النخبة السياسية المغربية والاستبداد

15 يونيو 2014
+ الخط -
بعد المسيرة "الناجحة" التي قام بها عبد الإله بن كيران، منذ اعتلائه رئاسة الحكومة المغربية، وبعيد الزلزال الخفيف من بركان الـ20 فبراير، وبعد تحقيقه نسباً عالية منقطعة النظير من برنامجه الانتخابي، والذي رفعه لمحاربة الفساد والاستبداد، فأصبح لزاماً على المواطن المغربي، والذي من أجله حارب بن كيران كل العفاريت والتماسيح، وشن حربه الشعواء، وبلا هوادة، عليهم، وألقى بهم جثثاً فوق كراسي الوزارات، وفي المناصب العليا، والذين لم يسعفه الجهد والقوة، فلم يتركهم في غياهب النسيان والكتمان، وإنما أرسل إليهم برسالة عفا الله عما سلف. فكيف لا نسانده في المزيد من فتوحاته الباهرة، والتي لا محالة أنها ستعود على المواطن المغربي بالخير كأخواتها التي سبقت.
السيد الرئيس: أبنت لنا على قوتك وقوة الأيادي الشريرة التي تسيّر مسرح الأحزاب المغربية، وعرفنا بالملموس أن مَن يريد محاربة الفساد والاستبداد، ويرفعه شعاراً لخوض الانتخابات، ويؤشر على وجوه "صغيرة" للفساد، وينتقدها ويحددها بالأسماء، فمآله أن تصبح تلك الوجوه والشخصيات مشاركة معه في الحكومة، ومقرّبة أكثر من المرّبع الذي لطالما حذرت من سيطرة هؤلاء عليه، وتضع نفسك بين شباكهم، بعدما قبلت مزاحمتهم في ملعب هم أصحابه، وهم مَن رسموا خريطته، وحتى الجمهور والحكام والكرات، وكل شيء، في الملعب هو في ملكهم، ويحرك حسب هواهم، وفي الاتجاه الذي يريدون.
الفساد ليس أشخاصاً يعدّون على رؤوس الأصابع، وليس فلاناً وعلاناً هما كل الفساد والاستبداد، والدليل يفرض نفسه علينا للتفكُّر وأخذ العبر من بلدان الربيع العربي، والتي أسقطت رأس النظام، وعلى الرغم من ذلك لم يسقط النظام، وبقيت أذرعه تشتغل، وتنفذ أجنداته، واستطاعت أن تعيد الحياة من جديد إلى جسمه الذي حُمل مستعجلاً إلى غرفة العناية المركزة، ووضع في موت سريري.
الفساد والاستبداد كبيران جداً على أن يصلحا في ولاية حكومية، وبحزمة من المشاريع والقوانين، وإصلاح ما دمر في قرون لا يمكن بأي حال أن يصلح في سنوات. وانتظار الفرج وجني ثمار محاربته لا يكون بهذه الطريقة، فانتظارك غودو هادم الاستبداد وحامي البلاد سراب لن يأتي، وفلسفة كنس الاستبداد من داخل مؤسساته، كمَن ينتظر من الظالم نفسه كنس الاستبداد من داخل حظيرته، ويكنس نفسه مع ذاك الاستبداد الذي هو من صنيعته.
لا تكون محاربة الفساد والاستبداد بمواجهة اللوبيات، وأياديها الكثيرة والمتنوعة، والمتجذرة في كل المجالات والقطاعات، بالاقتصاص من المواطن، ومواجهة الفساد على حساب الحلقة الضعيفة في الدولة. فلم يصبح مقبولاً، سيدي رئيس الحكومة، أن ندفع بعجلة التقدم وإنقاذ مؤسسات البلاد من الانهيار، كما تدعون، من جيوب المواطنين الضعفاء.
أليس الأجدى إرسال فيلق من نخبة قضاة المجلس الأعلى للحسابات، وفتح تحقيق في خلفيات سقوط مؤسسة حيوية في المغرب، في خطر الإفلاس وتهديد عجلة الاقتصاد الوطني بالتوقف والشلل، والحكم على مئات الشركات العاملة مع المكتب الوطني بالإفلاس وخطر الإغلاق، بعد تأخير دفع مستحقاتها، وتشريد آلاف من العمال شهوراً؟
محاربة الفساد لا تأتي كالمطافئ لتضخ الأموال في ميزانيات القطاعات المعطوبة، وكفى، بل غاية صائدي الفساد وهواة مطاردة الاستبداد الحقيقيين، البحث والتنقيب العميق والصبر في اتباع أي أثر يوصل إلى الفريسة، وملاحظة سلوكياتها والأماكن التي ترتادها، وبالتالي، الانقضاض عليها في الوقت والمكان المناسب، أما أن نغض الطرف عن كوارث الماء والكهرباء وفضائح الجامعة الملكية لكرة القدم، والتي أصبحت وكراً للفساد والصفقات الخيالية مع مدربين، ليس من حق المغاربة حتى معرفة أجورهم الشهرية، ونكسات بالعشرات في المحافل الكروية الافريقية والدولية، ونشر ثقافة الاستقواء بالخارج وجلب اللاعبين المحترفين، وتهميش اللاعب الوطني وعدم إعطاء الأولوية إلى إصلاح القنوات التي يمكن أن تكوّن اللاعبين منذ الصغر، وتكون المصنع الخلفي لتكوين الأجيال التي سترفع القميص الوطني.
 
FF4B04B3-CB72-4AE3-8C0D-56C7195A3587
FF4B04B3-CB72-4AE3-8C0D-56C7195A3587
يوسف أريدال (المغرب)
يوسف أريدال (المغرب)