الانعكاس السياسي للصراع على العسكرية الليبية

08 مايو 2024

قوة تابعة لحكومة الوحدة الوطنية في طرابلس (16/8/2022فرانس برس)

+ الخط -

بينما تشهدُ العاصمة عمليات تحضيرية لإعادةِ تموضعِ المكوّنات العسكرية والكتائب الأمنية أو إخلاءِ معسكرات طرابلس، يتزايد انقسام الجيش الوطني. وتشير التحرّكات الأخيرة لتطلّعِ الحكومتين إلى بسطِ السيطرة على قِسمٍ من الإقليم الليبي. فمن جهتها، تسعى حكومة الوحدة الوطنية، لتوسيعِ سيطرتها حتى معبر "رأس جدير"، كما تسعى حكومة المؤقتة في بنغازي (القيادة العامة) لتثبيت موقع قواتها حتى حدود "سرت"، بحسب مناورات مارس/ آذار الماضي. ومن هذه الوجهة، تأتي أهمية الاقتراب من التأثير المتبادل بين تحوّلات المجموعات المسلّحة وسياسات بناء الجيش وأجهزة الأمن، ومدى انعكاسها على الانتقالِ السياسي وتدهور السياسات العامة. ويساعد تناول تطوّر المجموعات المسلحة على فهمِ جانبٍ من العوامل المؤثّرة على تكاملِ الدولة وعلاقته بتأخر بناء الجيش والمؤسّسات الأمنية.

ظهور المكونات المسلحة وتداعياته

صاحبَ إطاحة نظام معمّر القذافي عام 2011 ظهور مجموعات مسلّحة عديدة. وفي سياق التدخل العسكري الدولي، ظهر نحو 30 مجموعة مسلّحة في العاصمة طرابلس، في حين تنتشر المجالس العسكرية في المدن الليبية. وبسبب تبعثرِ البيانات والمغالاة، جرى تسجيل أكثر من 250 ألف فرد (4% من عدد السكان)، لتظهر مشكلات الدمج والتسريح، وليفقدَ برنامج "هيئة شؤون المحاربين" في 2012، مصداقيته. ومع إعادةِ الهيكلة، انخفضَ عدد كتائب طرابلس في 2017 إلى أربع مجموعاتٍ رئيسية، كتيبة ثوّار طرابلس، وقوة الردع، وكتيبة النواصي، والأمن المركزي فرع أبو سليم، وقامت العلاقة على أساس التعايش الضمني، وتمكنت من البقاء والتأثير السياسي على المستويين الأمني والأيديولوجي.

ولمعالجةِ هذه المشكلات، اتجه خليفة حفتر إلى طرحِ مشروعه ليكون الجيش في طليعةِ بناء الدولة (يونيو/ حزيران 2013)، لكنّه مع ضعفِ الاستجابة، أعلن السيطرة على قيادة الجيش (فبراير/ شباط 2014)، ثم انتقل إلى مرحلةِ التكوين بعد إعادةِ تعيينه لواءً في 2015، ليبدأ تشكيل وحدات عسكرية عبر ضمِّ عِدّة كتائب مختلفة الأيديولوجيا، لتشكل النواة الأساسية لمعاركه مع المجموعات السلفية في بنغازي ودرنة.

وعلى خلافِ تجربة الغرب الليبي، عمل خليفة حفتر على تكوينِ الجيش ضمن مركزية سياسية والاتصال بالدول الأخرى، ليكتسبَ اعترافاً واقعياً بدوره داخل ليبيا. بدت هذه السياسات في بسطِ السيطرة على شرق ليبيا وإداراتها المدنية، وتوسيعِ الاتصال بروسيا وبلدان أخرى. وبغضِّ النظر عن المسوّغات الإجرائية في محكمة "فرجينيا" الأميركية، يمثّل تعليق المحاكمة، وللمرّة الثانية، قبولاً أميركياً باستمرار دوره في السياسة الليبية.

يرجع تشوّه الوضع الأمني والعسكري إلى ظهورِ كتائب عديدة في الأحياء والمدن، نتجت عن انفراطِ الوحدات النظامية الرئيسية في مقابل صعود المشاركين في إطاحة معمّر القذافي من الإسلاميين والجهويين

وبينما تَمكّن خليفة حفتر من طردِ معارضيه من شرق ليبيا، ظلّت حكومات طرابلس غير قادرة على معالجةِ التناقضات بين الكتائب المسلحة. وقد انعكست هذه التناقضات على اختلاف أنماط السيطرة وإدارة المؤسّسات العامة. ففي حين تكوّنت إدارة مركزية في شرق البلاد وجنوبها، اتجهت حكومات طرابلس إلى القبولِ بالوضع القائم، وجرت عمليات تقنين للكتائب من دون نظر إلى تجانس البنية العسكرية والأمنية، فبجانب غموضِ البيانات وتفكّك الإدارة المدنية، اقتصر الأمر على معيارِ المشاركة في الحرب ضدَّ القذافي، والمساهمة في صدِّ الهجوم على العاصمة، لتكتسب الكتائب ميزات شرعية السلاح والدمج في النظام المالي، من دون المرور بتقريبِ العقيدة الأمنية أو العسكرية. فقد شاع وصف العدو في الحملات الإعلامية المتبادلة، لتصير العلاقات عدائية.

واستناداً إلى أسبقيةِ وجود الكتائب على الحكومات، ترسّخ الصراع حول الحق في رسمِ السياسات الانتقالية، حيث سعت الكتائب لتوطيدِ مشاركتها في العمليات الرسمية. وبحسب عمليات إطاحة القذافي، اعترف المجلس الوطني الانتقالي بالمجموعات المسلحة، غير أنّه في المرحلة التالية، تأثرت معايير التقنين بصورِ المشاركة في الحرب الأهلية، ويؤسّس الانقسام حول "فجر ليبيا" و"كرامة ليبيا" لتصنيف الولاءات العسكرية على الموقف من ثورة فبراير، لكنه ينتهي إلى معيار جغرافي؛ يميّز ما بين كتائب غرب وشرق البلاد.

هيكلة دمج الكتائب ومشكلاته

على مدى فترةِ ما بعد فبراير/ شباط 2011، ارتبطت عمليات التحوّل في الكتائب المسلحة بضغوط الحرب الأهلية والصراع على الموارد، فمنذ تشكيل مجموعات المسلحين تحت إسناد عمليات حلف الأطلسي، أُعيدَ تشكيلُها على خلفيةِ البحث عن موطئ قدمٍ لملء الفراغ السياسي. فخلال مرحلة المؤتمر الوطني، قام تكوين الكتائب على حماية الثورة التائهة، ما بين تقويض نظام القذافي والتلاقي على مرحلة البناء. وفي هذا السياق، اندلعت الحرب الأهلية الأولى في 2014 بين تحالفي "فجر ليبيا" و"كرامة ليبيا". وقد أسّست هذه المرحلة لانهيارات متتالية، نتج عنها افتراق الجهات المسلحة، وانتشار السلاح بين مجموعات غير مترابطة، تمكّن بعضها من الارتباط بمؤسّسة الجيش الرسمي، واتجه آخرون إلى بناءِ جيشٍ جديدٍ بدعمِ البرلمان.

وشكلت الحرب الأهلية الثانية في أغسطس/ آب 2018 وإبريل/ نيسان 2019 اختباراً لقدرة الليبيين على تطوير البنية العسكرية، لكنّها عجزت مرّة أخرى عن إعدادِ مشروع لتجميع المكوّنات المسلحة، لانصرافِ اهتمام المكوّنات العسكرية نحو تمزيق المؤسّسات المدنية. ويكشف تعامل الحكومات مع نتائج الحرب عن الانزواء المحلي، فقد أدّى انخفاض القدرة على الحسم العسكري لتنافر مجموعات المسلحين وانصرافها إلى البحث عن التموضع المحلي وحلفاء خارجيين، وكان الاتجاه نحو الولايات المتحدة وروسيا الشاغل الرئيسي لدى دوائر النفوذ في الغرب والشرق، بحيث تراجع الوزن النسبي لمساهمات الإقليم تحت دعاوى رفض التدخّل.

أدّى انخفاض القدرة على الحسم العسكري إلى تنافر مجموعات المسلحين وانصرافها إلى البحث عن التموضع المحلّي والحلفاء الخارجيين

وبعد انتهاء الحرب، بدأ تقنين الكتائب المنتشرة على طول البلاد تحت مؤسّستين؛ هيئة الأركان العامة والقيادة العامة. كانت النتيجة الرئيسية ماثلة في هيمنةِ الطابعِ المحلي لكلِّ المكوّنات العسكرية. فبينما اتجهت القيادة العامة إلى تطوير الجيش وتوسيع نطاق سيطرته على الشرق والجنوب، مُكوّناً من بين بقايا الجيش التقليدي والجماعات المسلحة، اتّجهت حكومات طرابلس إلى تقنين وضعِ الكثير من المجموعات المسلحة وإعادة تسميتها تحت مظلّة وزارة الدفاع ووزارة الداخلية. شكلت هذه التغيّرات أساس اندلاع الكثير من المعارك. وبدأت عملية التقنين في عام 2020، وأصدرت حكومة الوفاق قرارات تقنين الكتائب المشاركة في القتال ضدَّ كتائب القيادة العامة ومجموعة فاغنر، وكان منها اللواء 51 مشاة، ويعتبر امتداداً لـ"كتيبة رحبة الدروع"، كما ظهر اللواء 444 قتال، نتيجة لامتناع "الردع الخاصة" عن الدفاع عن العاصمة. كما قنّنت حكومة الوحدة "جهاز دعم الاستقرار" في 2021، وتوسيع اختصاصاته لتشمل الأمن العام والقتال العسكري كحماية المقرات الرسمية والضبط القضائي.

تمثلت نتائج التقنين تحت الضرورة في خفضِ فاعلية التراتب الهيكلي تحت هيئة الأركان العامة، لتبدو الكتائب في علاقة اعتمادٍ متبادلٍ مع الحكومة، تقوم على ثنائية التأمين مقابل التقنين والتمويل. ووفق هذه العلاقة، حدّدت الحكومات دوائر النفوذ والمهام واعترفت بصلاحيات العسكريين، فعلى الرغم من دمجها في الحكومة، ظلّت الكتائب تحتفظ بخصائصها الجهوية والمناطقية. على أيّ حال، ساعد تقنين المجموعات العسكرية على تسهيل انتشارها في المؤسسات العامة وحراسة المقرّات الحكومية. فقد ظلّت دورة المنافع قائمة على الحماية مقابل النقود وتوسيع نطاق السيطرة. وقد تمكنت المجموعات المتبقية من تطوير بنيتها الإدارية والتمويلية ونشر تحالفاتها في المؤسّسات. يمثل جهاز الإسناد واحداً من علامات الاعتماد المتبادل مع الدولة عبر المساهمة في تشكيل الاقتصاد المحلّي.

جذور مشكلة المؤسّسية

يرجع تشوّه الوضع الأمني والعسكري إلى ظهورِ كتائب عديدة في الأحياء والمدن، لتبدو في حالة خليط من المسلحين والعسكريين، نتجت عن انفراطِ الوحدات النظامية الرئيسية في مقابل صعود المشاركين في إطاحة معمّر القذافي من الإسلاميين والجهويين، لتساهمَ في إثارةِ الصراع على الجيش الوطني، شارك فيها عددٌ من الكتائب المسلحة ولواء القعقاع، لتكون تجربة تمهيدية لمعارك طرابلس في يونيو/حزيران ـ يوليو/ تموز 2014، لمرحلة صراعٍ على جانبي غرب البلاد وشرقها.

وارتباطاً باختلاف مرجعية الكتائب، تباينت أهداف الجماعات والمنظمات العسكرية ما بين تثبيت سيطرتها واستهداف المؤسسات الوطنية والأجنبية، لتتراجع أولوية بناء الدولة، فكما وقع المؤتمر الوطني تحت ضغوطِ المجموعات العسكرية، تعرّضت البعثات الأميركية، الفرنسية والمصرية لتهديدٍ مباشر، ما يعطي انطباعاً بوجودِ انفعالات غير متناسقة، من جانب السلفية الجهادية والمسلحين الجدد، حول طبيعة مؤسسات الثورة، لتشكل ظاهرة الاقتحامات المتكرّرة الأساس للانقسام حول التبعية للمؤتمر أو مجلس النواب، وتهيئةِ المناخ لتشكيل تحالفي "فجر ليبيا" و"كرامة ليبيا"، ثم البنيان المرصوص تحت أسس مُتغيّرة، لضمان اصطفاف الكتائب في الحرب تحت دعاوى الثورة والثورة المضادة.

وعلى أيّة حال، ساهمت العمليات على جانبي تقسيم الجيش، ما استدعى البحث عن صيغٍ لاستعادة وحدته عبر مفاوضات لجنة 5 + 5. ويرجع بقاؤها من دون إنجاز إلى اختلاف نمطي إدارة المكوّنات العسكرية من الحكومتين، حيث المركزية الإدارية في الشرق، وهيمنة الكتائب على الجيش في الغرب الليبي. وخلال مسار التعامل مع الجيش، أدّى تراكم الاستعانة بالجماعات المسلحة المحلية والمرتزِقة، إلى اهتزازِ المؤسّسية وإنهاك فكرة الجيش النظامي وشيوع نمط حرب العصابات.

ربط مستقبل الجماعات المسلحة بالحكومة الجديدة، سوف يعمل على استمرار مشكلات تكامل الدولة

تتضافر هذه التناقضات مع التنافسية بين الدول في إعاقةِ البناء العسكري، حيث تظهر حلبة سباق بين المدارس التدريبية لترسيخ النفوذ. وتمثل حالات تنافس روسيا، أوروبا والولايات المتحدة، الأكثر تأثيراً على بناء الجيش الوطني، فبجانب دعم وجود "فاغنر" في مناطق سيطرة "القيادة العامة"، تدخل الشركات الأوروبية والأميركية مباشرة على برامج تأهيل الجماعات المسلحة في طرابلس على حماية الحدود ونزع السلاح.

ومع انهيارِ المؤسّسات الأمنية وغياب السياسة الدفاعية، انشغل التدخل الدولي بأمنِ الحدود ومنع انتشار السلاح، وفق قرار مجلس الأمن 1995، غير أنّ قصور الأمم المتحدة في تطبيقه، ساهم في إضعافِ أجهزة الدولة وإخلال الكتائب بالقانون، ويمثل مناخ صدور قانون العزل علامة بارزة في اختلالِ وظائف الدولة. وتظهر سيولة القرار الدولي في قبول مجلس الأمن بالأمر الواقع، ويمثّل اعتراف مجلس الأمن بتدريبات القوات البريّة في سرت مؤشّراً على القبول بديناميات جديدة تتجاوز الخلافات التقليدية حول الشرعية .

بين العسكري والاجتماعي

على مدى الفترة، يحدث تحوّل تدريجي لدور المجالس العسكرية للمدن، فلم يقتصر أو يعتمد على تمويل الدولة، لكنّها اتجهت إلى القيام بوظائف الحكومة من جمع الرسوم وطباعة النقود والاستفادة من الهيمنة على المؤسّسات المدنية. فخلال مراحل الحروب والتقنين، تغيّر الوضع القانوني لمجموعاتٍ كثيرة، بحيث تمّ تحديد مهامها أو استبعادها، أثبتت قوة الردع وجهاز الإسناد ـ أبو سليم، وكتائب أخرى، قدرة على التكيّف مع تغير الحكومات والتغلغل في الجهاز الإداري، في حين ظهرت مكوّنات عسكرية وانتهت عبر هذه السنوات.

وعلى العموم، تفرض العوامل الاجتماعية قيوداً على وحدةِ الجيش. ونظراً إلى انحدار غالبية قيادات الكتائب المسلحة والعسكرية من جماعاتٍ قرابية وجهوية متجانسة، فإنّها تعمل بصفتها مجموعاتِ ضغط سياسي للحصول على النفوذ والمشاركة في إدارة الموارد. في الحقيقة، لا توجد استثناءات يُعتدّ بها، فكلّ من التشكيلات، إمّا تنحدر من مدينة وإمّا من حيٍّ داخل المدن الكبرى، أو تنتمي إلى مرجعيةٍ دينية. تؤسّس هذه الخصائص لأولوية المصالح الذاتية على مناقشة المصلحة الوطنية للمجتمع أو الدولة. ومع طول الفترة، تعمل كشبكات مصالح مغلقة أمام الانتقال السلمي.

وفي هذا السياق، يواجه التطوير المؤسّسي للجيش عقبات البيئة السياسية، حيث تتقارب الحكومات المتتالية في تفضيل الامتيازات ودعم الشبكات غير الرسمية في إدارة عائدات النفط، لتسهيل دخول المجموعات المسلحة على المالية العامة والاستحواذ على الأراضي والموارد. وهنا، تظهر التحدّيات المرتبطة بانتشار الروابط العائلية، حيث الاهتمام بتقاسم المناصب وتوزيع الإيرادات على الموالين. ويشير تقرير "فريق خبراء الأمم المتحدة" لعام 2023 إلى تنامي الطابع العائلي في السلطات العسكرية، الاجتماعية والاقتصادية، لتعمل على استبدال الإدارة العامة بكيانات هشة، لشيوعِ الشبكات غير الرسمية والسعي لبقاءِ الامتيازات.

تعمل المؤسّسات الليبية تحت قيودٍ مزمنة، لا تسمح بنجاحِ محاولات تكوين جيش وطني

وفق هذه التطوّرات، تبدو سيطرة الحكومات المؤقتة على الكتائب رمزية، فقد تركت المجلس الوطني والمؤسّسات العامة تحت إكراه الكتائب في إدارةِ الصراع وملء الفراغ الأمني، ما يهيئ المناخ لتكرار الحرب الأهلية، خصوصاً مع بقاء طرابلس محلّ تنافس بين الجماعات المسلحة وكيلة أصحاب المصلحة، وظهرت اتجاهات لطرد المسلحين خارج المدينة. بدت الشرعية الاجتماعية محدودة (خاصة مع تكرار الاشتباكات)، ونظراً إلى موقعها في وسط العاصمة، كانت أبو سليم طرفًا في كلّ الاشتباكات ضدَّ الجماعات الآتية من خارج المدينة.

ولذلك، تبدو مصادر عدم الاستقرار واستمرار إطاحة الانتخابات مترابطة مع مرور ليبيا بأجيالٍ مختلفة من المسلحين، تعدّدت فيها مصادر الدعم المحلي والخارجي، بحيث اختلف منظور الانتقال الأمني والوصول إلى مرحلةِ الدولة المستقرّة الموحّدة. تبدو هذه النقطة مهمة في قراءة عوامل الجذب والتنافر تجاه مسألة الوحدة. فعلى مدى العقد الماضي، ظهر نفوذ المجموعات المسلحة والعسكرية في تفضيل ممارسة الإكراه السياسي والاقتصادي، بصورة أعاقت المسار السلمي، ما يفرض صياغة تصوّر عن دمجها أثناء المرحلة الانتقالية.

على العموم، تعمل المؤسسات الليبية تحت قيودٍ مزمنة، لا تسمح بنجاحِ محاولات تكوين جيش وطني، وهو ما يرجع إلى عاملين، يتمثّل الأوّل في شيوعِ نفوذ الروابط العائلية واختلافاتها المصلحية، إذ صارت غالبية كتائب المدن وبعض مكوّنات القيادة العامة أكثر قابلية للتكيّف مع وضع ما دون الدولة، فثمّة تقارب بينها على استقطاع حصصها المالية وإخضاع الإدارة المدنية، سواء بفرض رسوم أم بالتوسّع في صلاحيات طبع النقود. فيما يرجع الثاني، إلى تواصل انهيار الإدارة المدنية، وخضوعها لهيمنة المكوّنات العسكرية، وهنا، لا تقدّم قوانين الانتخابات حلّاً كافياً، حيث تحتاج ليبيا إلى تفاهمات وحزمة تشريعات تراعي مصالح الفاعلين في الشؤون السياسية. ولذلك، يمكن تخفيف حدّة الصراع المُركب من خلال تهيئة المناخ لإعادة هيكلة المسلحين وتناسق العقيدة الأمنية والعسكرية. فإنّ ربط مستقبل الجماعات المسلحة بالحكومة الجديدة، سوف يعمل على استمرار مشكلات تكامل الدولة.

5DF040BC-1DB4-4A19-BAE0-BB5A6E4C1C83
خيري عمر

استاذ العلوم السياسية في جامعة صقريا، حصل على الدكتوراة والماجستير في العلوم السياسية من جامعة القاهرة، وعمل باحثاً في عدة مراكز بحثية. ونشر مقالات وبحوثاً عديدة عن السياسية في أفريقيا ومصر والشرق الأوسط .