السبسي.. استحضار بورقيبة وتمثّل بوتفليقة

12 ابريل 2019

السبسي أمام ضريح بورقيبة في المنستير (6/4/2015/الأناضول)

+ الخط -
كما توقع كاتب هذه الأسطر في مقال في العربي الجديد (27 /3 /2019) أعلن الرئيس التونسي، الباجي قائد السبسي، "عدم نيته تجديد ولايته الرئاسية، لأن مصلحة تونس تقتضي انتخاب رئيس جديد..."، وذلك في خطاب افتتح به، قبل أيام، مؤتمر حزب نداء تونس، الذي يرأسه شرفيا، وتضعه أحدث نتائج استطلاع الرأي الخاصة بالانتخابات التشريعية المقبلة، في 6 أكتوبر/ تشرين الأول 2019، في المرتبة الثالثة لنيات التصويت. وقد قوبل كلام السبسي بمحاولة من المؤتمرين، لثنيه عن قراره، رافعين شعار "الشعب يريد السبسي من جديد"، إلا أن الرئيس تمسّك بما أعلنه، رافضا الترشح مرة ثانية.
وقد فتح قرار السبسي عدم ترشحه لعهدة رئاسية ثانية مجالا لقراءات عديدة، تصب كلها في محاولة رصد الأسباب وراءه، فقد أعادت قراءاتٌ أسباب القرار إلى سن السبسي (92 سنة)، ووضعه الصحي الذي قد لا يساعده على تحمل أعباء المسؤولية في أعلى هرم السلطة خمسة أعوام أخرى. ويرى مراقبون "أن ملازمة طبيبه الشخصي في أغلب الأوقات حرصا على مواعيد الدواء، وتحسبا لما قد يطرأ، مؤشر أساسي على أن الوضع الصحي للرئيس لم يعد يسمح له بالعمل المستمر فترات طويلة.."، على الرغم من نشاطه الدائم وحضوره الذهني المتميز، وتنقلاته التي لم تنقطع في تونس وخارجها. حيوية الرئيس ونشاطه ظلا محل دهشة كل الذين يلتقون به، إذ لم يتردد السبسي في أن يتوجه مرات لاستقبال ضيوفه من الزعماء والقادة العرب المشاركين في القمة العربية.
وتؤكد تسريبات خاصة ما يتردد في دوائر حزبية وسياسية أن ضغوطا عائلية وحزبية (نداء تونس) تسعى إلى ثني السبسي عن قراره، عدم الترشح للانتخابات الرئاسية المقرر انتظامها في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، وفي استحضار لصورة الرئيس الجزائري المستقيل، عبد العزيز بوتفليقة. تقول التسريبات إن الذين يحرصون على بقائه يريدون اتخاذه مظلة لهم، ليحكموا باسمه، استقواءً به، واستخداما له ولتاريخه السياسي. ويغمز هؤلاء خصوصا إلى سعيد بوتفليقة شقيق الرئيس الجزائري المستقيل، ونجل السبسي، القيادي في "نداء تونس"، حافظ قائد السبسي، والذي يظل محل جدال وأخذ ورد من معظم التيارات السياسية التونسية.
وتجمع القراءات لقرار السبسي على أن الرجل الذي يحرص دائما على الاحتماء بسياسات 
الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة استحضر، في سياقات اتخاذه هذا القرار، تمسّك بورقيبة بالرئاسة مدى الحياة، ولم يرسخ لدى مساعديه والمقرّبين منه مبدأ التداول على الحكم "فكانت النتيجة أن أصبح الزعيم التاريخي دميةً تحرّكها مجموعة متنفذة من أفراد أسرته والحواريين"، وهو ما جعل زين العابدين وزيره الأول ووزير داخليته ينقلب عليه انقلابا ناعما. ويرى هؤلاء أن السبسي على قناعة تامة بأن حزبه الذي أوصله إلى الرئاسة في انتخابات 2014 لا يمكن أن يوصله مرة ثانية، وهو يعاني من الوهن والتشرذم، خصوصا في غياب سيناريو إعادة التوافق مع "النهضة"، الحزب القوي حسب نتائج استطلاعات الرأي، والذي يواصل الرئيس إعلانه على أنه لا يتمنّى أن يحكم تونس مستقبلا حزب له مرجعية إسلامية. يضاف إلى ذلك الصعود المتنامي لحزب رئيس الحكومة يوسف الشاهد "تحيا تونس"، وهذا ما يفسر دعوة الرئيس، في الخطاب نفسه، إلى ضرورة رفع التجميد على الشاهد، على أمل أن يعود هذا الخير مع "تحيا تونس"، للتوافق مع "نداء تونس"، ما قد يشكل جبهة وطنية، دعا إلى تشكيلها الرئيس السبسي، في خطابه في عيد الاستقلال. وبذلك يمكن قطع الطريق على الأحزاب ذات المرجعية الدينية، وفي طليعتها "النهضة"، وهو أمر، حسب المنسق العام لحزب الشاهد، سلم العزابي، صعب المنال في اللحظة الراهنة.
السبب الثالث الذي سرع إعلان السبسي موقفه عدم الترشح يتمثل في ما آلت إليه الأوضاع في الجارة الغربية الجزائر، حيث خرج صديق الأمس عبد العزيز بوتفليقة من الباب الصغير، لأنه قبل بأن يحكم الآخرون باسمه في تحالفٍ للمصالح بين العائلة وعصابات المال والأعمال والمخابرات. وقد أشيع أن السبسي علق على ما يحدث في الجزائر قائلا: "ما حدث في الجزائر يمثل درسا للجميع". وكان من الطبيعي أن يرفض الرئيس التونسي أن تتوّج مسيرته السياسية الطويلة بالخروج من الباب الصغير، على الرغم من أن دستور 2014 يسمح له بالترشح للرئاسة مرة ثانية.
قد يكون السبسي، في إعلانه عدم الترشح، ودعوته مرة ثانية إلى عودة "الابن الضال"، يوسف الشاهد، إلى بيت الطاعة، بصدد نسج سيناريو مخاتل، وذلك ما جعل شقا آخر من المحللين يذهب إلى أن ثعلب السياسة التونسي القديم قد يتراجع، وهو الذي يعلن دائما أن السياسة هي فن إدارة اللحظة، وليس فيها أصدقاء دائمون ولا أعداء دائمون، فقد يخضع السبسي لضغوط العائلة والحزب، وما قد يحدث في الفضاء الجيوسياسي، خصوصا وأن تونس تعيش اللحظة الأصعب بين جارتين، سمتهما الأساسية تقلّب الأوضاع وعدم الاستقرار. .. ذلك ما ستكشف عنه الأيام المقبلة.
35FE487F-4A9A-4B25-8DF9-AF430105714E
35FE487F-4A9A-4B25-8DF9-AF430105714E
محمد أحمد القابسي

كاتب وأكاديمي وشاعر تونسي

محمد أحمد القابسي
The website encountered an unexpected error. Please try again later.