ابتداءً من ظهر أمس الجمعة، راحت العاصفة الثلجيّة التي تضرب المشرق العربي منذ يوم الثلاثاء تنحسر شيئاً فشيئاً. وكان أهالي لبنان وسورية وفلسطين والأردن قد بدأوا يستعدّون لها قبل أسبوع، عقب تحذيرات أطلقتها هيئات الأرصاد الجويّة. لكن العاصفة لم تأتِ بالقسوة المتوقّعة، محدثة إرباكاً على الصعد كافة.
والإرباك الذي قد يبدأ من الاسم، إذ أطلق عليها بعضهم "زينة" فيما سماها بعض آخر "هدى" أو "السلام"، لا ينتهي بقرارات الإدارات الرسميّة التي قضت بإقفال مدارس مثلاً أو غيرها من المصالح.
وعلى الرغم من أنها أتت أخفّ من المتوّقع، إلا أنها خلّفت خسائر عديدة، أكثرها فداحة هي التي أتت على صعيد الأرواح، لا سيّما أرواح اللاجئين السوريّين في خيم الإيواء.
"زينة" لبنان
ارتفعت حصيلة ضحايا "زينة" بين اللاجئين السوريّين في لبنان، إلى أربعة. وقد أفادت مصادر طبيّة أخيراً بأن "طفلة سوريّة قضت مساء الثلاثاء-الأربعاء بسبب الظروف المناخيّة الحادة، بعد انتظار لمدّة أربعة أيام على نقطة المصنع الحدوديّة بين لبنان وسورية". كذلك، قضى ثلاثة لاجئين من بينهم طفل، في أثناء انتقالهم سيراً على الأقدام من جبل الشيخ في سورية إلى منطقة شبعا جنوبيّ لبنان.
وكانت فرق الإغاثة التابعة للجمعيات الأهليّة قد عملت على مدّ مخيمات اللاجئين بالمواد الغذائيّة وبالمازوت للتدفئة.
إلى ذلك، أعلن الصليب الأحمر اللبناني عن "تلبية نداءات ألف و27 حالة إنسانيّة على كامل الأراضي اللبنانيّة منذ يوم الثلاثاء".
عواصف سورية
كثيرة هي العواصف - مناخيّة وغير مناخيّة - التي ضربت مدينة دوما أكبر مدن الغوطة الشرقيّة في ريف دمشق. ولم يكن ينقصها إلا العاصفة الثلجيّة ليكتمل المشهد. لكن الناس هنا استقبلوا الثلوج بفرح، بحسب ما يشير أحد الناشطين الإعلاميّين في المدينة المصوّر بدرا محمد. يقول: "كانت الوجوه مشعّة متفائلة بالبياض المحيط بالمدينة، بعيداً عن اللون الرمادي الذي يطغى على أحيائها منذ ثلاث سنوات".
من جهة أخرى، فاقمت العاصفة الأوضاع المأساوية التي يعيشها اللاجئون السوريّون في مخيّم أطمة على الحدود التركيّة. وقد دعا ناشطون الهيئات المعنيّة إلى التدخل الفوري لإخلاء المخيّم ونقل الأسر المتضرّرة إلى المدارس والجوامع والمستودعات المؤهلة في القرى والبلدات القريبة، فاستجاب فريق الدفاع المدني في محافظة إدلب للنداء. ويقول مسؤول الإعلام والتواصل في الفريق مجد خلف إنه "خلف أسوار المخيم أناس كادوا يفقدون حياتهم بسبب العاصفة الثلجيّة، وقبلها الأمطار الكثيفة التي أوقعت أعمدة الخيم فوق رؤوس قاطنيها".
أما في مخيّم حمام الشيخ عيسى في ريف جسر الشغور، فقد فاض نهر العاصي على لاجئيه. لكن إحدى فرق الدفاع المدني نجحت في بلوغ المكان وفتح الطريق، لتؤمّن لسكان المخيّم مياه الشرب وبعض المستلزمات التي قطعت عنهم منذ بداية العاصفة.
الضفة الغربيّة
في الضفة الغربيّة والقدس المحتلة انتظر الفلسطينيّون "هدى"، علّ البياض الذي تحمله إليهم في طريقها يغيّر بعضاً من السواد الذي يعيشونه تحت وطأة ظروف معيشيّة قاسية ووسط ويلات يوميّة يتجرّعونها على يد محتلّ يطاردهم في عقر دارهم.
فاستنفرت كل الطواقم العاملة في البلديات والدفاع المدني الضفة الغربيّة المحتلة، فيما استعدّ الناس لاستقبال العاصفة عبر التزوّد بالمواد التموينيّة والوقود للتدفئة. الجميع كان يترقّب عاصفة هوجاء، لكنها حلّت بعكس ذلك.
ويشير مدير العلاقات العامة في الدفاع المدني الفلسطيني الرائد لؤي بني عودة إلى تلبية نداء ألف و914 حالة طوارئ، منذ حلول المنخفض الجوي الأخير. ومن بين تلك الحالات وفاة طفل (خمسة أشهر) نتيجة حريق نشب في منزله في مخيم طولكرم للاجئين الفلسطينيين شمالي الضفة الغربيّة، وإصابة 36 مواطناً في حوادث سير متفرقة.
كذلك، وبفعل الرياح العاتية، تضرّر عدد من المنازل قيد الإنشاء في مدينة جنين وسقطت أسلاك كهربائيّة. لكن "هدى" لم تتسبب في أضرار تذكر للمحاصيل الزراعيّة في الضفة مقارنة مع ما نجم عن عواصف السنوات السابقة.
ويوضح وكيل وزارة الزراعة الفلسطينية ورئيس لجنة الطوارئ المركزية عبد الله لحلوح أن مساء الثلاثاء وبفعل الرياح، تضرّرت بعض الدفيئات الزراعيّة والبيوت البلاستيكيّة في محافظة طوباس شمالي الضفة. وفي اليوم نفسه، دمّر ما بين 30 و 60% من الدفيئات الزراعيّة في مدينة جنين وقراها الشماليّة.