هيمنت العلاقات الثنائية السعودية الأميركية، إلى جانب التحذيرات الموجهة لإيران، على اليوم الأول من الزيارة التي بدأها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إلى العاصمة السعودية الرياض، أمس السبت، والتي تختتم اليوم الأحد بعد عقد قمتين إضافيتين، أولاها خليجية أميركية، والثانية إسلامية أميركية. وعكست حفاوة الاستقبال الذي حرصت السعودية على أن تنظمه للرئيس الأميركي الذي استُقبل وزوجته ميلانيا، في قصر اليمامة الملكي، على وقع النشيدين السعودي والأميركي، وتم تقليده من قبل الملك السعودي سلمان عبد العزيز قلادة الملك عبد العزيز، أرفع وسام مدني في السعودية، مدى التعويل السعودي على نتائج الزيارة، لبدء صفحة جديدة من العلاقات الاستراتيجية بين الرياض وواشنطن، تتجاوز توتر العلاقات في حقبة الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما.
وهو ما ترجم في الاتفاقات الضخمة التي تم توقيعها بقيمة 350 مليار دولار، لمدة 10 سنوات، في أول زيارة خارجية يقوم بها ترامب منذ انتخابه.
ووضع مسؤولو الإدارة الأميركية صفقات الأسلحة، تحديداً، التي قدرت بـ 110 مليارات دولار في إطار دعم "أمن السعودية ومنطقة الخليج على المدى الطويل في مواجهة التهديدات الإيرانية"، وفي إطار إظهار التزام الولايات المتحدة بشراكاتها مع السعودية.
وقد شكل المؤتمر الصحافي بين وزير الخارجية الأميركية ريكس تيلرسون ونظيره السعودي عادل الجبير، تأكيداً على هذا التوجه. إذ أشار تيلرسون إلى أن اتفاقات التسليح مع السعودية موجهة ضد "التأثير الايراني السيئ"، مشدداً على أن "الولايات المتحدة ستكثف الجهود لردع إيران في سورية واليمن". كما صبّت تصريحات الجبير في السياق نفسه، إذ دعا إيران إلى الالتزام بقرارات الأمم المتحدة بشأن الصواريخ الباليستية والتوقف عن دعم الإرهاب، واتهمها بأنها تتدخل في دول عربية وتقدم دعماً لتنظيم "القاعدة". كما أشار الجبير إلى أنه لن يتم السماح بمليشيات متحالفة مع إيران في اليمن. كما اتهمها بأنها "أسست أكبر منظمة إرهابية وهي حزب الله اللبناني، ولا يمكن لها المضي في سياساتها المتطرفة".
ووقعت الرياض عدة اتفاقيات عسكرية وتجارية، وأهمها "اتفاقية الرؤية الاستراتيجية المشتركة". كما كان الحدث الأهم أمس، هو توقيع شركة الصناعات العسكرية السعودية الجديدة، أربع صفقات ضخمة في مجال الصناعات العسكرية والتقنيات المرتبطة بها. ويمنح الاتفاق الشركة السعودية أحقية تجميع 150 مروحية "بلاك هوك إس-70" متعددة المهام في السعودية، بقيمة ستة مليارات دولار. كما ذكرت شركة النفط الوطنية "أرامكو السعودية"، أنها "وقعت اتفاقات قيمتها 50 مليار دولار مع شركات أميركية". وقال وزير الطاقة خالد الفالح، إن "إجمالي الصفقات مع جميع الشركات يتجاوز 200 مليار دولار، وإن العديد منها يستهدف توطين تصنيع منتجات كان يجري استيرادها"، ووصف الاتفاقيات بـ"التاريخية".
بدورها كشفت "جنرال إلكتريك" أنها "توصلت إلى اتفاقات قيمتها 15 مليار دولار تشمل سلعاً وخدمات من الشركة نفسها بنحو سبعة مليارات دولار". وشملت الاتفاقات مجالات شتى من الكهرباء إلى الرعاية الصحية والنفط والغاز والتعدين. وتقيم "جايكوبز إنجنيرينغ" مشروعاً مشتركاً مع "أرامكو السعودية" لإدارة المشاريع في المملكة، وستنقل "مكديرموت إنترناشونال" بعض منشآتها لتصنيع السفن من دبي إلى مجمع جديد لبناء السفن ستشيده أرامكو في السعودية. كما أفاد البيت الأبيض، بأنه "تمّ توقيع عقود تسليح بقيمة 110 مليارات دولار بين البلدين". واتفقت "إكسون موبيل" والشركة السعودية للصناعات الأساسية (سابك) على دراسة مشروع بتروكيميائيات محتمل في مقاطعة سان باتريشيو بولاية تكساس الأميركية. ومن المتوقع اتخاذ قرار نهائي خلال 2018. كما أنشأت شركة "رايثيون" وحدة أعمال "رايثيون العربية" للمساعدة في تطوير قدرات الدفاع والفضاء والأمن السعودية. وستُساعد "جنرال داينامكس" في توطين تصميم وتصنيع ودعم العربات القتالية المدرعة. وبوشر العمل في عملية التصميم والاختيار لمنصات حفر بحري، في إطار استثمار قيمته سبعة مليارات دولار على مدى عشر سنوات مع شركة "روان". كما بوشر العمل على تأمين خدمات ودراسات إضافية في مجال الحفارات النفطية، في إطار توسيع نطاق مشروع مشترك مع "نابورز"، والمشروع سيشهد استثمار تسعة مليارات دولار على مدى عشر سنوات، ويخلق ما بين أربعة وخمسة آلاف وظيفة سعودية جديدة. وتبلغ قيمة الاستثمارات 350 مليار دولار على عشر سنوات.
وتتجه الأنظار اليوم صوب قصر اليمامة في الرياض لمتابعة ما ستسفر عنه القمة الخليجية - الأميركية، والقمة الإسلامية – الأميركية، إذ سيجتمع ترامب مع قادة ومسؤولين من دول مجلس التعاون الخليجي، ومع 55 زعيماً ورئيساً لدول عربية وإسلامية.
وعبّر العاهل السعودي أمس عن أمله في أن تؤسّس هذه القمة التاريخية بين الدول العربية والإسلامية، لاستراتيجية جديدة في مواجهة التطرف والإرهاب، ونشر قيم التسامح والتعايش مع تعزيز الأمن. وغرّد ترامب على حسبه في "تويتر"، أنه "شعور رائع أن أكون في الرياض". وسيركز الرئيس الأميركي على خطة توسيع التحالف الإسلامي لمكافحة الإرهاب، ليكون نواة لتحالف إسلامي عسكري على غرار حلف شمال الأطلسي. وتتزامن زيارة الرئيس الأميركي إلى المنطقة، مع إعلان وزير الدفاع الأميركي، جيمس ماتيس، أن بلاده بدأت في شن "حملة إبادة"، ضد مقاتلي تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في العراق وسورية، في إطار "تسريع العمليات" ضد التنظيم.
ويُتوقع أن يحظى الملفان الإيراني، والسوري، بأولوية في نقاشات ترامب مع قادة الدول الخليجية والإسلامية، تحديداً في ما يتعلق بإيجاد تسوية للملف السوري، ومواجهة التمدد الإيراني في المنطقة. المسألة التي تنال أولوية قصوى للجانب السعودي، والأميركي، على حد سواء. وسيلقي ترامب اليوم خطاباً مهماً، يحاول من خلاله توحيد الدول العربية والإسلامية خلف الولايات المتحدة للتصدي للإرهاب والتطرف. وبحسب التسريبات، فإن الخطاب يتناول مكافحة التطرف في العالم الإسلامي، وسيصف الجهود المبذولة بأنها "معركة بين الخير والشر"، كما سيدعو أيضاً القادة العرب والمسلمين إلى "طرد الإرهابيين".
ونقلت وكالة "أسوشييتد برس" عن مسودة الخطاب، التي لا تزال تخضع للمراجعة، أن "ترامب سيقول: لسنا هنا لإلقاء محاضرة، لنقول للشعوب الأخرى كيف تعيش وماذا تفعل أو من أنتم، نحن هنا بدلاً من ذلك لتقديم شراكة في بناء مستقبل أفضل لنا جميعاً". كما نقلت قناة "سي إن إن" الأميركية على لسان مسؤول أميركي وصفته بـ"الرفيع"، أن "كلمة ترامب قد يطرأ عليها تغيير، ولكنها بالمجمل ستحث القادة المسلمين على طرد الإرهابيين من المناطق التي يؤدون فيها العبادات".
ويرى مراقبون في السعودية، أن "الزيارة ستؤسس بداية جديدة للعلاقات السعودية ـ الأميركية، بعد الفتور الذي طرأ عليها خلال السنوات الثماني الماضية، مع تقلبات أحداث الربيع العربي، وإصرار الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، على عقد الاتفاق النووي، دون الالتفات إلى حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، وعلى رأسهم السعودية". وكان صندوق الاستثمارات العامة في السعودية أعلن الأربعاء الماضي، عن إنشاء شركة صناعات عسكرية وطنية جديدة، تحمل اسم الشركة السعودية للصناعات العسكرية، من المستهدف أن تكون ضمن أكبر 25 شركة في العالم بحلول 2030.
وتزامناً مع زيارة ترامب، انطلقت يوم أمس، تحت رعاية وزير الطاقة السعودي خالد الفالح، أعمال "منتدى الرؤساء التنفيذيين السعودي الأميركي"، والذي يهدف إلى تعزيز الشراكة الاقتصادية بين البلدين. كما أعلنت السعودية أنّ ترامب سيشارك في ملتقى "مغردون" لنقاش التطرّف والإرهاب، والذي تستضيفه مؤسسة محمد بن سلمان "مسك الخيرية"، وخُصّص للحديث عن "محاربة الإرهاب والتطرف".
وسيناقش الملتقى، بحضور ترامب، الآليات المستخدمة من الجماعات الإرهابية لتجنيد الشباب، وكيفية مواجهتها في شبكات التواصل الاجتماعي، إضافةً إلى سبل نشر التعايش والتقارب بين الثقافات والأديان. وسيقوم الرئيس الأميركي، خلال زيارته الرياض، بافتتاح "المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرف"، وهو المركز الذي تسعى السعودية من خلاله لأن تكون منصة لمحاربة الفكر المتشدد.