة، وتقريب وجهات النظر حول القضايا المختلفة.
وعلى الرغم من أهمية التواصل للتعريف بالأفكار السياسية، لم يتضمن محتوى الحوار في مجلس العموم شيئاً إضافياً يجهله البريطانيون عن حركة الإخوان، فيكفي أي مسؤول بريطاني الاطلاع على ملخصات للأرشيف البريطاني عن الأوضاع في الشرق الأوسط، بحيث يمكن القول إن هذا التواصل يعبر عن روح انفتاحية مع بريطانيا، ومنغلقة عن حل مشكلة جماعة الإخوان مع الدولة، وهو ما يثير التساؤلات حول صياغة الموقف السياسي.
وبعد تصنيف الإخوان المسلمين حركة إرهابية، صدرت قائمة بتصنيف الجماعة الإسلامية كيانا إرهابيا في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2018، حيث يمثل صدور القانون 22/ 2018 تحدياً للمعارضة، فقد أسبغ القانون الصفة القضائية (م 2)على أعمال "لجنة إجراءات التحفظ والإدارة والتصرّف في أموال الجماعات الإرهابية والإرهابيين"، ويترافق دخول القانون حيز النفاذ مع التصرف في قضايا كثيرة، وصدور أحكام نهائية بشأنها.
ومع تصنيفها ضمن الكيانات الإرهابية، قامت الجماعة الإسلامية بتجميد عضوية المدرجين على قائمة الإرهاب، واستبعاد كل من يصدر بحقه حكم نهائي، كما أن استقالة أعضاء فيها في الخارج (3 ديسمبر/ كانون الأول 2018)، هو بغرض حصر الصلاحيات في الهيئات التنظيمية داخل مصر. وبهذا، يقدّم حزب البناء والتنمية نمطاً مختلفاً عن إدارة "الإخوان المسلمين" في التعامل مع الأزمات السياسية، حيث يميل إلى تقليل فرص الصدام مع السلطة، وفتح الفرصة لإعادة تقييم مواقفه. وعلى خلاف ذلك، سادت سمة الركود على الخطاب السياسي لإدارة "الإخوان المسلمين"، حيث غلب عليه الاستغراق في الأزمات الداخلية للجماعة، وضعف القدرة على ابتكار تصورات لإخراج الجماعة من أزماتها، أو حسم خلافاتها مع الدولة.
وبينما تتجه الجماعة الإسلامية إلى استكمال مشوار التحول نحو السياسة، تعمل اتجاهات قريبة من "الإخوان المسلمين" على طرح خطاب أقرب إلى السلفية الجهادية، فلدى النظر إلى محتوى موقع "البوصلة"، يلاحظ وجود مصطلحات كالفريضة الغائبة، إعداد القوة لحماية الحق، واستعادة روح الجهاد في أفغانستان. يمكن وصف هذا التناول تقليدياً، ليس فقط بسبب تركيزه على استخدام القوة، ولكن لتصنيفه الاحتلال الأجنبي والحكومات المستبدة ضمن سلةٍ واحدةٍ، بشكل يفتح الأفق لأفكار المقاومة والخروج.
وبشكل عام، تتماثل مقاربات معارضي المنفى من الجماعة الإسلامية و"الإخوان" في تبنّي 
مواقف صارمة بإسقاط الحكومة، وعدم الاعتراف بها. يستند هذا التوجه إلى متغير وحيد، يتمثل في حرية التحرك بمعزل عن تأثير السلطة، أو ملاحقتها، لكنه لم يقدم توضيحاً للسياسات اللازمة لاستعادة المسار الديمقراطي، وإطلاق سراح المعتقلين، فعلى مدى السنوات الماضية، يمكن ملاحظة أن مواقف معارضي المنفى صارت أقرب إلى الدعاية منها إلى العمل السياسي.
وتظهر التقسيمات الحالية أن ثمّة تباينا بين إدراك المعارضين في مصر ونظرائهم التنظيميين في الخارج للواقع السياسي، وذلك في ما يتعلق بالموقف من الحكومة والتسوية السياسية. صار هذا الجانب واضحاً لدى الجماعة الإسلامية، وخصوصاً بعد ترتيب أوضاعها التنظيمية في مصر، واستقالة بعض أعضائها في الخارج، غير أن انفراد مكاتب الخارج بالتعبير عن مواقف "الإخوان المسلمين" لا يتيح الفرصة لمعرفة طبيعة التفاعلات الداخلية للجماعة، ومدى اقترابها من التشدد أو القبول بتسوية، لكنه على أية حال، يمثل استمرار إصدار البيانات من مكاتب المنفى مؤشراً يعكس أولوية الأمان الشخصي على المصالح العامة، فقد دأبت إدارة "الإخوان" على التعامل مع الأزمات، من دون استشراف أفق الخروج منها، سوى انتظار حدوث تغييرٍ في مواقف الأطراف الأخرى، وهو نمط قليل الفاعلية وأقل ديناميكيةً من مراجعات الجماعة الإسلامية. وهنا يمكن القول إن البقاء في حالة الأزمة من دون إنجاز يماثل الانتحار بدون ضجيج.
وهنا يمكن النظر إلى تفكك المعارضة المصرية بمثابة تحول في الأوزان النسبية، لمصلحة الكتلة القريبة من الدولة والسلطة، فبجانب انفراط التحالفات، تتنامى حالة إهدار الرأسمال الاجتماعي والموارد المالية، كما تساعد التشوهات التنظيمية على مضاعفة أثر السياسات الحكومية.
5DF040BC-1DB4-4A19-BAE0-BB5A6E4C1C83
خيري عمر

استاذ العلوم السياسية في جامعة صقريا، حصل على الدكتوراة والماجستير في العلوم السياسية من جامعة القاهرة، وعمل باحثاً في عدة مراكز بحثية. ونشر مقالات وبحوثاً عديدة عن السياسية في أفريقيا ومصر والشرق الأوسط .