07 اغسطس 2024
العرب لو فاز ترامب
ماذا لو فاز المرشح الجمهوري، دونالد ترامب، بالرئاسة الأميركية، وهو احتمال قائم؟ كيف ستكون سياسته تجاه العالم العربي، في ظل ما أدلى به من تصريحاتٍ خلال حملته الانتخابية؟ وإلى أي مدى يمكن التنبؤ بسياساته؟ يجب التأكيد على أن التنبؤ بسياسات أي مرشح عملية صعبة، لثلاثة أسباب رئيسية. أولها الفرق بين رغبات المرشح والواقع، فباراك أوباما، مثلاً، عبّر في حملة الانتخابات عن رؤى مثالية كثيرة، وبعد فوزه وجد نفسه محاطاً بواقع شديد الصعوبة، في ظل تراجع القوة الأميركية على أصعدة مختلفة، ما اضطره لتبني مواقف شديدة الواقعية أحياناً. ثانياً، ليست الحملات الانتخابية فرصة للتعبير عن مواقف تفصيلية من القضايا المختلفة، ففي الساحة الأميركية يذهب جهدٌ كثير نحو محاولة الوصول إلى قطاعات واسعة من الجماهير، وما يتضمنه ذلك من تبسيط وتركيز على أفكار محدودة ورئيسية وبراقة، ممكن أن يتذكرها الناخب، وتنطبق تلك القاعدة كثيراً على مواقف ترامب، والتي توصف بالشعبوية، بسبب تماديه المفرط في الاعتماد على أفكار تعبوية غاضبة وغامضة، مثل تخويف الناخب من المهاجرين والأقليات والمسلمين واتفاقات التجارة الدولية، وذلك من دون أن يقدم أي شرح واضح لما ينوي القيام به تحديداً لعلاج مشكلات المواطن الأميركي.
ثالثاً، كثيراً ما يعبر السياسيون عن الفكرة ونقيضها في الوقت نفسه، فأوباما، مثلاً، كان يريد إعادة تحسين وجه أميركا حول العالم، وإعطاء الفرصة للدبلوماسية والتدخل لعلاج المشكلات الدولية الكبرى، كالصراع العربي الإسرائيلي، لكنه، في الوقت نفسه، كان يريد الحد من التوسع الأميركي حول العالم ووجود قواته خارج أراضي الولايات المتحدة، وإعطاء الفرصة للآخرين للقيادة. وبهذا، تراوحت رؤيته بين التدخل والانسحاب. وفي النهاية، انتصرت النزعة الواقعية الانعزالية على النزعة المثالية التدخلية.
في ضوء ما سبق، يتم التركيز هنا على أفكار رئيسية يعبر عنها ترامب باستمرار، والتي يمكن أن تساعدنا على فهم سياساته، لو فاز بالرئاسة، ولعل من أهمها حديثه المتكرّر عن إعجابه بالقادة "الأقوياء"، ويطلق ترامب هذا الوصف على قادةٍ، مثل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والرئيس العراقي السابق صدام حسين، والرئيس المصري الحالي عبد الفتاح السيسي. ويرى
ترامب أن هؤلاء أقوياء، لأنهم مشغولون فقط بتحقيق مصالح بلادهم بأي سبيل، وبغض النظر عن نظرة العالم لسياساتهم. لذا، يرفع ترامب شعار "إعادة العظمة الأميركية"، ويقول إنه لن يبالي بتقاليد واتفاقات دولية كثيرة قائمة، فهو لن يبالي بالاتفاق الموقع مع إيران، أو اتفاقات التجارة الدولية، أو بمعايير حقوق الإنسان، وسيدمر خصومه كداعش، وسيمنع المسلمين من دخول أميركا مؤقتاً.
وبناء على الموقف السابق، ينحاز ترامب تقريباً ضد تحالف القوى الدولية الديمقراطية الذي تقوده أميركا، ويبدي إعجابه بالدكتاتوريات التي ترفض التدخل في شؤونها، والخضوع لمعايير الحقوق والحريات الدولية، كما يرفض فكرة نشر الديمقراطية نفسها من منظور استعلائي عنصري تقريباً، حيث يرى أن الديمقراطية منتجٌ "غربي" لا يصلح خارج الغرب، أو في دول كبلدان العالم العربي، وكأنه يقول إن العرب لا يستحقون الديمقراطية، أو غير مستعدين لها.
لذا، يرفض ترامب الربيع العربي، ودعم إدارة أوباما لإطاحة حسني مبارك ومعمر القذافي وبشار الأسد وعلي عبد الله صالح، وحتى دعم إدارة بوش لإطاحة صدام حسين، حيث يرى أن كل هؤلاء كانوا قادة أقوياء قادرين على تحقيق الاستقرار في بلادهم ومحاربة ما يسميها قوى "الإسلام الراديكالي،" ويبدي استعداده للتعاون مع كل من يحارب تلك القوى، مثل روسيا والسيسي الذي يحتفي به ترامب باعتباره نموذجاً للقادة الذين يريد "صداقتهم" لو فاز بالرئاسة. أما عدو ترامب الدولي الرئيسي فهو "الإسلام الراديكالي" والمهاجرون والضغوط الاقتصادية التي تتعرّض لها أميركا. وبهذا، يتبنى ترامب تعريفات اليمين الأوروبي الراديكالي للمخاطر التي تتعرّض لها الدول الغربية، فبدلاً من الحديث عن مخاطر، كالتسلح النووي والضغوط الروسية على شرق أوروبا وانتشار الاستبداد وتحديات بناء اقتصاد عالمي متوازن وعادل، يشغل ترامب نفسه والناخبين بالعداء الثقافي للمهاجرين والإسلام والعداء الاقتصادي لقوى كالصين.
وأسوأ ما في هذا التعريف جوهره العنصري، فهو لا يقوم على تقديراتٍ جادة للتهديدات التي تتعرّض لها الولايات المتحدة، لكنه يقوم على التخويف والتأليب ضد عدو سهل، يسهل استهدافه، ويعجز عن الدفاع عن نفسه، كالمهاجرين والأقليات. وفي ظل رؤية ترامب السابقة التي تقوم على العداء لنشر الديمقراطية والموقف السلبي من الحقوق والحريات والتخويف من المهاجرين والأقليات، يتبنى ترامب مواقف محددة تجاه قضايا الشرق الأوسط الرئيسية، فهو يرى القضاء على داعش أولوية، ولا تشغله الأوضاع السياسية في سورية والعراق. ولا يبالي بإطلاق يد روسيا في سورية، أو بتوجيه ضربات جوية ساحقة، لأكبر عدد من الأهداف التي ترتبط بداعش في سورية والعراق، بغض النظر عن تبعات ذلك الإنسانية.
بعد ذلك، يريد ترامب توثيق علاقاته بإسرائيل من ناحية، وبالديكتاتوريات العربية العلمانية، كنظام السيسي في مصر من ناحية أخرى، فهو لا يتحدث تقريباً عن عمليه السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين. ويريد نقل السفارة الأميركية إلى القدس في تحدٍّ كبير لمواقف أميركية ثابتة من الصراع العربي الإسرائيلي، ويريد كذلك إطلاق يد النظم الاستبدادية في تحقيق "الاستقرار" في بلادها.
يتبنى ترامب مواقف متشددة من إيران والسعودية معاً، فهو يريد تعديل الاتفاق النووي الإيراني، ويطالب دول الخليج بتحمل نسبةٍ أكبر من نفقات الدفاع والحروب الأميركية في المنطقة، وتنطلق رؤاه إلى الدول العربية من منظور عنصري، تجعله يتحدث بصراحة عن رغبته في الفوز بنصيبٍ أكبر من ثروات الدول العربية النفطية، مثل دول الخليج وليبيا في نظير الدور الأمني الأميركي.
يتحدث ترامب كذلك عن الاضطهاد الذي يتعرض لها المسيحيون في الشرق الأوسط، وعلى
الرغم من أنها قضية مهمة، تستحق الاهتمام، إلا أن منطلق ترامب العنصري وعداءه للإسلام يجعل من موقفه هذا محلّ شك كبير، في ظل الوجود القوي للجماعات المسيحية الأصولية في أروقة الحزب الجمهوري، كما يرى ترامب في الأكراد قوةً يجب التحالف معها ودعمها.
لاقت مواقف ترامب السابقة نقداً كبيراً داخل أروقة الحزب الجمهوري والمحافظين الجدد، بل وداخل لوبي إسرائيل نفسه، لأسباب مختلفة، في مقدمتها التناقض، فترامب مثلاً يريد أن يضغط على إيران، وأن يطلق يد روسيا في الشرق الأوسط في الوقت نفسه، مع أن روسيا حليفة لإيران، وإطلاق يدها قد يسمح لإيران بمزيد من التوسع، ثانياً: يخشى إسرائيليون من أن عنصرية ترامب لن تتوقف عند المسلمين، وأن القوى العنصرية المتحالفة معه قد تضم جماعات كراهية معادية لليهود والسامية، ثالثاً: يرى بعضهم أن رؤى ترامب العنصرية تجاه المسلمين والمسيئة للإسلام ستمثل مادة مهمةً للتعبئة والحشد في يد داعش لو فاز بالرئاسة. رابعاً: يخشى كثيرون من حلفاء أميركا، كالبريطانيين والألمان، من أن مواقف ترامب ستقوض كثيراً من أسس النظام الدولي الذي بناه الغرب منذ الحرب العالمية الثانية، فهو يستخف بكيانات، كحلف شمال الأطلسي (الناتو) والاتحاد الأوروبي، ويعامل الحلفاء باستعلاء واحتقار. وأخيراً يبقى وضع العالم العربي في رؤى ترامب أصعب، حيث يريد إطلاق يد الديكتاتوريات في قمع شعوبها، وإطلاق العنان للقوة العسكرية الأميركية التدميرية، واستنزاف مزيد من ثروات المنطقة وشعوبها.
ثالثاً، كثيراً ما يعبر السياسيون عن الفكرة ونقيضها في الوقت نفسه، فأوباما، مثلاً، كان يريد إعادة تحسين وجه أميركا حول العالم، وإعطاء الفرصة للدبلوماسية والتدخل لعلاج المشكلات الدولية الكبرى، كالصراع العربي الإسرائيلي، لكنه، في الوقت نفسه، كان يريد الحد من التوسع الأميركي حول العالم ووجود قواته خارج أراضي الولايات المتحدة، وإعطاء الفرصة للآخرين للقيادة. وبهذا، تراوحت رؤيته بين التدخل والانسحاب. وفي النهاية، انتصرت النزعة الواقعية الانعزالية على النزعة المثالية التدخلية.
في ضوء ما سبق، يتم التركيز هنا على أفكار رئيسية يعبر عنها ترامب باستمرار، والتي يمكن أن تساعدنا على فهم سياساته، لو فاز بالرئاسة، ولعل من أهمها حديثه المتكرّر عن إعجابه بالقادة "الأقوياء"، ويطلق ترامب هذا الوصف على قادةٍ، مثل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والرئيس العراقي السابق صدام حسين، والرئيس المصري الحالي عبد الفتاح السيسي. ويرى
وبناء على الموقف السابق، ينحاز ترامب تقريباً ضد تحالف القوى الدولية الديمقراطية الذي تقوده أميركا، ويبدي إعجابه بالدكتاتوريات التي ترفض التدخل في شؤونها، والخضوع لمعايير الحقوق والحريات الدولية، كما يرفض فكرة نشر الديمقراطية نفسها من منظور استعلائي عنصري تقريباً، حيث يرى أن الديمقراطية منتجٌ "غربي" لا يصلح خارج الغرب، أو في دول كبلدان العالم العربي، وكأنه يقول إن العرب لا يستحقون الديمقراطية، أو غير مستعدين لها.
لذا، يرفض ترامب الربيع العربي، ودعم إدارة أوباما لإطاحة حسني مبارك ومعمر القذافي وبشار الأسد وعلي عبد الله صالح، وحتى دعم إدارة بوش لإطاحة صدام حسين، حيث يرى أن كل هؤلاء كانوا قادة أقوياء قادرين على تحقيق الاستقرار في بلادهم ومحاربة ما يسميها قوى "الإسلام الراديكالي،" ويبدي استعداده للتعاون مع كل من يحارب تلك القوى، مثل روسيا والسيسي الذي يحتفي به ترامب باعتباره نموذجاً للقادة الذين يريد "صداقتهم" لو فاز بالرئاسة. أما عدو ترامب الدولي الرئيسي فهو "الإسلام الراديكالي" والمهاجرون والضغوط الاقتصادية التي تتعرّض لها أميركا. وبهذا، يتبنى ترامب تعريفات اليمين الأوروبي الراديكالي للمخاطر التي تتعرّض لها الدول الغربية، فبدلاً من الحديث عن مخاطر، كالتسلح النووي والضغوط الروسية على شرق أوروبا وانتشار الاستبداد وتحديات بناء اقتصاد عالمي متوازن وعادل، يشغل ترامب نفسه والناخبين بالعداء الثقافي للمهاجرين والإسلام والعداء الاقتصادي لقوى كالصين.
وأسوأ ما في هذا التعريف جوهره العنصري، فهو لا يقوم على تقديراتٍ جادة للتهديدات التي تتعرّض لها الولايات المتحدة، لكنه يقوم على التخويف والتأليب ضد عدو سهل، يسهل استهدافه، ويعجز عن الدفاع عن نفسه، كالمهاجرين والأقليات. وفي ظل رؤية ترامب السابقة التي تقوم على العداء لنشر الديمقراطية والموقف السلبي من الحقوق والحريات والتخويف من المهاجرين والأقليات، يتبنى ترامب مواقف محددة تجاه قضايا الشرق الأوسط الرئيسية، فهو يرى القضاء على داعش أولوية، ولا تشغله الأوضاع السياسية في سورية والعراق. ولا يبالي بإطلاق يد روسيا في سورية، أو بتوجيه ضربات جوية ساحقة، لأكبر عدد من الأهداف التي ترتبط بداعش في سورية والعراق، بغض النظر عن تبعات ذلك الإنسانية.
بعد ذلك، يريد ترامب توثيق علاقاته بإسرائيل من ناحية، وبالديكتاتوريات العربية العلمانية، كنظام السيسي في مصر من ناحية أخرى، فهو لا يتحدث تقريباً عن عمليه السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين. ويريد نقل السفارة الأميركية إلى القدس في تحدٍّ كبير لمواقف أميركية ثابتة من الصراع العربي الإسرائيلي، ويريد كذلك إطلاق يد النظم الاستبدادية في تحقيق "الاستقرار" في بلادها.
يتبنى ترامب مواقف متشددة من إيران والسعودية معاً، فهو يريد تعديل الاتفاق النووي الإيراني، ويطالب دول الخليج بتحمل نسبةٍ أكبر من نفقات الدفاع والحروب الأميركية في المنطقة، وتنطلق رؤاه إلى الدول العربية من منظور عنصري، تجعله يتحدث بصراحة عن رغبته في الفوز بنصيبٍ أكبر من ثروات الدول العربية النفطية، مثل دول الخليج وليبيا في نظير الدور الأمني الأميركي.
يتحدث ترامب كذلك عن الاضطهاد الذي يتعرض لها المسيحيون في الشرق الأوسط، وعلى
لاقت مواقف ترامب السابقة نقداً كبيراً داخل أروقة الحزب الجمهوري والمحافظين الجدد، بل وداخل لوبي إسرائيل نفسه، لأسباب مختلفة، في مقدمتها التناقض، فترامب مثلاً يريد أن يضغط على إيران، وأن يطلق يد روسيا في الشرق الأوسط في الوقت نفسه، مع أن روسيا حليفة لإيران، وإطلاق يدها قد يسمح لإيران بمزيد من التوسع، ثانياً: يخشى إسرائيليون من أن عنصرية ترامب لن تتوقف عند المسلمين، وأن القوى العنصرية المتحالفة معه قد تضم جماعات كراهية معادية لليهود والسامية، ثالثاً: يرى بعضهم أن رؤى ترامب العنصرية تجاه المسلمين والمسيئة للإسلام ستمثل مادة مهمةً للتعبئة والحشد في يد داعش لو فاز بالرئاسة. رابعاً: يخشى كثيرون من حلفاء أميركا، كالبريطانيين والألمان، من أن مواقف ترامب ستقوض كثيراً من أسس النظام الدولي الذي بناه الغرب منذ الحرب العالمية الثانية، فهو يستخف بكيانات، كحلف شمال الأطلسي (الناتو) والاتحاد الأوروبي، ويعامل الحلفاء باستعلاء واحتقار. وأخيراً يبقى وضع العالم العربي في رؤى ترامب أصعب، حيث يريد إطلاق يد الديكتاتوريات في قمع شعوبها، وإطلاق العنان للقوة العسكرية الأميركية التدميرية، واستنزاف مزيد من ثروات المنطقة وشعوبها.