المرزوقي والخيار الصعب

06 نوفمبر 2017
+ الخط -
شهدت الفترة الماضية نشاطا حثيثا للرئيس التونسي السابق، المنصف المرزوقي، ضمن سياق سياسي عام يتميز بالجمود وحالة من غياب التوازن بين السلطة والمعارضة في بلاده. وشملت تحركاته جهات مختلفة من البلاد، من أقصى الجنوب إلى الشمال مرورا بالوسط والساحل، وهو نشاط يندرج، فيما يبدو، في إطار محاولته إيجاد حركية سياسية، واستعادة حضوره الفعال في المشهد العام.
وبصورة عامة، يمكن القول إن المرزوقي يتميز بشخصية سياسية عنيدة، لا تقبل التراجع أو الخضوع للواقع، وهو ميسم يطبع سلوكه السياسي، سواء زمن الاستبداد أو بعد الثورة ودخول تونس مرحلة الانتقال الديمقراطي. ويمكن فهم أسلوب عمل المرزوقي في جانبين، فهو يركز على الاتصال المباشر بالناس من خلال الاجتماعات العامة. ومن جهة أخرى، يواصل هجومه الحاد على الائتلاف الحاكم، في جملة من القضايا السياسية التي أشار إليها أخيرا، في مقابلة مع صحيفة الصباح التونسية، حين قال إن الرئيس الحالي، الباجي قائد السبسي، يمثل خطرا فعليا على الديمقراطية الناشئة في تونس، في سعيه إلى جعل "كل المؤسسات الدستورية المستقلة تحت إمرته"، وهو ما يكشف عن عقلية استبدادية خطيرة، حسب المرزوقي.
ويبدو أن الرئيس السابق، في محاولته العودة بقوة إلى المشهد السياسي التونسي، في أفق الانتخابات الرئاسية لسنة 2019، يريد استعادة ثنائية الصراع الحاد بين أنصار الثورة وأتباع الثورة المضادة، حيث يقدم نفسه النصير الأول للثورة والتحول الديمقراطي. ولذا يبالغ أحيانا في تصوير المخاطر المحدقة بالمسار الديمقراطي التونسي، غير أن تطوراتٍ سياسية كثيرة جارية تخالف توجهات المرزوقي، أو على الأقل تقديره العام للوضع، فالحلف القائم بين حركة النهضة وحزب نداء تونس جعل مواقف وقضايا كثيرة، بل والخلافات السياسية، تندرج ضمن المنطقة الرمادية، أعني بعيدا عن الفصل الحاد بين جهتين متصارعتين، فحالة التوافق الحكومي بين الحزبين الحاكمين وصلت إلى درجة دعوة قيادة "النهضة" إلى دعم مرشح "نداء تونس" في الانتخابات النيابية الجزئية للجالية التونسية في ألمانيا، وهو ما قد يكون مدخلا لتحالف استراتيجي بين الطرفين في الانتخابات المقبلة، بما يعني فك الارتباط نهائيا بين "النهضة"
وحليفها القديم المرزوقي، وهو أمر يستشعره الرجل بوضوح، بل ولا يخفي تذمره من قيادة "النهضة" الحالية وهجومه عليها بشكل مباشر (كما في شهادته على العصر على قناة الجزيرة). ولهذا، على المرزوقي إن أراد النجاح أن يعيد ترميم حضوره السياسي على ثلاث جبهات. أولها تنظيم كيانه السياسي (حزب حراك تونس الإرادة) الذي فقد كثيرا من فاعليته وانتشاره، وعانى من صراعات داخلية حادّة وانشقاقات متتالية، الأمر الذي يستلزم جهدا تنظيميا كبيرا من أجل وضعه على الطريق السليم مرة أخرى. وثانيتها محاولة استعادة حلفائه السابقين، وهو في هذه الحالة لا يتوفر على خياراتٍ كثيرة، فقيادة "النهضة" تبدو قد حسمت أمرها، ووضعت بيضها كله في سلة حزب "نداء تونس" والرئيس السبسي. وربما كان رهان المرزوقي على جمهور "النهضة" وقاعدتها العريضة التي لا يخفي قطاع واسع منها توجسّه من "نداء تونس"، وعدم ارتياحه لمواقف هنا وهناك لسياسيين قريبين من هذا الحزب، ممن ما زالوا في مربع عداء "النهضة" وجمهورها. أما الجبهة الثالثة فهي مشكلة الإعلام والتواصل، فالمعروف إن الإعلام المحلي في تونس، بجناحيه العمومي والخاص، يتخذ موقفا عدائيا من المرزوقي. وقد كشفت إحصائيات الهيئة المستقلة للإعلام والاتصال أخيرا أن حجم حضور الرجل وحزبه في الوسط الإعلامي يقارب الصفر، وهو ما يبدو متعمدا. وقد فسر المرزوقي هذا السلوك بقوله "ليس لي مشكل مع الإعلام بل مع الإعلام الفاسد، مشكلتي ليست مع الإعلام كقطاع، بل مع بعض الإعلاميين بصفته إعلاما للتضليل، والذين استهدفوني عبر نشر الأكاذيب والإشاعات". ولا يبدو أن مشكلة الحضور الإعلامي في سبيلها إلى الحل على المستوى المنظور على الأقل. وربما يسعى المرزوقي من سياسة الاتصال المباشر بالناس إلى مجاوزة التعتيم الإعلامي المفروض عليه، وهو أمر حقق له نجاحا لا بأس به.
وتظل المشكلة الأخيرة في خطاب المرزوقي، ويعتبرها جزء من الشارع التونسي ميزة، وهي صراحته المفرطة في توصيفه خصومه، فقد كان السياسي التونسي الوحيد الذي أشار بوضوح إلى الدور التخريبي الذي تلعبه الإمارات ضد الثورة التونسية، وكان ممن دانوا صراحة الانقلاب المصري، وساندوا المطالب الديمقراطية للثورة السورية. وهذا ما يجعله تحت الاستهداف المباشر لبعض القوى التونسية التي لا تخفي تبعيتها للأنظمة المذكورة آنفا. ومع هذا، يدرك الجميع، بما فيهم خصوم المرزوقي، أن الرجل حقوقي من الطراز الأول، وداعم للتحول الديمقراطي من دون تردد، غير أن هذا كله قد لا يكفي من أجل الفوز في استحقاق انتخابي، تتداخل فيه عوامل كثيرة، من تحالفات سياسية وحسابات شخصية ولوبيات وقوى مالية وتدخلات لقوى إقليمية ودولية. ويبقى الرهان على تعبئة الجمهور الشعبي العازف عن العمل الحزبي هو السبيل الوحيد لتحقيق الانتصار، وقلب المشهد السياسي من جديد، وليس هذا مستبعدا ولا مستحيلا.
B4DD7175-6D7F-4D5A-BE47-7FF4A1811063
سمير حمدي

كاتب وباحث تونسي في الفكر السياسي، حاصل على الأستاذية في الفلسفة والعلوم الإنسانية من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بصفاقس ـ تونس، نشرت مقالات ودراسات في عدة صحف ومجلات. وله كتب قيد النشر.