السودان: شكوك حول تمويل الحزب الحاكم لحملته الانتخابية

18 أكتوبر 2014
أموال ضخمة تصرف على مؤتمرات الحزب (أشرف الشاذلي/فرانس برس)
+ الخط -
عاد ملف استغلال الحزب "المؤتمر الوطني" الحاكم في الخرطوم، لأموال وموارد الدولة في تنفيذ نشاطاته الحزبية وحملاته الانتخابية، ليفتح من جديد مع اقتراب موعد الانتخابات العامة المقررة في أبريل/نيسان المقبل.

وجاءت الاتهامات هذه المرة، من داخل النظام نفسه، وتحديداً من قبل حركة "الإصلاح الآن"، بزعامة غازي صلاح الدين، والتي انشقت نهاية العام الماضي، عن الحزب الحاكم، وكوّنت حزباً جديداً، بعدما كان معظم قادتها نافذين في السلطة والحزب طيلة الـ25 عاماً الماضية.

وصعّد نائب رئيس حركة "الإصلاح الآن"، حسن عثمان رزق، في لقاء جماهيري، ضدّ "المؤتمر الوطني"، متهماً إياه بأنّه "صرف على نفسه من أموال الدولة، بطرق يصعب على المراجع العام اكتشافها، إذ تمت بطريق ملتوية ومعقدة".

وأُثيرت في الآونة الأخيرة، قضية المؤتمرات القاعدية والوظيفية والعامة، التي شرع "المؤتمر الوطني" في عقدها بهدف ترتيب البيت الداخلي والتجهيز للانتخابات العامة، عبر تحديد مرشحي الحزب للمواقع المختلفة في الدولة، والتي وصلت في مجملها 29.500 مرشح، بحسب إحصائية أعلنها الحزب نفسه؛ وضمّت عضوية الحزب في جميع أنحاء البلاد.

ويرى بعض المتابعين للشأن السوداني الأمر بأنه تعطيل لدولاب الدولة، باعتبار أن معظم تلك المؤتمرات عقدت في أوقات العمل الرسمية، وشارك فيها وزراء الحزب في الحكومة، كما تمت مخاطبة عدد منها من قبل قمة الدولة، في العاصمة والولايات، الأمر الذي تطلب حراسة مشددة بدءاً من رئيس الجمهورية، عمر البشير، ونائبيه، حسن صالح، وحسبو عبد الرحمن، وصولاً لمساعد الرئيس نافع علي نافع.

بدوره، يبدي القيادي في حركة "الإصلاح الآن"، أسامة توفيق، استعداده لمواجهة الحزب الحاكم، بهدف تأكيد ادعاءاته، وفقاً للدلائل المادية والمستندات، التي تثبت استغلال الحزب للسلطة بطريقة مباشرة وغير مباشرة، عبر منح ميزات تفضيلية لرجال الأعمال، من تسهيلات جمركية وضرائبية، في مقابل مواجهة التزامات الحزب المالية.

ويلفت توفيق، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى "أنّهم يستفيدون من كل ما يطلب من استثمارات، في بعض المؤسسات الحكومية، وذلك تحت فقه الضرورة". وأوضح أنّه "شخصياً تلقى عندما كان جزءاً من النظام، مبالغ داخل صناديق خشبية مقفلة، فتحت أمامه، بأرقام متسلسلة، تشير الى أنّها قدمت من المطبعة مباشرة".

ويضيف القيادي في الحركة أنّه "لم يجد وقتها حرجاً، باعتبار أن هناك تداخلاً تاماً بين الحزب والدولة والحركة الإسلامية نفسها"؛ معتبراً أن الحديث عن اشتراكات لعضوية "المؤتمر الوطني"، مجرّد "كذب".

ويؤكّد توفيق، أنّه طيلة وجوده في الحزب الحاكم لم يدفع ولا "جنيهاً" واحداً؛ موضحاً أنّه "قبل وصولنا للسلطة في 1989، كان في الحركة الإسلامية نظام سائد، يقضي باستقطاع 5 في المائة، من مرتبات عضوية الحركة شهرياً، ولكن بعدما وصلنا السلطة لم نعمل بذلك النظام".

ويشرح أيضاً أنّ "هناك نوعاً آخر من الاستغلال متعلقاً بعقد اجتماعات خاصة بالحزب في أجهزة الدولة". وأشار إلى أنه "سبق أن كان جزءاً من اجتماعات خاصة بالحزب، عقدت حينها في القصر الرئاسي، كما أن كل رئيس لجنة حزبية يتقلد منصب وزير، كان عادة يعقد اجتماعاته في الوزارة".

في المقابل، ينفي نائب رئيس الحزب الحاكم، إبراهيم غندور، تلك الاتهامات جملة وتفصيلاً، قائلاً إن حزبه "اعتاد على تمويل نشاطاته عبر الاشتراكات العضوية". وشدد على أنه "يستقطع 5 في المائة، من راتب كل دستوري لصالح الحزب".

ويلفت غندور إلى أنّ "الاشتراكات لا تكفي لمواجهة الالتزامات، لذا نلجأ لرجال الأعمال ولمصادر أخرى". وجزم أن "الحزب لم يسبق له أن استغل أموال الحكومة، كما أن الأموال في الحكومة تخرج بضوابط وإن كان حدث ذلك لتسرّب للإعلام".

وفي ما يتعلق بالميزانية التي رُصدت للمؤتمر العام للحزب، الذي سيحدّد فيه مرشحه لرئاسة الجمهورية في الانتخابات المقبلة، يقول غندور إنّهم "رصدوا مبلغ 879 ألف دولار لتأمين احتياجات المؤتمر"، الذي دعوا إليه عدداً من الدول، ووافقت 48 دولة على المشاركة.

ويوضح غندور، أن "بعض الدول ستتمثل برؤساء وزرائها". ويضيف "يسعى الحزب لاستئجار سيارات من القصر الرئاسي لاستقبال أولئك الضيوف، بطريقة تليق بهم".

وبالنسبة إلى تمويل المؤتمرات التي عقدت في الولايات، يقول غندور إنّهم "دفعوا فقط 53 ألف دولار لكل ولاية، أي ما يتجاوز الـ879 ألف دولار". وأضاف "أتحدى أي شخص يقول إننا استخدمنا سيارات الحكومة، أثناء مشاركتنا في المؤتمرات التي تمت في الخرطوم والولايات".

غير أن القيادي أسامة توفيق، سخر من حديث غندور، عن تأجير سيارات القصر واعتبرها "محاولة لإسكات الألسن، حال ظهور تلك السيارات في المؤتمر". وتساءل "هل لدى القصر ليموزين لتأجير السيارات؟".

ويوضح القيادي في حركة "الإصلاح الآن"، أنهم "لم يستأجروا سيارات، إذ إنه حين كان ينتمي إلى إحدى المنظمات، كانوا يستخدمون السيارات، من دون دفع أي مبلغ، فكيف بمنظومة الحزب الحاكم؟".

وفي السياق ذاته، استطلعت صحيفة "العربي الجديد" رأي عدد من نواب "المؤتمر الوطني"، عن حملاتهم الانتخابية وتمويلها، واتفقوا جميعاً على أن التمويل يتم من قبل الحزب، وفقاً لتقسيم الدوائر "أ.ب.ج".

ومُنح بعض النواب ما يقارب الـ32 ألف دولار، منها 70 في المائة، على شكل "مواد تموينية توزع على الناخبين"، بينما مُنح آخرون مبالغ أكبر. كما تتفاوت أيضاً المبالغ الممنوحة لحملات ولاة الولايات (رؤساء الحكومة في الولاية المعنية).

وذكر أحد النواب أنه "في انتخابات 2010، وصلت الميزانية المرصودة للحملة الانتخابية لوالي جنوب دارفور ما يقارب الـ176 مليون دولار".