05 نوفمبر 2024
القذافي وأنا
دُعيتُ ذات مرة إلى المشاركة في أحد المؤتمرات الأدبية العديدة التي نُظّمّت في ليبيا، احتفاءً بأدب العقيد معمّر القذافي، تلك التي نتج عنها لاحقا ثلاثة مجلّدات ضخمة، تحوي عشرات الدراسات والبحوث والمقالات النقدية التي كتبها أدباء ونقاد وبحّاثة معروفون وأصحاب أسماء محترمة، تباروا في مديح موهبة القذافي الأدبية الخارقة، وما أحدثته من تجديد، وتميّزت به من فرادة تجلّت واضحةً في مجموعة قصصية مكوّنة من خمس قصص، نُشرت في كتاب واحد بعنوان "القرية.. القرية.. الأرض.. الأرض.. وانتحار رائد الفضاء".
وعلى الرغم من مرور كل تلك السنوات، ما زلت أتذكّر الأمر، في مناسبةٍ وفي غير مناسبة، وليست آخرَ تلك المناسبات الجليلة استضافةُ دمشق، بين 13 و 15 يناير/ كانون الثاني الجاري، وللمرة الأولى خلال الحرب، اجتماع المكتب الدائم للاتحاد العام للأدباء والكتّاب العرب الذي كان قد لوّح سابقا بتجميد عضوية دمشق، قبل أن يعلن رئيسه اعتبار الخطوة خاطئة، كونها استندت إلى "نظرة غير صائبة". ضمّ الاجتماع هذا وفودا من عدة دول عربية، هي سورية، لبنان، فلسطين، العراق، الأردن، مصر، الإمارات، عُمان، السودان، تونس، الجزائر، تألفت من باحثين وأدباء يمثلون اتحادات وجمعيات أدبية عربية، قدموا أعمالهم في ندوة حملت عنوان: "ثقافة التنوير.. تحديات الراهن والمستقبل".
وكما سبق أن أثبتت المؤتمرات التي أقيمت في ليبيا ومصر أن معمّر القذافي أديبٌ عبقري فريد من نوعه، ناقش المشاركون في اجتماع الاتحاد العام للأدباء والكتّاب العرب في دمشق، في إطار ندوة فكرية استمرت ثلاثة أيام، قضايا التنوير، خصوصا أن دمشق "تنفض عن جسدها الحرّ الهموم والجراح لتؤكد من جديد عهدنا بها وانحيازها للخير العام ضد سياسات المحو والإلغاء وأدوات الموت المجاني والوحوش التي تحاول إعادة إنتاج الموت والذبح والتفكيك والتجزئة"!
هكذا، بحسب قراءة الاتحاد الوضع في سورية، فقد "انتهت" الحربُ، وفاز الرئيسُ بشار الأسد على الإرهابيين، ببقائه في الحكم، وحوكم المجرمون ضد الإنسانية على أنواعهم، ومن كبيرهم إلى صغيرهم، على تنكيلهم بالشعب وحرقهم البلاد، وأعيد عشرة ملايين نازح ومهاجر إلى أراضيهم وبيوتهم دونما تهديد أو محاسبة، واستجيبت مطالبُ الشعب السوري بحقه في عيش كريم...
وفي العودة إلى نهفة "الدعوة" إياها، فهي لم تكن دعوةً بالمعنى المتعارف عليه، إذ اتصل يومها بي من افترض نفسه صديقا، وهو صحفي مخضرم ومحلل سياسي معروف، كان من بين المنظّمين، يقنعني بمنافع المشاركة في ندوة عن أدب القذافي، وعلى رأسها طبعا المنفعة المادية التي لا تتطلّب لقاءها سوى الجلوس على منصّة تعلوها يافطة كتب عليها ندوة حول أدب القذافي. "لن أطلب منك أن تكتبي مداخلةً عنه، فهذا ما يفوق مقدرتك، أعرف، لذا يكفي أن تحضري فقط... ". شعرتُ بالمهانة، إذ كيف يخطر للزميل ذاك أن يوجّه لي تلك الدعوة. ثم شعرت بالإحراج، إذ لم يكن سهلا الرفض بوضوح وبشكل قاطع، من دون أن يعني ذلك تحقيرا لصاحب الدعوة. ثم انتابتني رغبة هائلة بالضحك على سوريالية الموقف كلّه، قبل أن يصيبني الغثيان مما وصل إليّ من معلومات عن الأسماء المشاركة.
بالطبع، رفضتُ الدعوة، ولستُ أجد في ذلك أي بطولة أو مناسبة للتباهي، وبرّر الصحفيّ المعروف اتصاله برغبته مساعدتي بسبب ظروفي المادية الصعبة آنذاك. وفاحت أخبار الندوة وخيبات المشاركين فيها من المبالغ الزهيدة التي قبضوها، وأنا ما زلتُ أفكّر في معضلة المعضلات: كيف أمكن لهؤلاء الكتّاب الذين شاركوا في تلك الندوة أن يصيغوا مداخلاتٍ ومقالاتٍ وبحوثا مبنيةً على خواء؟ بل كيف صفّوا جُملا، ورصفوا مقاطع، وملأوا صفحات، لا تقول شيئا، وإن قالت فكذبٌ وتلفيقٌ وزعمٌ واختلاق؟ هنا وهناك، في ليبيا الأمس وفي سورية اليوم، الأمر سيّان. جيوشٌ من الخدم والمتملّقين والمرتزقة، فيما الفضيحة واحدة، والآتي أعظم.
وعلى الرغم من مرور كل تلك السنوات، ما زلت أتذكّر الأمر، في مناسبةٍ وفي غير مناسبة، وليست آخرَ تلك المناسبات الجليلة استضافةُ دمشق، بين 13 و 15 يناير/ كانون الثاني الجاري، وللمرة الأولى خلال الحرب، اجتماع المكتب الدائم للاتحاد العام للأدباء والكتّاب العرب الذي كان قد لوّح سابقا بتجميد عضوية دمشق، قبل أن يعلن رئيسه اعتبار الخطوة خاطئة، كونها استندت إلى "نظرة غير صائبة". ضمّ الاجتماع هذا وفودا من عدة دول عربية، هي سورية، لبنان، فلسطين، العراق، الأردن، مصر، الإمارات، عُمان، السودان، تونس، الجزائر، تألفت من باحثين وأدباء يمثلون اتحادات وجمعيات أدبية عربية، قدموا أعمالهم في ندوة حملت عنوان: "ثقافة التنوير.. تحديات الراهن والمستقبل".
وكما سبق أن أثبتت المؤتمرات التي أقيمت في ليبيا ومصر أن معمّر القذافي أديبٌ عبقري فريد من نوعه، ناقش المشاركون في اجتماع الاتحاد العام للأدباء والكتّاب العرب في دمشق، في إطار ندوة فكرية استمرت ثلاثة أيام، قضايا التنوير، خصوصا أن دمشق "تنفض عن جسدها الحرّ الهموم والجراح لتؤكد من جديد عهدنا بها وانحيازها للخير العام ضد سياسات المحو والإلغاء وأدوات الموت المجاني والوحوش التي تحاول إعادة إنتاج الموت والذبح والتفكيك والتجزئة"!
هكذا، بحسب قراءة الاتحاد الوضع في سورية، فقد "انتهت" الحربُ، وفاز الرئيسُ بشار الأسد على الإرهابيين، ببقائه في الحكم، وحوكم المجرمون ضد الإنسانية على أنواعهم، ومن كبيرهم إلى صغيرهم، على تنكيلهم بالشعب وحرقهم البلاد، وأعيد عشرة ملايين نازح ومهاجر إلى أراضيهم وبيوتهم دونما تهديد أو محاسبة، واستجيبت مطالبُ الشعب السوري بحقه في عيش كريم...
وفي العودة إلى نهفة "الدعوة" إياها، فهي لم تكن دعوةً بالمعنى المتعارف عليه، إذ اتصل يومها بي من افترض نفسه صديقا، وهو صحفي مخضرم ومحلل سياسي معروف، كان من بين المنظّمين، يقنعني بمنافع المشاركة في ندوة عن أدب القذافي، وعلى رأسها طبعا المنفعة المادية التي لا تتطلّب لقاءها سوى الجلوس على منصّة تعلوها يافطة كتب عليها ندوة حول أدب القذافي. "لن أطلب منك أن تكتبي مداخلةً عنه، فهذا ما يفوق مقدرتك، أعرف، لذا يكفي أن تحضري فقط... ". شعرتُ بالمهانة، إذ كيف يخطر للزميل ذاك أن يوجّه لي تلك الدعوة. ثم شعرت بالإحراج، إذ لم يكن سهلا الرفض بوضوح وبشكل قاطع، من دون أن يعني ذلك تحقيرا لصاحب الدعوة. ثم انتابتني رغبة هائلة بالضحك على سوريالية الموقف كلّه، قبل أن يصيبني الغثيان مما وصل إليّ من معلومات عن الأسماء المشاركة.
بالطبع، رفضتُ الدعوة، ولستُ أجد في ذلك أي بطولة أو مناسبة للتباهي، وبرّر الصحفيّ المعروف اتصاله برغبته مساعدتي بسبب ظروفي المادية الصعبة آنذاك. وفاحت أخبار الندوة وخيبات المشاركين فيها من المبالغ الزهيدة التي قبضوها، وأنا ما زلتُ أفكّر في معضلة المعضلات: كيف أمكن لهؤلاء الكتّاب الذين شاركوا في تلك الندوة أن يصيغوا مداخلاتٍ ومقالاتٍ وبحوثا مبنيةً على خواء؟ بل كيف صفّوا جُملا، ورصفوا مقاطع، وملأوا صفحات، لا تقول شيئا، وإن قالت فكذبٌ وتلفيقٌ وزعمٌ واختلاق؟ هنا وهناك، في ليبيا الأمس وفي سورية اليوم، الأمر سيّان. جيوشٌ من الخدم والمتملّقين والمرتزقة، فيما الفضيحة واحدة، والآتي أعظم.