10 نوفمبر 2024
المجتمع المدني التونسي: لا
في فترة وجيزة، تحرّكت فعاليات المجتمع المدني التونسي، بطريقة إيجابية وحاسمة، لحماية المسار الانتقالي من أي انتكاسة محتملة، خصوصاً أن التنافس على منصب رئاسة الجمهورية انحرف عن مساره الطبيعي، على مستوى الخطاب. حدث هذا أخيراً، وفي مناسبات متزامنة ومتداخلة.
أولها، عندما تعدّدت مؤشراتٌ كادت أن تجعل من العامل الجهوي والقبلي فخاً للخطاب الانتخابي، استناداً على وصف مرشح حزب نداء تونس، الباجي قايد السبسي، التي وصف فيها ناخبي منافسه المنصف المرزوقي بأنهم من متطرفي حركة النهضة والسلفية الجهادية وروابط حماية الثورة. وبما أن أكثر الولايات التي انحازت للمرزوقي من الجنوب التونسي، فقد احتج جزء منهم، وكادت حركة الاحتجاج تنتهي بتعميق الانقسام بين التونسيين. وفي محاولة لتطويق الظاهرة، ارتفعت أصوات المجتمع المدني، لتحتج بقوة على هذا الانزلاق الخطير، كما تعددت المبادرات لتطويق ذلك.
ثانياً، عندما هددت نقابة الصحافيين بمقاطعة حملتي المرشحيْن، "في حال تواصل الخطاب التشنجي والمعادي للصحافيين ولمبادئ الديمقراطية"، إثر عبارات حادة وغير لائقة، توجه بها المرشح السبسي لصحافي، لمجرد سؤال مهني وجهه إليه. حدث ذلك في لحظة انفعال غير مبررة، ما دفعه إلى طلب الاعتذار من الزميل. كما ورد في البيان تذكير بانتقادات سابقة صدرت عن المرشح المرزوقي، هاجم فيها بقوة الإعلاميين، قبل أن يتدارك ويستثني بعضهم.
ثالثاً، عندما سارع الرباعي للحوار نحو تنظيم جلستين، على الرغم من أنه سبق له الإعلان عن انتهاء مهامه. وكان الداعي إلى ذلك رسالة التكليف التي وجهها المرزوقي، بصفته الرئيس المباشر للجمهورية، دعا فيها السبسي إلى تشكيل الحكومة، وفق الدستور. لكن، ونظراً لوجود اختلافات حول قراءة الفصول الدستورية المتعلقة بهذه المسألة، اضطرت المنظمات الراعية للحوار الوطني إلى الجلوس، مرة أخرى، لمحاولة إطفاء الفتيل، قبل أن تتحول المسألة الخلافية إلى أزمة حادة، في توقيت حرج، حيث تقترب تونس من ربع الساعة الأخير من إنهاء المسار الانتخابي.
وحتى يضمن الرباعي النجاعة لمبادرته، طلب من رئيس حركة النهضة، راشد الغنوشي، التدخل شخصياً لدى المرزوقي لمحاولة إقناعه بالتراجع عن قرار التكليف، حتى لا يزيد ذلك من إطالة المرحلة الانتقالية، وتعقيدها. وكان لوساطة الغنوشي أثر إيجابي، حيث طويت هذه الصفحة بسرعة.
وبينت هذه التحركات السريعة التي قامت بها فعاليات مختلفة من المجتمع المدني، بوضوح، أن تونس ما بعد الثورة تغيّرت، بشكل لا لبس فيه. انتهى عهد الحاكم بأمره الذي لا معقب على قراره، ولا معترض على أخطائه. لم تعد السياسة ذات اتجاه واحد، أي من فوق إلى تحت، وإنما أصبحت السياسة متعددة الاتجاهات، لا يحق لأحدٍ، مهما علا شأنه، أن يحتكر النفوذ، ويصادر حق الآخرين، ليس فقط في التعبير، وإنما، أيضاً، في صناعة السياسات، وفي حماية المصالح العليا للبلاد.
لقد دخل على الخط المجتمع المدني، ولولاه لما توفرت ضمانات كافية لصيانة الانتخابات من التزوير والتشويه وشراء الذمم. كان حاضراً، بكل جدية، في جميع المراحل، ولا يزال متيقظا للدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان بكل قوة.
صحيح، هذا المجتمع المدني ليس خالياً من العيوب، وهناك من يحاول أن يحاصره، أو يدجنه، أو يجعله تابعا لهذا الطرف أو ذاك. وهناك جهات خارجية قد نزلت إلى الساحة التونسية، بعد الثورة، بقوة مالها من أجل التأثير على التونسيين، من خلال منظماتٍ لا وزن لها ولا قيمة. ولكن، مع ذلك، هناك جسم مدني، يمر باختبارات متتالية، ويكتسب، شيئاً فشيئاً، القوة والخبرة والمناعة من أجل أن يفرض نفسه لاعباً رئيسياً مع الأحزاب ورجال الأعمال ومؤسسات الدولة. فالديمقراطية التي لا يكون فيها مجتمع مدني فاعل ومستقل، هي مجرد ديمقراطية صورية، يديرها محتكرو الثروة والسياسة.
أولها، عندما تعدّدت مؤشراتٌ كادت أن تجعل من العامل الجهوي والقبلي فخاً للخطاب الانتخابي، استناداً على وصف مرشح حزب نداء تونس، الباجي قايد السبسي، التي وصف فيها ناخبي منافسه المنصف المرزوقي بأنهم من متطرفي حركة النهضة والسلفية الجهادية وروابط حماية الثورة. وبما أن أكثر الولايات التي انحازت للمرزوقي من الجنوب التونسي، فقد احتج جزء منهم، وكادت حركة الاحتجاج تنتهي بتعميق الانقسام بين التونسيين. وفي محاولة لتطويق الظاهرة، ارتفعت أصوات المجتمع المدني، لتحتج بقوة على هذا الانزلاق الخطير، كما تعددت المبادرات لتطويق ذلك.
ثانياً، عندما هددت نقابة الصحافيين بمقاطعة حملتي المرشحيْن، "في حال تواصل الخطاب التشنجي والمعادي للصحافيين ولمبادئ الديمقراطية"، إثر عبارات حادة وغير لائقة، توجه بها المرشح السبسي لصحافي، لمجرد سؤال مهني وجهه إليه. حدث ذلك في لحظة انفعال غير مبررة، ما دفعه إلى طلب الاعتذار من الزميل. كما ورد في البيان تذكير بانتقادات سابقة صدرت عن المرشح المرزوقي، هاجم فيها بقوة الإعلاميين، قبل أن يتدارك ويستثني بعضهم.
ثالثاً، عندما سارع الرباعي للحوار نحو تنظيم جلستين، على الرغم من أنه سبق له الإعلان عن انتهاء مهامه. وكان الداعي إلى ذلك رسالة التكليف التي وجهها المرزوقي، بصفته الرئيس المباشر للجمهورية، دعا فيها السبسي إلى تشكيل الحكومة، وفق الدستور. لكن، ونظراً لوجود اختلافات حول قراءة الفصول الدستورية المتعلقة بهذه المسألة، اضطرت المنظمات الراعية للحوار الوطني إلى الجلوس، مرة أخرى، لمحاولة إطفاء الفتيل، قبل أن تتحول المسألة الخلافية إلى أزمة حادة، في توقيت حرج، حيث تقترب تونس من ربع الساعة الأخير من إنهاء المسار الانتخابي.
وحتى يضمن الرباعي النجاعة لمبادرته، طلب من رئيس حركة النهضة، راشد الغنوشي، التدخل شخصياً لدى المرزوقي لمحاولة إقناعه بالتراجع عن قرار التكليف، حتى لا يزيد ذلك من إطالة المرحلة الانتقالية، وتعقيدها. وكان لوساطة الغنوشي أثر إيجابي، حيث طويت هذه الصفحة بسرعة.
وبينت هذه التحركات السريعة التي قامت بها فعاليات مختلفة من المجتمع المدني، بوضوح، أن تونس ما بعد الثورة تغيّرت، بشكل لا لبس فيه. انتهى عهد الحاكم بأمره الذي لا معقب على قراره، ولا معترض على أخطائه. لم تعد السياسة ذات اتجاه واحد، أي من فوق إلى تحت، وإنما أصبحت السياسة متعددة الاتجاهات، لا يحق لأحدٍ، مهما علا شأنه، أن يحتكر النفوذ، ويصادر حق الآخرين، ليس فقط في التعبير، وإنما، أيضاً، في صناعة السياسات، وفي حماية المصالح العليا للبلاد.
لقد دخل على الخط المجتمع المدني، ولولاه لما توفرت ضمانات كافية لصيانة الانتخابات من التزوير والتشويه وشراء الذمم. كان حاضراً، بكل جدية، في جميع المراحل، ولا يزال متيقظا للدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان بكل قوة.
صحيح، هذا المجتمع المدني ليس خالياً من العيوب، وهناك من يحاول أن يحاصره، أو يدجنه، أو يجعله تابعا لهذا الطرف أو ذاك. وهناك جهات خارجية قد نزلت إلى الساحة التونسية، بعد الثورة، بقوة مالها من أجل التأثير على التونسيين، من خلال منظماتٍ لا وزن لها ولا قيمة. ولكن، مع ذلك، هناك جسم مدني، يمر باختبارات متتالية، ويكتسب، شيئاً فشيئاً، القوة والخبرة والمناعة من أجل أن يفرض نفسه لاعباً رئيسياً مع الأحزاب ورجال الأعمال ومؤسسات الدولة. فالديمقراطية التي لا يكون فيها مجتمع مدني فاعل ومستقل، هي مجرد ديمقراطية صورية، يديرها محتكرو الثروة والسياسة.