الصين ومسلموها الويغور

17 سبتمبر 2019
+ الخط -
تشهد قضية المسلمين في الصين من قومية الويغور مزيداً من اللغط منذ شهور، نتيجة الإجراءات التي تتخذها الحكومة الصينية في إقليم شينجيانغ، ذي الحكم الذاتي، إذ بينما تعتبر الصين أنها تقوم بتلك الإجراءات بغرض الحفاظ على وحدة أراضيها في مواجهة الحركة الانفصالية لـ"تركستان الشرقية" التي لا تعتبر أبناء تلك القومية جزءاً من الصين، وتدفع بكونهم قومية مستقلة ذات أصل تركي، يعتبر معارضوها أن الصين تستهدف الويغور، لكونهم مسلمين؛ أي باعتبارها حكومة شيوعية تستهدف تديّن مواطنيها. 
ربما يكون من الإنصاف التفريق بين مسألتين في هذه القضية: الأولى: توصيف ماهية القضية في إقليم شينجيانغ؛ هل هي دينية أم سياسية؟ في هذا الجانب، علينا تذكّر أن الصين، ذات المليار ونصف المليار نسمة، تتكون من 56 قومية، منها عشر مسلمة. وبينما يتعرض إقليم شينجيانغ، موطن قومية الويغور، لإجراءات أمنية من الحكومة الصينية، فإن القوميات المسلمة التسع الأخرى لا تتعرّض لأي إجراءات شبيهة. حتى أن قومية هوي المسلمة التي تتركز في إقليم نينغشيا، ذاتي الحكم هو الآخر، وتعداد أفرادها يزيد عن عشرة ملايين نسمة، أي أقل قليلاً من تعداد قومية الويغور، يتمتّعون بحقوقهم الدينية كاملة، بما في ذلك انتشار المساجد والمراكز الإسلامية في مدنهم. والفارق بين القوميتين أن "هوي" التي تعتبر نفسها ذات أصول عربية ليست لديها طموحات انفصالية، بل تعتبر نفسها جزءاً من الأمة الصينية، حتى أنها ترفع في أدبياتها شعار "حب الوطن من الإيمان"، وهي منتشرة في مدن كثيرة في الصين، بما فيها العاصمة بكين.
عند هذا الحد، لا يبدو منطقياً توصيف القضية أنها دينية، فلو كانت كذلك لشملت كل المسلمين الصينيين، فضلاً عن الصينيين المسيحيين، وحتى البوذيين الذين يؤدّون صلواتهم في دور عبادتهم. القضية إذن سياسية وحسب، تتصارع فيها الحكومة المركزية مع دعواتٍ انفصالية. إنها بشكل أو بآخر لا تختلف، من حيث التوصيف، عن صراع الحكومة الصينية مع البؤر الانفصالية الأخرى في التيبت، أو حتى في هونغ كونغ.
المسألة الثانية: النظر في مدى موضوعية الإجراءات التي تتخذها الحكومية الصينية في 
الإقليم. هنا يكون ممكناً للمتعاطفين مع المسلمين الويغور مناقشة الأمر، بعد الإقرار بأن القضية سياسية وليست دينية، لأن الخلط بين التوصيفين انعكس على كيفية فهم القضية، ومن ثم كيفية معالجتها.
بالطبع، لن تقبل الحكومة الصينية انفصال إقليمٍ تشكل مساحته نحو سدس إجمالي مساحة البلاد، ويحتوي خيرات طبيعية هائلة. لا يجوز أن يكون موضوع الانفصال مطروحاً للنقاش. ولكن ما يمكن أن يكون مقبولاً هو تدخل الحكومات والمنظمات الإقليمية الإسلامية، خصوصاً تركيا التي كانت حكومتها قد أدلت بدلوها في قضية الويغور، من أجل مراجعة تلك الإجراءات الأمنية مع الحكومة الصينية، في حال كان بعضها غير موضوعي، أو زائدا عن الحاجة.
ولكن ما يجري في العالمين العربي والإسلامي حالياً هو الدفع باعتبار القضية دينيةً وحسب. ثمة إذن نوع من الرومانسية الإسلامية في التعاطي مع الأمر، خلاصته أن "الإسلام مستهدف". وتخطئ حكومات العالم الإسلامي، حين تترك للتيارات الدينية في بلدانها، وللأخبار المترجمة عن الإعلام الغربي، الساحة لتضليل الرأي العام العربي والإسلامي في هذه القضية، وتصوير الأمر استهدافا شيوعيا للتديّن الإسلامي، هدفه تحويل المسلمين إلى الإلحاد!
موضوعياً، علينا أن نتساءل إن كانت الصين تستهدف الأديان حقاً، وترغب بتحويل مواطنيها إلى الإلحاد؟ والواقع الذي يمكن أن يلمسه كل من يعرف شيئاً عن نهضة الصين المعاصرة أن تلك البلاد الناهضة ليست مشغولةً بهذه الأمور مطلقاً، بل أنها تبدو فخورة بالتنوع الثقافي الهائل لدى شعبها، حتى أنها ظلت تعطي امتيازاتٍ لأبناء القوميات المختلفة من غير قومية "هان" الغالبة، بمن فيها القوميات المسلمة، سواء في الوظائف والرواتب، أو حتى في السماح لهم بإنجاب أكثر من ولد واحد، لمّا كانت الصين تحظر على مواطنيها إنجاب أكثر من ولد واحد نحو أربعين سنة، منذ منتصف سبعينيات القرن العشرين.
هذه دعوة إلى الموضوعية التي تفيد قومية الويغور بالضرورة، كما تفيد المتعاطفين مع قضيتهم.
1E93C99F-3D5E-4031-9B95-1251480454A7
سامر خير أحمد

كاتب أردني من مواليد 1974. صدرت له سبعة كتب، أبرزها: العرب ومستقبل الصين (بالعربية والصينية)، العلمانية المؤمنة، الماضوية: الخلل الحضاري في علاقة المسلمين بالإسلام، الحركة الطلابية الأردنية. رئيس مجموعة العمل الثقافي للمدن العربية.