قبل اختراع السينما بوقت طويل، كانت الصورة النمطية، السلبية والمتحيّزة والعنصرية غالباً، موجودة لأسباب عدّة، كرَّسَها الاستعمار، بأشكال متنوّعة. لم تكن الصورة واسعة الانتشار، كما هي عليه الآن، بعد تطوّر وسائل الإعلام، واختراع السينما.
رغم التقدّم التقني المستمر، الذي نقل صناعة السينما نقلات ثورية لم تُسبر آفاقها بعد، لم يواكبه تقدّم مماثل في آلية التفكير، المتعلّق بمحتوى الصُوَر النمطية السطحية، المطروح على الشاشة. يتجلّى الأمر عند تناول الآخر، المُغاير شكلاً ولوناً وجنساً وعرقاً وجنسية، في غالبية السينمات، وأوّلاها السينما الأميركية واسعة الانتشار، إذْ يسود الركون إلى المتعارف عليه بصرف النظر عن صدقيّته، وإلى القوالب النمطية السلبية غالباً، باعتبارها الأسهل والأيسر، بل والأكثر درامية أو إثارة أو طرافة، من دون التنبّه إلى أنّ تلك القوالب تُكرّس التحيّز والنبذ، وتُرسِّخ العنف والعنصرية، عن قصد أو من دونه.
القوالب أو الصُور النمطية محكومة بوجود فكرة مُسبقة عن فئة معيّنة، إذ يُلبَّس الفردُ صفة العمومية على الأفراد جميعهم، المنتمين إلى مجموعة ما، بناءً على فكرة أو ذكرى أو تجربة سابقة، مغلوطة أو لا. ينسحب هذا على العرق والجنس والمهنة ولون البشرة، في مجتمعات كثيرة، ولا يقتصر على واحدٍ منها دون الآخر. القوالب تلك إيجابية أو سلبية، تكمن إيجابيتها في تحديدها أو تعريفها أو احترامها لسمات أو خصائص أو سلوك أو ثقافة مجموعة بعينها. مع الوقت، ولأسباب عدّة، كالجهل بالآخر أو المبالغة أو التحيّزات، طغى السلبيّ.
نظراً إلى الميل إلى استغلال الحدّ الأدنى من الجهد العقليّ البشريّ، اعتاد المرء باستمرار ألّا يُفكّر ملياً، وألّا يُراجع تصوّراته بخصوص الأشياء أو الأفراد حوله. لذا، يُسقِط الأنماط أو التصنيفات، التي كوّنها سابقاً، على الأشياء المُشابهة والأشخاص المماثلين، فيحكم عليهم، ويُقرّر الكيفية الأمثل للتعامل معهم، والنظر إليهم. القوالب النمطية التي يُشكّلها ليست غامضة أو اعتباطية، بل تستند إلى مفردات الحياة اليومية التي تجمعها عقول الناس، وتصنّفها كمعلومات تحفظها الذاكرة. معلومات كثيرة تدخل الوعي وتشكّله لا إرادياً، بفعل الثقافة المحيطة بالمرء.
في العصر الراهن، تُعتبر السينما أوّل الأدوات الثقافية التي تُشكّل الوعي الجمعي لبشرٍ كثيرين. وعملية تمرير المعلومات الاجتماعية وغيرها، عبر السينما، أدّت ذهنياً، مع الوقت والتكرار، إلى التشكيل العفويّ تارة، والمقصود تارة أخرى، للقوالب النمطية، السلبية والمتحيّزة غالباً عن الأشياء والأشخاص.
كمَثلٍ على الغرق في القوالب النمطية السطحية وتأثيرها على اللاوعيّ، عندما يُذكر الهنديّ الأحمر يتبادر سريعاً إلى ذهن المرء الصُور المُكرّسة عبر السينما لرجلٍ بربريّ داكن البشرة وعاري الجسد، وللسهم والريش والجدائل الطويلة واللغة المجهولة. عند النظر سينمائياً إلى الشخصية داكنة البشرة، أو غيرها، نجد أنّ التطوير لم يطاولها كثيراً، إذْ ظلت لعقود، ولا تزال، حبيسة أنماطها السطحية، مقارنةً بشخصية صاحب البشرة البيضاء. إضعاف التنميط السطحي هذا ليس مستحيلاً أو صعباً للغاية، فتعزيز الدماغ بالمعتقدات الإيجابية والواعية عن الأقليات والفئات التي يُنظر إليها بتحيّز، يلعب دوراً جيّداً في الحدّ من الآثار السلبية، والميل إلى تنميطها أو التحيّز ضدها أو كراهيتها، ثم تقليل النزعة العنصرية والعنف ضدها.
لكنْ، هل هناك سعي إلى هذا، سينمائياً خاصة؟
منذ نشأتها، كرّست السينما النقيض، واقترن غير الأبيض ـ أصحاب الأرض الأصليون أو السود أو غيرهم ـ بالجهل والخرافة والغرابة. حرصت السينما على حصر شخصياتهم في أدوار البلطجية والمجرمين والعبيد والعاهرات، أو الأمهات الفقيرات الدميمات، كثيرات الإنجاب. لم تقتصر القولبة المصبوغة بالعنصرية على الخطاب فحسب، بل امتدت إلى التمثيل أيضاً، الذي اضطلع به دائماً ممثلون ذوو بشرة بيضاء، بعد وضعهم مساحيق سوداء أو حمراء أو صفراء، وفقاً للعرق. إذْ كانت أفلام هوليوود مخصّصة للجماهير البيضاء أساساً. ومع دخول الصوت، أصبح الأمر ممجوجاً، ويصعب استمراره، في ما يتعلق بأصحاب البشرة الداكنة، لكنّه استمر لعقود طويلة في ما يتعلق بتجسيد الأعراق الأخرى.
الصورة النمطية القديمة تلك لم تختفِ كلياً في السينما الحديثة. تبدّلت قليلاً، واكتسبت أشكالاً أخرى. يتجلّى هذا في مساحة الدور الممنوح لتلك الفئات، أو اضطلاعها بدور الشخصية المُساعدة أو الثانوية. كما أنها لا تظهر أبداً كنَدٍّ، أو على قدم المساواة مع الأبيض، ونادراً جداً ما تُسند إليها أدوار البطولة. حتّى عند تحليل تلك الشخصيات، يظهر غالباً أنّها أحادية البعد، أو غير مكتملة، وأنّها تُحصر عادةً في خانة الصديق الطيّب، أو ما أطلق عليه المخرج الأميركي سبايك لي "الساحر الأسود"، في وصفه لاستعانة الأبيض بصديق أو حبيب أو زميل أو رفيق أسود، بحثاً عن دعم أو نصيحة، أو لحلّ مشكلة.
باختصار، إنّها شخصية ناقصة الأبعاد، تُكمِّلُ الآخر الأبيض وشخصيته، وتُعَمِّقه وتُبرِزه. المصطلح نفسه يُمكن أنْ يُطلق أيضاً على الهنديّ الأحمر والآسيوي والمكسيكي، وغيرهم.
منذ عقود، لم تتجاوز صورة السود أو سكان الأرض الأصليين في السينما الأميركية حدودها النمطية، المحصورة في تعميمات كبرى. إذْ إنّهم يتّسمون بالعنف والوحشية والجهل، ويسكنون الصحاري. اليوم، يميلون إلى العزلة، ويرتبطون بالماضي، ويُدافعون عن إرثهم، أو يظهرون في شخصيات غرائبية أو روحانية أو مهتمة بالسحر أو مُتّحدة مع الطبيعة. في أفضل الأحوال، هم متفوّقون رياضياً أو موسيقياً. لم تختلف صورة الأميركي اللاتيني كثيراً أيضاً، فهم سكّيرون أو أشرار أو رجال عصابات أو عاهرات، في عصر السينما الصامتة. وفي العصر الحديث، هم تجّار مخدّرات أو مهرّبون أو لاجئون أو شرطيون فاسدون. الإيجابي أنّ رجالهم جذّابون جنسياً، ونساءهم فاتنات ومغويّات بشدّة، مع التركيز على الجسد ومفاتنه، والمُبالغة في وصف طاقاتهم ونشاطهم الجنسيّين. كذلك صُوِّر الآسيويون، حتى أبناء الجيلين الثاني والثالث، كغرباء أو أجانب، يمثّلون الخطر الأصفر في السينما الصامتة؛ ثم كجواسيس أو مُخرّبين مُحتمَلين، مع تطوّر السينما ودخول عصر الاستديو؛ ثم كأقلية مُنغلقة على نفسها بامتياز. حالياً، هم أشبه بسكّان كوكب آخر، أو أصحاب متاجر صغيرة أو شركات ضخمة تُهدّد الاقتصاد العالمي. كما أنّهم غير جذّابين أو وسيمين. إجمالاً، إنّهم شرّ مُقيم يجب محاربته والتخلّص منه. إيجابياً، إنّهم مهوسوون بالتكنولوجيا والرياضيات.
مؤخّراً، انضمّت إلى قائمة الشخصيات النمطية، تلك المتعلّقة بالعربي، وخاصّة المسلم ذا الأصل شرق الأوسطيّ، حيث الذكورية والعنف المتأصّل والتملّك ومعاداة المرأة، وطبعاً الإرهابي، أو الذي في سبيله إلى ذلك. إيجابياً، يوصفون بأنّهم أصحاب ثراء فاحش.
اقــرأ أيضاً
بخلاف ما سبق، وبخلاف سينما الحركة والمطاردات والعصابات، نادراً ما توجد الشخصية الآسيوية. وبخلاف سينما اللجوء والمخدرات والتهريب، نادراً ما تظهر شخصية الأميركي اللاتيني. كذلك الإيطالي المرتبط دائماً بالمافيا والعصابات والقتل بدم بارد. العربي لا يُصوّر بعيداً عن الإرهاب والعنف والتطرّف. يُضاف إلى تلك الصُوَر النمطية المعمَّمة والمؤذية، مُبالغاتٌ حول صعوبات تقبّل وتأقلم هؤلاء جميعاً للحياة والمجتمع العصري المتطوّر، مقارنةً بالمجتمعات التي جاؤوا منها.
في السينما المصرية، صاحبة الإنتاج العربيّ الأكبر والانتشار الأوسع، يمكن تصنيف القوالب النمطية ذات المضامين العنصرية في ثلاثة محاور أساسية: الموقف من الأعراق الأخرى، والموقف من الديانات الأخرى، والموقف من العرب ذوي الجنسيات الأخرى. تلك المضامين تتفاوت في درجات تطرّفها أو اعتدالها، لكنّها إجمالاً ليست إيجابية، وأحياناً تكون تحريضية بامتياز، وتحضّ على الكراهية والعنصرية والعنف.
الصينيون، أو الآسيويون عامة، في السينما المصرية الحديثة نسبياً، يصلحون مثلاً للتناول النمطي السطحي للعرق. تناول قائم على أفكار مغلوطة وجهل بالآخر، إذْ يظهرون غالباً كعنصر مثير للسخرية والتندّر الكوميدي، بسبب الشكل أو العادات أو اللغة. مثلٌ آخر بخصوص العرق واللون، مع إضافة من ليس له جنسية، يتمثّل بالمصريين ذوي الأصول النوبية، الذين يتمتّعون ببشرة داكنة. إذْ يظهرون غالباً بسطاء أو سذجاً أو جهلة، أو أصحاب مهن متواضعة، كبوّابين أو خدم.
ما سبق ينسحب أيضاً على الدين، حيث التنميط السطحي للشخصية المسيحية في السينما المصرية. فالمسيحي يظهر دائماً كشخصية ثانوية، سلبية تماماً، أو باهتة كلّياً. الغرض الأساسي منها تبيان مدى المساواة في الحقوق والمواطنة والتآخي، وتكريس وإبراز دور الشخصية المسلمة وبطولتها. أما التنميط السطحي على أساس الجنسية، فله دوره الواضح في السينما المصرية أيضاً، خاصة في الأفلام المعاصرة، إذْ ينحصر دور العرب عادة في شخصيات بعينها، يتمّ التهكّم عليها لقلّة ذكائها مقارنة بالمصريين، أو لارتباطها بالبذخ، أو الطمع أو البخل أو الجنس.
القوالب أو الصُور النمطية محكومة بوجود فكرة مُسبقة عن فئة معيّنة، إذ يُلبَّس الفردُ صفة العمومية على الأفراد جميعهم، المنتمين إلى مجموعة ما، بناءً على فكرة أو ذكرى أو تجربة سابقة، مغلوطة أو لا. ينسحب هذا على العرق والجنس والمهنة ولون البشرة، في مجتمعات كثيرة، ولا يقتصر على واحدٍ منها دون الآخر. القوالب تلك إيجابية أو سلبية، تكمن إيجابيتها في تحديدها أو تعريفها أو احترامها لسمات أو خصائص أو سلوك أو ثقافة مجموعة بعينها. مع الوقت، ولأسباب عدّة، كالجهل بالآخر أو المبالغة أو التحيّزات، طغى السلبيّ.
نظراً إلى الميل إلى استغلال الحدّ الأدنى من الجهد العقليّ البشريّ، اعتاد المرء باستمرار ألّا يُفكّر ملياً، وألّا يُراجع تصوّراته بخصوص الأشياء أو الأفراد حوله. لذا، يُسقِط الأنماط أو التصنيفات، التي كوّنها سابقاً، على الأشياء المُشابهة والأشخاص المماثلين، فيحكم عليهم، ويُقرّر الكيفية الأمثل للتعامل معهم، والنظر إليهم. القوالب النمطية التي يُشكّلها ليست غامضة أو اعتباطية، بل تستند إلى مفردات الحياة اليومية التي تجمعها عقول الناس، وتصنّفها كمعلومات تحفظها الذاكرة. معلومات كثيرة تدخل الوعي وتشكّله لا إرادياً، بفعل الثقافة المحيطة بالمرء.
في العصر الراهن، تُعتبر السينما أوّل الأدوات الثقافية التي تُشكّل الوعي الجمعي لبشرٍ كثيرين. وعملية تمرير المعلومات الاجتماعية وغيرها، عبر السينما، أدّت ذهنياً، مع الوقت والتكرار، إلى التشكيل العفويّ تارة، والمقصود تارة أخرى، للقوالب النمطية، السلبية والمتحيّزة غالباً عن الأشياء والأشخاص.
كمَثلٍ على الغرق في القوالب النمطية السطحية وتأثيرها على اللاوعيّ، عندما يُذكر الهنديّ الأحمر يتبادر سريعاً إلى ذهن المرء الصُور المُكرّسة عبر السينما لرجلٍ بربريّ داكن البشرة وعاري الجسد، وللسهم والريش والجدائل الطويلة واللغة المجهولة. عند النظر سينمائياً إلى الشخصية داكنة البشرة، أو غيرها، نجد أنّ التطوير لم يطاولها كثيراً، إذْ ظلت لعقود، ولا تزال، حبيسة أنماطها السطحية، مقارنةً بشخصية صاحب البشرة البيضاء. إضعاف التنميط السطحي هذا ليس مستحيلاً أو صعباً للغاية، فتعزيز الدماغ بالمعتقدات الإيجابية والواعية عن الأقليات والفئات التي يُنظر إليها بتحيّز، يلعب دوراً جيّداً في الحدّ من الآثار السلبية، والميل إلى تنميطها أو التحيّز ضدها أو كراهيتها، ثم تقليل النزعة العنصرية والعنف ضدها.
لكنْ، هل هناك سعي إلى هذا، سينمائياً خاصة؟
منذ نشأتها، كرّست السينما النقيض، واقترن غير الأبيض ـ أصحاب الأرض الأصليون أو السود أو غيرهم ـ بالجهل والخرافة والغرابة. حرصت السينما على حصر شخصياتهم في أدوار البلطجية والمجرمين والعبيد والعاهرات، أو الأمهات الفقيرات الدميمات، كثيرات الإنجاب. لم تقتصر القولبة المصبوغة بالعنصرية على الخطاب فحسب، بل امتدت إلى التمثيل أيضاً، الذي اضطلع به دائماً ممثلون ذوو بشرة بيضاء، بعد وضعهم مساحيق سوداء أو حمراء أو صفراء، وفقاً للعرق. إذْ كانت أفلام هوليوود مخصّصة للجماهير البيضاء أساساً. ومع دخول الصوت، أصبح الأمر ممجوجاً، ويصعب استمراره، في ما يتعلق بأصحاب البشرة الداكنة، لكنّه استمر لعقود طويلة في ما يتعلق بتجسيد الأعراق الأخرى.
الصورة النمطية القديمة تلك لم تختفِ كلياً في السينما الحديثة. تبدّلت قليلاً، واكتسبت أشكالاً أخرى. يتجلّى هذا في مساحة الدور الممنوح لتلك الفئات، أو اضطلاعها بدور الشخصية المُساعدة أو الثانوية. كما أنها لا تظهر أبداً كنَدٍّ، أو على قدم المساواة مع الأبيض، ونادراً جداً ما تُسند إليها أدوار البطولة. حتّى عند تحليل تلك الشخصيات، يظهر غالباً أنّها أحادية البعد، أو غير مكتملة، وأنّها تُحصر عادةً في خانة الصديق الطيّب، أو ما أطلق عليه المخرج الأميركي سبايك لي "الساحر الأسود"، في وصفه لاستعانة الأبيض بصديق أو حبيب أو زميل أو رفيق أسود، بحثاً عن دعم أو نصيحة، أو لحلّ مشكلة.
باختصار، إنّها شخصية ناقصة الأبعاد، تُكمِّلُ الآخر الأبيض وشخصيته، وتُعَمِّقه وتُبرِزه. المصطلح نفسه يُمكن أنْ يُطلق أيضاً على الهنديّ الأحمر والآسيوي والمكسيكي، وغيرهم.
منذ عقود، لم تتجاوز صورة السود أو سكان الأرض الأصليين في السينما الأميركية حدودها النمطية، المحصورة في تعميمات كبرى. إذْ إنّهم يتّسمون بالعنف والوحشية والجهل، ويسكنون الصحاري. اليوم، يميلون إلى العزلة، ويرتبطون بالماضي، ويُدافعون عن إرثهم، أو يظهرون في شخصيات غرائبية أو روحانية أو مهتمة بالسحر أو مُتّحدة مع الطبيعة. في أفضل الأحوال، هم متفوّقون رياضياً أو موسيقياً. لم تختلف صورة الأميركي اللاتيني كثيراً أيضاً، فهم سكّيرون أو أشرار أو رجال عصابات أو عاهرات، في عصر السينما الصامتة. وفي العصر الحديث، هم تجّار مخدّرات أو مهرّبون أو لاجئون أو شرطيون فاسدون. الإيجابي أنّ رجالهم جذّابون جنسياً، ونساءهم فاتنات ومغويّات بشدّة، مع التركيز على الجسد ومفاتنه، والمُبالغة في وصف طاقاتهم ونشاطهم الجنسيّين. كذلك صُوِّر الآسيويون، حتى أبناء الجيلين الثاني والثالث، كغرباء أو أجانب، يمثّلون الخطر الأصفر في السينما الصامتة؛ ثم كجواسيس أو مُخرّبين مُحتمَلين، مع تطوّر السينما ودخول عصر الاستديو؛ ثم كأقلية مُنغلقة على نفسها بامتياز. حالياً، هم أشبه بسكّان كوكب آخر، أو أصحاب متاجر صغيرة أو شركات ضخمة تُهدّد الاقتصاد العالمي. كما أنّهم غير جذّابين أو وسيمين. إجمالاً، إنّهم شرّ مُقيم يجب محاربته والتخلّص منه. إيجابياً، إنّهم مهوسوون بالتكنولوجيا والرياضيات.
مؤخّراً، انضمّت إلى قائمة الشخصيات النمطية، تلك المتعلّقة بالعربي، وخاصّة المسلم ذا الأصل شرق الأوسطيّ، حيث الذكورية والعنف المتأصّل والتملّك ومعاداة المرأة، وطبعاً الإرهابي، أو الذي في سبيله إلى ذلك. إيجابياً، يوصفون بأنّهم أصحاب ثراء فاحش.
بخلاف ما سبق، وبخلاف سينما الحركة والمطاردات والعصابات، نادراً ما توجد الشخصية الآسيوية. وبخلاف سينما اللجوء والمخدرات والتهريب، نادراً ما تظهر شخصية الأميركي اللاتيني. كذلك الإيطالي المرتبط دائماً بالمافيا والعصابات والقتل بدم بارد. العربي لا يُصوّر بعيداً عن الإرهاب والعنف والتطرّف. يُضاف إلى تلك الصُوَر النمطية المعمَّمة والمؤذية، مُبالغاتٌ حول صعوبات تقبّل وتأقلم هؤلاء جميعاً للحياة والمجتمع العصري المتطوّر، مقارنةً بالمجتمعات التي جاؤوا منها.
في السينما المصرية، صاحبة الإنتاج العربيّ الأكبر والانتشار الأوسع، يمكن تصنيف القوالب النمطية ذات المضامين العنصرية في ثلاثة محاور أساسية: الموقف من الأعراق الأخرى، والموقف من الديانات الأخرى، والموقف من العرب ذوي الجنسيات الأخرى. تلك المضامين تتفاوت في درجات تطرّفها أو اعتدالها، لكنّها إجمالاً ليست إيجابية، وأحياناً تكون تحريضية بامتياز، وتحضّ على الكراهية والعنصرية والعنف.
الصينيون، أو الآسيويون عامة، في السينما المصرية الحديثة نسبياً، يصلحون مثلاً للتناول النمطي السطحي للعرق. تناول قائم على أفكار مغلوطة وجهل بالآخر، إذْ يظهرون غالباً كعنصر مثير للسخرية والتندّر الكوميدي، بسبب الشكل أو العادات أو اللغة. مثلٌ آخر بخصوص العرق واللون، مع إضافة من ليس له جنسية، يتمثّل بالمصريين ذوي الأصول النوبية، الذين يتمتّعون ببشرة داكنة. إذْ يظهرون غالباً بسطاء أو سذجاً أو جهلة، أو أصحاب مهن متواضعة، كبوّابين أو خدم.
ما سبق ينسحب أيضاً على الدين، حيث التنميط السطحي للشخصية المسيحية في السينما المصرية. فالمسيحي يظهر دائماً كشخصية ثانوية، سلبية تماماً، أو باهتة كلّياً. الغرض الأساسي منها تبيان مدى المساواة في الحقوق والمواطنة والتآخي، وتكريس وإبراز دور الشخصية المسلمة وبطولتها. أما التنميط السطحي على أساس الجنسية، فله دوره الواضح في السينما المصرية أيضاً، خاصة في الأفلام المعاصرة، إذْ ينحصر دور العرب عادة في شخصيات بعينها، يتمّ التهكّم عليها لقلّة ذكائها مقارنة بالمصريين، أو لارتباطها بالبذخ، أو الطمع أو البخل أو الجنس.