20 مايو 2021
انتصر إضراب الأسرى
في الحالات التي يكون فيها الانتصار مؤجلاً وغير واضح بما يكفي، يصبح إعلانه مسألةً لا تحتمل التأجيل، وأهم من حقيقته. وإذا كانت هذه قاعدةً عامةً تنطبق على مختلف الحالات، إلا أن الخصوصية التي تمتاز بها المعارك داخل الأسر (لا أرض تحتل أو تُستعاد أو حكم يُسيطر عليه... إلخ) تجعل من المعلومات وتفاصيل نصوص الاتفاق المكتوب أو الشفهي هي الحكم والبيّنة على أن ما حدث يعد انتصاراً أو نصف انتصار أو لا انتصار وهزيمة أو ربما هزيمة نكراء.
في حالة إضراب الحرية والكرامة، خرجنا بانتصارٍ يحتاج إلى انتظار، أي أننا انتصرنا فقط لأن الإضراب توقف من دون سقوط شهداء داخل السجون، ومن دون أن تنجح إدارة السجون في كسر إرادة المضربين، واضطرارها إلى جمعهم معا والتفاوض معهم والاعتراف بقيادتهم للأسرى المضربين. وهذه الأشياء على أهميتها، إلا أنها كانت قائمة أو ما كان بالإمكان أن يكون لها أي أهمية خاصة، لولا الإضراب، وكونها أصبحت أدوات للوصول بالإضراب إلى أهدافه الحقيقية المتمثلة بالمطالب.
ولا شك في أن هناك أبعاداً أخرى ومكاسب ثانوية قيمة للإضراب، تتعلق بانعكاسه على الشارع والرأي العام وإيجاده مناخا نضاليا وحالةً شعبيةً متفاعلة وإيجابية، يمكن أن تكون أحد العوامل أو أن تفسر عوامل مستقبلية، قد يعيشها شعبنا وتشهدها قضيتنا، ولكن هذا أيضا مرهونٌ بانتصار الإضراب ووجود إجماع داخلي وخارجي حوله، أو ستتحول هذه العوامل إلى نقيضها تماما.
من الصعب إصدار حكم على الإضراب الآن، فهو انتصار في حالة الانتظار. ولكن، في قراءة أولية للإضراب، نستطيع أن نجزم أنه حقق إنجازاتٍ بشكل مباشر لها علاقة بالمطالب
المعيشية، والتي ستكشف تفاصيلها قريبا، أو بشكل غير مباشر من خلال الحالة التي أنتجها والمناخ الذي أفرزه.
هذه الإنجازات التي لا ترقى إلى مرحلة الانتصار الواضح الذي لا لبس فيه هي بالذات ما سيكون مادة الصراع أو التنافس بين الأطراف التي ظهر جليا تنازعها، ليس على الإضراب وقيادته وشكل إنهائه فقط، بل على الشارع والوجهة المستقبلية التي سيتجه إليها، وأدوات النضال التي يمكن الاعتماد عليها وانتهاجها أيضا، وهذا هدفٌ أجمعت عليه، بشكلٍ لا يمكن النظر إليه على أنه مصادفة، كل من السلطة الفلسطينية وإسرائيل.
الصراع مع إسرائيل وإدارة سجونها عادل وواضح لا لبس فيه، إلا أن الصراع الآخر الخفي والداخلي المغلف بكثير من الود والكلام المعسول والشعارات بين أبناء الحركة الواحدة والسلطة الواحدة هو ما سيجعل هذا الانتصار مختلفا، ويحمل أبعادا ودلالات مستقبلية، لا علاقة لها بالحركة الأسيرة ومطالبها المعيشية العادلة.
لذا، فلا يفترض أن يفاجئنا إعلان الانتصار من دون معرفة معلومةٍ واحدة عن الإضراب ونتائج التفاوض، وكيف ومع من جرى هذا التفاوض، فالانتصار الباهت المشكوك فيه موضوعيا هو انتصار كبير للطرف الآخر وإضعاف هذا الطرف قوة لذاك الطرف.
حرصت السلطة على أن تخرج منتصرة من هذا الإضراب الذي لم تخضه، ولا أرادته، وكان يجثم كالكابوس ويؤرّقها، ويتمثل انتصارها أولا في انتهاء الإضراب، لأن استمراره سينطوي على خطر سقوط شهيد أو أكثر من بين المضربين، ووصول الأمور إلى حالة من عدم السيطرة، خصوصا في ظل هذه الفترة السياسية الحسّاسة بالنسبة للسلطه، أيضا فإن الإضراب وقضية الأسرى من القضايا المحرّكة للشارع، وطالما أن الأسرى مضربون سيبقى الشارع متفاعلا، وهذا قد يخرج هو الآخر عن السيطرة، ويفتح الباب لأكثر من جهة، لتستغل هذه الأرضية أو توظفها لصالحها.
المظهر الثاني من انتصار السلطة هو الخبر الوحيد الذي كشف عنه حتى الآن من بين مطالب
الإضراب، والمتعلقة بعودة الزيارة الثانية، والمحادثات التي فتحت مباشرة بين السلطة وإسرائيل عبر قناة الأمن والتنسيق الأمني، وهو ما يعطي لحظة إنهاء الإضراب عبر اتصال من قيادة الإضراب داخل السجون مع وزير الشؤون المدنية، حسين الشيخ، أهمية استثنائيةً، ورسالةً حرصت السلطة على إيصالها من خلال إلقاء عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، جمال محيسن، بيان "الانتصار"، مضافا إليه تعيين أقدم أسير في سجون الاحتلال، كريم يونس، عضوا في اللجنة المركزية للحركة، وهو يبرز دور السلطة طرفاً عاقلاً، مسؤولاً، يتدخل عندما يتطلب الأمر، وأنه الطرف الوحيد القادر على الحل وبأدواته (التنسيق الأمني) التي تكتسب شرعية عمليه أمام الجمهور القلق على حياة أسراه، وهذا ما تفترض السلطة أنه لا بد أن ينعكس ضمنا على الأطراف الأخرى المقابلة لها، والتي ستبدو قوى طائشة وغير مدركة أبعاد ما تقوم به، والأهم أنها لا تملك أدوات (أو أن ما تملكه لم يعد ملائما لعصرنا ومرحلتنا) كافيه لفرض الحل.
استمرار إضراب الأسرى أربعين يوما، وانتهاؤه بهذه الصورة الغامضة، والتي تفتح بابا واسعا للتأويل والتساؤل والطريقة التي أنهي بها، جميعها عوامل تجعل مسألة الانتصار مسالة إشكالية، وإذا كان انتصارا فمن هو صاحب الفضل فيه، ولمن سينسب، والأهم من سيجني ثماره.
إنه الإضراب الأول في تاريخ الحركة الأسيرة الفلسطينية الذي يغيب عنه الإجماع داخل السجون وخارجها، ويحوي بداخله هذا الكم الهائل من التناقضات التي أحسنت إسرائيل قراءتها، والاستفادة منها للإطالة في زمنه، هذه الاطالة التي أصبحت عاملا رادعا للأسرى، وسقفا زمنيا أدنى (لمدة أي إضراب قادم)، وتقليل إنجازاته وكلفته عليها.
في حالة إضراب الحرية والكرامة، خرجنا بانتصارٍ يحتاج إلى انتظار، أي أننا انتصرنا فقط لأن الإضراب توقف من دون سقوط شهداء داخل السجون، ومن دون أن تنجح إدارة السجون في كسر إرادة المضربين، واضطرارها إلى جمعهم معا والتفاوض معهم والاعتراف بقيادتهم للأسرى المضربين. وهذه الأشياء على أهميتها، إلا أنها كانت قائمة أو ما كان بالإمكان أن يكون لها أي أهمية خاصة، لولا الإضراب، وكونها أصبحت أدوات للوصول بالإضراب إلى أهدافه الحقيقية المتمثلة بالمطالب.
ولا شك في أن هناك أبعاداً أخرى ومكاسب ثانوية قيمة للإضراب، تتعلق بانعكاسه على الشارع والرأي العام وإيجاده مناخا نضاليا وحالةً شعبيةً متفاعلة وإيجابية، يمكن أن تكون أحد العوامل أو أن تفسر عوامل مستقبلية، قد يعيشها شعبنا وتشهدها قضيتنا، ولكن هذا أيضا مرهونٌ بانتصار الإضراب ووجود إجماع داخلي وخارجي حوله، أو ستتحول هذه العوامل إلى نقيضها تماما.
من الصعب إصدار حكم على الإضراب الآن، فهو انتصار في حالة الانتظار. ولكن، في قراءة أولية للإضراب، نستطيع أن نجزم أنه حقق إنجازاتٍ بشكل مباشر لها علاقة بالمطالب
هذه الإنجازات التي لا ترقى إلى مرحلة الانتصار الواضح الذي لا لبس فيه هي بالذات ما سيكون مادة الصراع أو التنافس بين الأطراف التي ظهر جليا تنازعها، ليس على الإضراب وقيادته وشكل إنهائه فقط، بل على الشارع والوجهة المستقبلية التي سيتجه إليها، وأدوات النضال التي يمكن الاعتماد عليها وانتهاجها أيضا، وهذا هدفٌ أجمعت عليه، بشكلٍ لا يمكن النظر إليه على أنه مصادفة، كل من السلطة الفلسطينية وإسرائيل.
الصراع مع إسرائيل وإدارة سجونها عادل وواضح لا لبس فيه، إلا أن الصراع الآخر الخفي والداخلي المغلف بكثير من الود والكلام المعسول والشعارات بين أبناء الحركة الواحدة والسلطة الواحدة هو ما سيجعل هذا الانتصار مختلفا، ويحمل أبعادا ودلالات مستقبلية، لا علاقة لها بالحركة الأسيرة ومطالبها المعيشية العادلة.
لذا، فلا يفترض أن يفاجئنا إعلان الانتصار من دون معرفة معلومةٍ واحدة عن الإضراب ونتائج التفاوض، وكيف ومع من جرى هذا التفاوض، فالانتصار الباهت المشكوك فيه موضوعيا هو انتصار كبير للطرف الآخر وإضعاف هذا الطرف قوة لذاك الطرف.
حرصت السلطة على أن تخرج منتصرة من هذا الإضراب الذي لم تخضه، ولا أرادته، وكان يجثم كالكابوس ويؤرّقها، ويتمثل انتصارها أولا في انتهاء الإضراب، لأن استمراره سينطوي على خطر سقوط شهيد أو أكثر من بين المضربين، ووصول الأمور إلى حالة من عدم السيطرة، خصوصا في ظل هذه الفترة السياسية الحسّاسة بالنسبة للسلطه، أيضا فإن الإضراب وقضية الأسرى من القضايا المحرّكة للشارع، وطالما أن الأسرى مضربون سيبقى الشارع متفاعلا، وهذا قد يخرج هو الآخر عن السيطرة، ويفتح الباب لأكثر من جهة، لتستغل هذه الأرضية أو توظفها لصالحها.
المظهر الثاني من انتصار السلطة هو الخبر الوحيد الذي كشف عنه حتى الآن من بين مطالب
استمرار إضراب الأسرى أربعين يوما، وانتهاؤه بهذه الصورة الغامضة، والتي تفتح بابا واسعا للتأويل والتساؤل والطريقة التي أنهي بها، جميعها عوامل تجعل مسألة الانتصار مسالة إشكالية، وإذا كان انتصارا فمن هو صاحب الفضل فيه، ولمن سينسب، والأهم من سيجني ثماره.
إنه الإضراب الأول في تاريخ الحركة الأسيرة الفلسطينية الذي يغيب عنه الإجماع داخل السجون وخارجها، ويحوي بداخله هذا الكم الهائل من التناقضات التي أحسنت إسرائيل قراءتها، والاستفادة منها للإطالة في زمنه، هذه الاطالة التي أصبحت عاملا رادعا للأسرى، وسقفا زمنيا أدنى (لمدة أي إضراب قادم)، وتقليل إنجازاته وكلفته عليها.
دلالات
مقالات أخرى
11 ابريل 2021
11 فبراير 2021
14 يناير 2021