لهؤلاء الأطفال قلوب كبيرة. قبل أن يحين الوقت، فكروا في ردّ الجميل لأهلهم. اختصروا المراحل ولم يعرفوا أن عائلاتهم كانت سعيدة بهم على الرغم من كل المعاناة. فكروا أنه لا داعي للانتظار. من قال إن هناك وقتاً محدّداً؟ استعانوا بالطبيعة التي صنعت لهم أكفاناً بيضاء تُناسب أحجامهم الصغيرة. غسلتهم الثلوج وغطتهم برفق. قبلَ ذلك، شعروا بالبرد. لم يكن برداً عادياً بل قارساً. في حالات كهذه، نعرف أن الشفاه والأظافر تصبح زرقاء. الأسنان تصطك، ويتكوّم الجسد على نفسه. لن يشعروا بالدفء لو جلسوا في أحضان أمهاتهم. فأحضانهنّ باردة أيضاً مثل ثلاجة. الحنانُ لا يمنح الدفء حين تقارب درجة الحرارة الصفر وما دون، وحين تقتلع الرياح القوية خيمهم ويجدون أنفسهم في العراء. الهواء البارد يلفح وجوههم الطرية، فيصيرون مجرد كتلٍ باردة، وقد تجمّدت أرواحهم.
قتلت العاصفة زينة التي ضربت الشرق الأوسط أخيراً أطفالاً لاجئين في لبنان وفلسطين والعراق، وربما في أماكن أخرى لم نعلم بها بعد. نسمع أنهم تجمّدوا. كيف كانت لحظاتهم الأخيرة؟ هل ظلوا يشعرون بالأشياء من حولهم؟ لا نعرف. ألا تتجمّد أرواحهم وهي تصعد إلى السماء، فتبقى في أجسادهم ولا يموتون؟ لم يحدث ذلك. ماتوا واحتفظوا باللحظات الأخيرة لأنفسهم. نعرف فقط أن عائلاتهم ستفتقدهم، وأنهم قبل ثلاث سنوات كانت لهم بيوت ووسائل تدفئة وبطانيات. كانت أمهاتهم تعدّ الحساء الساخن لهم في المساءات لتدفئ قلوبهم. مرّ الوقت سريعاً. صارت لهم فصولهم الخاصة. صيفهم وشتاؤهم يختلفان عن صيف الآخرين وشتائهم. في حالتهم، البرد والأمطار والثلوج تصبح قادرة على القتل، مستفيدة من ضعفهم.
العاصفة نفسها التي قتلت هؤلاء، حمت آخرين في بلد لم يتوقف فيه عدّاد الموت عن إحصاء الضحايا منذ بدء الثورة قبل أكثر من ثلاث سنوات، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان. هو أشار في بيان إلى أنه لم يسجّل سقوط أي قتيل في سورية يوم الأربعاء الماضي، ليكون هذا اليوم الأول الذي لا يسقط فيه ضحايا، بعدما أخمدت العاصفة الثلجيّة التي تجتاح المنطقة نيران العنف. وتجدر الإشارة إلى أن المرصد كان قد أشار إلى أن نحو 150 شخصاً قتلوا في سورية يومياً خلال شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي، في حرب سقط فيها حتى الآن نحو 207 آلاف شخص.
أنقذت العاصفة البعض على حساب آخرين. فات هؤلاء الأطفال صنع رجل الثلج الباسم دائماً. هذه المرّة، صنعت منهم الثلوج أجساداً جامدة، وأعدّتهم للانتقال إلى حفرة لها جدران وسقف. لكن بعكس رجل الثلج، لم يكونوا يبتسمون.