إلى صناع القرار المغربي
ليس مهماً للمواطن الغلبان القيام بالانتخابات المقبلة، والتي تخرج السياسيين من جحورهم وتوقظ النائمين على كراسي المناصب الفخمة، لتجديد الاشتراك السياسي، وتبعث الروح في سماسرة الانتخابات لتنشيط هذه السوق، وتروج بيع الذمم في مقابل دريهمات معدودة، وتفتح للعهد الجديد بتنصيب حكومة جديدة، وبقيادة حزب يدخل غمار التسيير الحكومي، لأول مرة، لتنفيذ برنامجه الذي يمزج بين روح "الأصالة" والاستفادة من مزايا "المعاصرة"، بعدما استفيد من خصائص الحزب الذي انتظر طويلاً، قبل أن يعرض خدماته وبرنامجه التنويري على أسس "العدالة"، ومن أجل تحقيق "التنمية".
ليس مهماً هذا كله، ونحن نرى نتيجة الانتخابات التي تجرى كل خمس سنوات بادية في وجوه المواطنين، والذين يعانون المشكلات نفسها منذ "الاستقلال"، بل والأخطر من هذا أن مع كل حكومة جديدة تأتي مشكلات جديدة، تكون حصرية ومسجلة باسم تلك الحكومة.
نتيجة الانتخابات بادية في وجه كل مواطن تصادفه أمام محل البقالة، لتجده شاحب اللون، بعد أن يصعق بأثمان المواد التموينية اليومية، والتي ترتفع في كل مرة من دون سابق إنذار، من حليب الأطفال، مرورا بالشاي والزيوت والمواد الغذائية الضرورية في كل بيت مغربي. ومن صدمة المواطن اليومية أمام النقل العمومي المهترئ، والذي لا يتوانى عن الزيادة في التسعيرة، كلما تململ سهم البترول في سوق روتردام، غير عابئ بالحالة الميكانيكية للحافلات العمومية، والتي أصبحت تشبه حافلات لنقل أشياء أخرى غير البشر، اكتظاظ وكراسي نصفها اقتلعت من أماكنها، وسائقون متهورون ونوافذ غير موجودة، أشياء تبعث في مخيلة الصاعد إلى الحافلة صورة شبيهة بالسفر بواسطة السجاد الطائر.
نتيجة الانتخابات بادية في وجه كل مواطن، تجده في مستعمرة من المستعمرات ذات الرأسمال المجهول، يعمل، طوال الشهر، في ظروفٍ، لا تحترم الشروط المتعارف عليها دولياً، ويتلقى أجورا تعود إلى أيام غابرة، ناهيك عن التقاعد الذي يمكن أن تكدح من أجله، طوال عمرك، لتجد، في الأخير، أن الصناديق قد أفرغت عن بكرة أبيها، وبفتوة "عفا الله عما سلف" نطوي الملف، ونملأ الصندوق من جديد من عرق الأجيال الصاعدة، ونضاعف من الاقتطاعات ونمدد لسن التقاعد، وهكذا نكون قد أنقذنا البلاد من سكتة قلبية جديدة!
نتيجة الانتخابات ظاهرة للعيان في مشافينا العمومية، والتي قد ينتظر فيها المواطن العادي أياماً، والطبيب قد لا يأتي، أو تمنح له فرصة زيارته، بعد أشهر، احتراماً لأجندة الطبيب المملوءة عن آخرها، نظراً لانشغالاته في العيادات الخاصة. وقد تصادف فيها حالات مستعجلة ملقية على الأرض، أو مرضى يشتركون في سرير، أو قطط برية ضخمة تتجول داخل غرف الولادة، أو تشاهد نساء يلدن أمام بوابة المشفى، بعد أن ترفض الممرضات إدخالهن.
وعن المدرسة العمومية، تظهر حصيلة الحكومات المتعاقبة على رقاب الشعب المغربي. قطاع يحتل المراتب الأخيرة دائماً، إلى درجة أننا أصبحنا نتنافس على هذه المراكز، مخافة سرقتها منا، وعن المناهج التعليمية فحدث ولا حرج، كل وزير جديد يأتي بنظامٍ، يتم قرصنته من دولةٍ من الدول المتقدمة، ويطبق على القطاع التعليمي المغربي، من دون أن يراعي شروط المغرب وخصوصياته ومؤهلاته المحدودة.
إنجازات الانتخابات بادية بالملموس على قطاع الإدارة العمومية، القطاع العصي عن الترويض، نصف سكانه من كوكب الأشباح، لا يعرفون من هم ولا أين يسكنون وهل هم أحياء أم صاروا أموات. والنصف الآخر موظفون آخر همهم تقديم الخدمات اللازمة للمواطن، واسأل عن الانتخابات وجدواها لدى البائع المتجول، والذي لا يمر يوم دون أن يطارده رجال القوات المساعدة، ويجردوه من بضائعه ويطرد بدعوى احتلال الملك العمومي وخلق الإكتظاظ في الشوارع، دون أن يتعبوا أنفسهم ويوفروا لهم محلات وأماكن خاصة لمزاولة تجارتهم.
كل هذه الرسائل أصبحت واضحة وتفرض نفسها أكثر من أي وقت مضى، ويجب أن لا يهملها صناع القرار الفعليين إن هم أرادوا أن يعبروا بالبلد إلى بر الأمان، بعيدا عن الزلازل الاجتماعية وتهديد أمن البلد ونسيجه الاجتماعي.