تمرير السم في العسل
هروباً من هرج الدخول السياسي وبعيداً من رائحة الموت والأشلاء المبعثرة على شاشات الفضائيات العربية، توقفت يدي على بكاء سيدة في محطة إذاعية مغربية، في ليلة حارة من ليالي الصيف، حينها تجمدت أذناي، واقشعر بدني من خطورة المواضيع التي يناقشها البرنامج، ومن صراحة المتصلات والمتصلين الذين لا يلقون بالاً لما يقولون، ويتركون أبواب قلوبهم مفتوحةً في وجوه أناس غرباء، وينشرون غسيل أسرهم على ذبذبات الإذاعات، ويناقشون المواضيع الأسرية والجنسية والمشكلات الناجمة بالأساس عن العلاقات العاطفية خارج نطاق الزواج، وما يترتب عنها من آفاتٍ لا أول لها ولا آخر.
أصبحت هذه البرامج موضة الإذاعات والقنوات المغربية بامتياز، نظراً لما تجلبه من نسب مشاهدة مرتفعة، وما يتبع ذلك من جلب معلنين جدد وأرباح كثيرة، فصارت مشكلات المواطنين في أعين المنتجين وأرباب الإذاعات مصدراً للثروة. تناسلت هذه البرامج كالنار في الهشيم، وأصبحت تشكل خطراً كبيراً على النسيج المجتمعي، وتهدد نواة المجتمع بشكلٍ يجعلنا ندق ناقوس الخطر، لما أصبح يبث في هذه البرامج من مواضيع خطيرة جداً، تهدم الأسر المغربية.
وبسبب الأمية المنتشرة بين فئات واسعة من المجتمع، وأمام غياب دور الأسرة المفترض في التنشئة الإجتماعية، وفي توعية الناشئة ومتابعتهم منذ الصغر، تكويناً وتعليماً وتربية، وأمام هذه الهجمة الشرسة من أطرافٍ في الإعلام المغربي تضرب، في الصميم، هوية الشعب المغربي وتقاليده وأخلاقه، فلا يسعنا إلا أن نحذر من انتشار هذا التوجه الخطير الذي يدفع إلى التفسخ الأخلاقي، واتباع طريق الإنحلال، ونشر مثل هذه البرامج التي تروج وتنشر سلوكاتٍ، يجب أن نقف جميعنا ضدها وضد من يروجها بدعوى الحداثة والحرية، ولا علاقة له بالحداثة، ولا الحرية في جوهرهما، بل هو مجرد ادعاء ظاهري.