15 مارس 2021
الشباب العربي بين منظوري الإرهاب والحرية
منذ انحسار موجة الربيع العربي في عام 2013، واستهداف النظام العسكري في مصر زخم الثورة والحراك السياسي بالتنكيل بفئات الشباب، انبرت برامج ومبادرات تفعيل دور "الشباب" في مصر وتونس وغيرهما، لتنحصر أساسًا في "منعه" من الهجرة ومن الانضمام للعمل المسلح ضد الأنظمة القائمة.
بدءًا من قرار مجلس الأمن 2250، والسياسات والمؤتمرات الدولية حول الشباب والأمن التي انفجرت تباعًا في العام 2015، مثل قمة البيت الأبيض لمكافحة التطرف العنيف، في فبراير/ شباط 2015، ومؤتمر الشباب الأوروبي ضد التطرّف العنيف في يونيو/ حزيران والمنتدى العالمي للشباب، والأمن، والسلام في أغسطس/ آب من العام نفسه، وغيرها.. استهدف تيار من المؤتمرات والمبادرات بالأساس موجات الهجرة والتطرّف بين الشباب في الوطن العربي، ليتحول منظور العمل الدولي من اعتبارهم "وقود التنمية" إلى كونهم شبكات من الأفراد الخاضعين لتأثير جماعات وأيديولوجيات التطرف الفكري التي تحاول تغيير الأوضاع القائمة في المنطقة.
والواقع أن لهذا التوجه مبرّراته على الطرف المقابل، فقد جاء فيضان "أمننة الشباب" وسط أعلى موجات الهجرة التي شهدتها القارة الأوروبية منذ عقود، إذ عبر البحر المتوسط من خلال تركيا أو برّا إلى شرق أوروبا بين 1 يناير/ كانون الثاني و21 ديسمبر/ كانون الأول 2015 نحو مليون لاجئ، بحسب بيانات مفوضية الأمم المتحدة للاجئين، وهو معدل يبلغ ثلاثة/ أربعة أضعاف الرقم الذي وصل إلى أوروبا في 2014 برّا من بلغاريا واليونان أو بحرا من قبرص ومالطا وإسبانيا وإيطاليا. واستمر عدد اللاجئين/ المهاجرين إلى أوروبا بمعدل أقل ليصل نحو 123 ألفًا فقط في 2016 إلى حين توقيع الاتفاقية الأوروبية - التركية لوقف مرور اللاجئين إلى أوروبا.
وتزامن مع تلك الإجراءات صعود تنظيم الدولة الإسلامية في الشام وشمال شرق مصر(سيناء)، وحتى في أكثر نماذج الربيع العربي تفاؤلاً، تونس التي تحولت إلى دولة "حرة" بحسب منظور Freedom House، هي أكثر الدول العربية التي يتنافس الشباب فيها على اللجوء إلى دول أوروبية، والانضمام إلى التنظيمات العنيفة، فالواقع أن "الحرّاقة"
كانت تحصد أرواح مئات الشباب الهارب من الفقر والتهميش، لكنها أخيرا حازت شعبية واسعة بين طلاب الجامعات والمعاهد الثانوية، وحتى الأطفال والفتيات، فضلاً عن الفقراء والعاطلين. ويشير أحد الإحصاءات إلى استعداد أكثر من نصف الشباب التونسي للهجرة بأي ثمن، واستعداد أكثر من 30% للهجرة غير النظامية، على الرغم من مخاطرها.
وإن لم يكن الغرق في قوارب الهجرة، فـ"الدولة الإسلامية" لم تزل تجمع مجنّدين من تونس، بعدما أحبطت الثورة آمالهم في التغيير الاجتماعي والاقتصادي، وضاقت بهم السبل وسط خلافات الأيديولوجيا وازدياد الفقر والانتحار بين فئات الشباب.
ماذا قدمت الأنظمة السياسية في المقابل؟ المزيد من الخواء والقمع، المؤتمرات الشبابية التافهة، الخطابات والشعارات وحملات الدعاية، ومزيد من الزنازين خارج السجون وداخلها.
لا تهتم النخب، ولا الأنظمة القائمة، بمشروعات جامعة، أو فتح المجال للعمل الأهلي والخيري، أو ضخ الموارد في مشروعات التنمية، بدلاً من ضخّها في محاولات "التحكم" في تحركات الهجرة والعنف.
وعلى ساحة أخرى، توظف مصر الشباب للرقص أمام اللجان الانتخابية وادعاء الفرح بفوز المرشح الوحيد، أو الخطف، والاعتقال التعسفي، وحتى التصفية المباشرة، إذا لم تكف الزنازين لاستيعاب المزيد.
ويبقى المثير للاهتمام توليد فئات الشباب مسارات الكسب والتنمية حتى في مصر، فحتى لو صار اللجوء إلى العنف مسارًا يمكن تفهمه للدفاع عن النفس، أو الاقتصاص من المظالم الواقعة على حياة (ومستقبل) الأفراد والأسر المنكوبة، يبقى الإعجاز في توليد المساحات، وإعادة تدوير الحراك بعيدًا عن قبضة الدولة... في مصر، مثلاً، حيث أكثر الأنظمة العسكرية قمعًا في التاريخ الحديث، تنتشر أنماط الكتابة الإبداعية، والتصوير، وآليات كسب العيش التضامني، ومبادرات التوعية الدينية، والمنظمات الخيرية، جنبًا إلى جنب مع محاولات "إسماع" أصوات المحبوسين خلف القضبان وخلف الحواجز الأمنية وأسوار الجامعات. يبقى الإعجاز في إصرار العشرات على "التنفس" تحت خيمة الجيش، حتى بمجاراته إلى حين، واللعب على تحالفاته الداخلية في المجتمع، فلن يعيش ديكتاتور من دون حلفاء.
والواقع أن لهذا التوجه مبرّراته على الطرف المقابل، فقد جاء فيضان "أمننة الشباب" وسط أعلى موجات الهجرة التي شهدتها القارة الأوروبية منذ عقود، إذ عبر البحر المتوسط من خلال تركيا أو برّا إلى شرق أوروبا بين 1 يناير/ كانون الثاني و21 ديسمبر/ كانون الأول 2015 نحو مليون لاجئ، بحسب بيانات مفوضية الأمم المتحدة للاجئين، وهو معدل يبلغ ثلاثة/ أربعة أضعاف الرقم الذي وصل إلى أوروبا في 2014 برّا من بلغاريا واليونان أو بحرا من قبرص ومالطا وإسبانيا وإيطاليا. واستمر عدد اللاجئين/ المهاجرين إلى أوروبا بمعدل أقل ليصل نحو 123 ألفًا فقط في 2016 إلى حين توقيع الاتفاقية الأوروبية - التركية لوقف مرور اللاجئين إلى أوروبا.
وتزامن مع تلك الإجراءات صعود تنظيم الدولة الإسلامية في الشام وشمال شرق مصر(سيناء)، وحتى في أكثر نماذج الربيع العربي تفاؤلاً، تونس التي تحولت إلى دولة "حرة" بحسب منظور Freedom House، هي أكثر الدول العربية التي يتنافس الشباب فيها على اللجوء إلى دول أوروبية، والانضمام إلى التنظيمات العنيفة، فالواقع أن "الحرّاقة"
وإن لم يكن الغرق في قوارب الهجرة، فـ"الدولة الإسلامية" لم تزل تجمع مجنّدين من تونس، بعدما أحبطت الثورة آمالهم في التغيير الاجتماعي والاقتصادي، وضاقت بهم السبل وسط خلافات الأيديولوجيا وازدياد الفقر والانتحار بين فئات الشباب.
ماذا قدمت الأنظمة السياسية في المقابل؟ المزيد من الخواء والقمع، المؤتمرات الشبابية التافهة، الخطابات والشعارات وحملات الدعاية، ومزيد من الزنازين خارج السجون وداخلها.
لا تهتم النخب، ولا الأنظمة القائمة، بمشروعات جامعة، أو فتح المجال للعمل الأهلي والخيري، أو ضخ الموارد في مشروعات التنمية، بدلاً من ضخّها في محاولات "التحكم" في تحركات الهجرة والعنف.
وعلى ساحة أخرى، توظف مصر الشباب للرقص أمام اللجان الانتخابية وادعاء الفرح بفوز المرشح الوحيد، أو الخطف، والاعتقال التعسفي، وحتى التصفية المباشرة، إذا لم تكف الزنازين لاستيعاب المزيد.
ويبقى المثير للاهتمام توليد فئات الشباب مسارات الكسب والتنمية حتى في مصر، فحتى لو صار اللجوء إلى العنف مسارًا يمكن تفهمه للدفاع عن النفس، أو الاقتصاص من المظالم الواقعة على حياة (ومستقبل) الأفراد والأسر المنكوبة، يبقى الإعجاز في توليد المساحات، وإعادة تدوير الحراك بعيدًا عن قبضة الدولة... في مصر، مثلاً، حيث أكثر الأنظمة العسكرية قمعًا في التاريخ الحديث، تنتشر أنماط الكتابة الإبداعية، والتصوير، وآليات كسب العيش التضامني، ومبادرات التوعية الدينية، والمنظمات الخيرية، جنبًا إلى جنب مع محاولات "إسماع" أصوات المحبوسين خلف القضبان وخلف الحواجز الأمنية وأسوار الجامعات. يبقى الإعجاز في إصرار العشرات على "التنفس" تحت خيمة الجيش، حتى بمجاراته إلى حين، واللعب على تحالفاته الداخلية في المجتمع، فلن يعيش ديكتاتور من دون حلفاء.
دلالات
مقالات أخرى
26 يناير 2021
08 اغسطس 2020
29 مايو 2020