21 أكتوبر 2024
النخب التونسية واستحقاقات حاضرة
تكاد تنحصر اهتمامات النخبة السياسية التونسية، حكومة ومعارضة، خلال الأسابيع القليلة الماضية في أمرين لا ثالث لهما، هما الاستعدادات للانتخابات البلدية والتحوير (التعديل) الوزاري الذي يبدو أنه لن يتأخر كثيرا، على الرغم من التعثرات التي رافقته منذ طرح أمره رئيس الحكومة، على إثر استقالة وزير المالية فاضل عبد الكافي، على إثر صدور حكم قضائي ضده غيابي، يقضي بسجنه سنة، على خلفية قضايا جمركية لمّا كان مسؤولا عن شركة مالية دولية. بهذه الاستقالة، سجلت تركيبة الحكومة شغورا في ثلاث حقائب وزارية تقريبا: التربية، الاستثمار والتعاون الدولي، المالية.
أمام هذه الضرورة السياسية، العاجلة خصوصا في توقيت حرج، سمته الاستعداد للعودة المدرسية وبدء مناقشة ميزانية الدولة وعرضها على مجلس النواب بعد أسابيع، ناهيك عن مباشرة إنجاح الأمتار الأخيرة من الانتخابات البلدية، يجد الشاهد نفسه مرتبكا أمام موقفين مختلفين، صدرا عن أكبر حزبين يشكلان ائتلافه الحاكم، ويفترض أن يكونا مصدر حاضنته السياسية، ففي حين ترى حركة النهضة أن يكون التحوير جزئيا، مقتصرا على سد الشغورات الثلاثة، وتجنب إجراء أي تعديلات أخرى، خصوصا في وزارات السيادة، على غرار الداخلية والعدل والخارجية، يصر حزب نداء تونس، حليف الحركة في الحكم والفائز في الانتخابات التشريعية الفارطة، أن يكون التحوير عميقا وشاملا، قد لا يستثني حقائب الوزارات السيادية، بما فيها الداخلية تحديدا. تقدم "النهضة" من خلال تصريحات قيادييها وبينات مؤسساتها جملة من الحجج، منها أن تحويرا شاملا سيربك الحكومة ويلهيها عن مناقشة مستفيضة ودقيقة لميزانية الدولة التي يتهدّدها الإفلاس.
ولكن، يظل السبب الأهم في ذلك كله الانتخابات المحلية التي تعدها "النهضة" موعدا حاسما
في تجسيد ما نص عليه الدستور، من حكم محلي ينمّي المشاركة السياسية للموطنين، ويرسخ المشاركة المواطنية في الشأن العام. فالتحوير الوزاري العميق قد يؤدي، حسب اعتقادها، إلى إرباك الإدارة المركزية والمحلية، مما قد تكون له آثار سلبية على بقية المراحل الانتخابية في ظل مخاوف من تواصل العزوف الانتخابي، بعد تجربة سياسية لم تكن محفزةً للانخراط المكثف في الشأن العام. كما أن تحويرا واسعا في أعضاء الحكومة يقتضي تقييما عميقا وشاملا لأداء الوزراء والبحث عن بدلاء لهم، في ظل تقديرات متفاوتة واختلافات شديدة، وغياب منهجية واضحة، خصوصا في سياق "محاصصة حزبية" أصبحت من أعراف الحياة السياسية بعد الثورة، لم تنج بدورها من ابتزازات وترضيات. فالحكم على أداء هؤلاء الوزراء أطلق تصريحات وتهما متبادلة بين حلفاء الحكم، لعل أبرزها الاتهامات المتبادلة بين قيادات حزبي آفاق والنهضة بشأن التواطؤ المزعوم مع رجال أعمال فاسدين، والاستفادة من خدماتهم، من دون نسيان النيران الصديقة التي صدرت عن قيادات حزبي نداء تونس والنهضة أيضا.
يعتقد بعضهم أن حركة النهضة، وهي تصر على تأجيل التحوير الوزاري العميق إلى ما بعد الانتخابات البلدية، تحرص على أن تقيس ثقلها الانتخابي قبل أن تحدد حجم تمثيليتها من عدد الحقائب الوزارية، وهي تتوقع أن تكون لها الغلبة على حساب خصومها السياسيين من المعارضة، وحتى من داخل الائتلاف الحاكم، خصوصا "نداء تونس" الذي قام في تأسيسه على نفيها والتخلص منها أصلا، غير أن التطورات المتلاحقة في البلاد أدت لاحقا إلى اتفاق باريس (بين الرئيس الباجي السبسي وزعيم حركة النهضة راشد الغنوشي) الذي رسم جل مراحل الحقبة الانتقالية الراهنة ومفردات التوافق الحالي. لا تمتلك "النهضة" اليقين من أن نصرها في الانتخابات البلدية آتٍ، خصوصا أن أداء الحكومة التي تشكلها مع رفيقها اللدود لم يكن جيدا، لكنها تتوقع أن تتصدر النتائج لاعتبارات أخرى، تتعلق أساسا بالانقسامات التي عصفت بحزب نداء تونس، وشتتته إلى أكثر من أربعة أحزاب، فضلا عن استقالات عدة قيادات مركزية، كان بعضهم من المؤسسين.
غير أن هناك من يحذّر من الإفراط في التفاؤل الذي قد تدفع "النهضة" ثمنه باهظا، حتى ولو فازت في هذه الانتخابات، وذلك لعدة أسباب، تعود إلى جملة من الاعتبارات، لعل أهمها أن
مشكلات البلاد لم تحل خلال سنوات ما بعد الثورة، بل تضاعفت، والبلاد على وشك الانهيار، ولن تجد "النهضة" في المنظور القريب حلولا شافية لتلك المعضلات المزمنة، خصوصا وأنها إن حكمت، فإنها ستحكم في هذه الحالة عن قرب (الحكم المحلي)، وستكون في علاقة يومية مع المواطنين، ضمن عقد ضمني يعد بحل مشكلات التدهور البيئي وتراجع الخدمات الصحية، مثل انهيار منظومة الخدمات البلدية، فالمقاربة القائمة، في هذه الحالة، تقوم على حل المشكلات اليومية، وليس على عقد سياسية تقليدية، كما هو الحال في الانتخابات الرئاسية والتشريعية. ولكن تتضاعف المخاوف أيضا في ظل تحرّش دائم بحركة النهضة من الداخل والخارج، ولعل الاتهامات الموجهة إليها أخيرا من بعض وسائل الإعلام الإقليمية عن تورّطها في شبكات تسفير الإرهابيين تنخرط في هذه الحملة المناهضة في أفق هذه الاستحقاقات السياسية والانتخابية. لذلك كله، لن تمارس "النهضة" أي نهم سياسي قادم قد يعود عليها بالوبال.
تعيش تونس على وقع هذه المواعيد المهمة. ولكن قد لا يكون لنخبها الخيال الكافي، ولا الموارد اللازمة، لحل معضلات اقتصادية واجتماعية، ستظل تنغص لحظة الفرحة بالانتصار في أي استحقاق انتخابي أو سياسي مقبل، مهما كانت ألوان الفائزين أو صدق نياتهم.
أمام هذه الضرورة السياسية، العاجلة خصوصا في توقيت حرج، سمته الاستعداد للعودة المدرسية وبدء مناقشة ميزانية الدولة وعرضها على مجلس النواب بعد أسابيع، ناهيك عن مباشرة إنجاح الأمتار الأخيرة من الانتخابات البلدية، يجد الشاهد نفسه مرتبكا أمام موقفين مختلفين، صدرا عن أكبر حزبين يشكلان ائتلافه الحاكم، ويفترض أن يكونا مصدر حاضنته السياسية، ففي حين ترى حركة النهضة أن يكون التحوير جزئيا، مقتصرا على سد الشغورات الثلاثة، وتجنب إجراء أي تعديلات أخرى، خصوصا في وزارات السيادة، على غرار الداخلية والعدل والخارجية، يصر حزب نداء تونس، حليف الحركة في الحكم والفائز في الانتخابات التشريعية الفارطة، أن يكون التحوير عميقا وشاملا، قد لا يستثني حقائب الوزارات السيادية، بما فيها الداخلية تحديدا. تقدم "النهضة" من خلال تصريحات قيادييها وبينات مؤسساتها جملة من الحجج، منها أن تحويرا شاملا سيربك الحكومة ويلهيها عن مناقشة مستفيضة ودقيقة لميزانية الدولة التي يتهدّدها الإفلاس.
ولكن، يظل السبب الأهم في ذلك كله الانتخابات المحلية التي تعدها "النهضة" موعدا حاسما
يعتقد بعضهم أن حركة النهضة، وهي تصر على تأجيل التحوير الوزاري العميق إلى ما بعد الانتخابات البلدية، تحرص على أن تقيس ثقلها الانتخابي قبل أن تحدد حجم تمثيليتها من عدد الحقائب الوزارية، وهي تتوقع أن تكون لها الغلبة على حساب خصومها السياسيين من المعارضة، وحتى من داخل الائتلاف الحاكم، خصوصا "نداء تونس" الذي قام في تأسيسه على نفيها والتخلص منها أصلا، غير أن التطورات المتلاحقة في البلاد أدت لاحقا إلى اتفاق باريس (بين الرئيس الباجي السبسي وزعيم حركة النهضة راشد الغنوشي) الذي رسم جل مراحل الحقبة الانتقالية الراهنة ومفردات التوافق الحالي. لا تمتلك "النهضة" اليقين من أن نصرها في الانتخابات البلدية آتٍ، خصوصا أن أداء الحكومة التي تشكلها مع رفيقها اللدود لم يكن جيدا، لكنها تتوقع أن تتصدر النتائج لاعتبارات أخرى، تتعلق أساسا بالانقسامات التي عصفت بحزب نداء تونس، وشتتته إلى أكثر من أربعة أحزاب، فضلا عن استقالات عدة قيادات مركزية، كان بعضهم من المؤسسين.
غير أن هناك من يحذّر من الإفراط في التفاؤل الذي قد تدفع "النهضة" ثمنه باهظا، حتى ولو فازت في هذه الانتخابات، وذلك لعدة أسباب، تعود إلى جملة من الاعتبارات، لعل أهمها أن
تعيش تونس على وقع هذه المواعيد المهمة. ولكن قد لا يكون لنخبها الخيال الكافي، ولا الموارد اللازمة، لحل معضلات اقتصادية واجتماعية، ستظل تنغص لحظة الفرحة بالانتصار في أي استحقاق انتخابي أو سياسي مقبل، مهما كانت ألوان الفائزين أو صدق نياتهم.