الحوار الأفغاني المؤجل: تبادل الأسرى لا ينهي العوائق المتراكمة

03 سبتمبر 2020
عادت آمال الأفغان بالسلام لتتجدد (وكيل كوسر/فرانس برس)
+ الخط -

عادت الآمال بتجاوز مأزق تأجيل الحوار الأفغاني ــ الأفغاني، بسبب الخلاف الذي استجدّ بين الحكومة في كابول وحركة "طالبان" حول موضوع تبادل السجناء والأسرى، إذ عاودت الحكومة منذ يوم الإثنين الماضي إطلاق سراح سجناء الحركة بعد تعليق العملية لفترة إثر اعتراضات على إطلاق سراح آخر 400 سجين من "طالبان" وصفهم الرئيس أشرف غني بأنهم "يشكلون خطراً على العالم".

وأفرجت السلطات الأفغانية منذ يوم الإثنين عن مائتين من سجناء "طالبان"، مقابل إطلاق الحركة سراح ستة من أفراد القوات الخاصة الأفغانية كانت تحتجزهم. وأكد المجلس الأعلى للمصالحة الوطنية في أفغانستان عملية الإفراج، وقال المتحدث باسمه فريدون خوزون: "تم تجاوز كل العقبات"، مشيراً إلى أنّ "تبادل الأسرى سيكتمل قريباً". كما أعلن المتحدث باسم "طالبان" سهيل شاهين، لوكالة "فرانس برس"، أنه "تم الإفراج عن سجنائنا، ونرى ذلك خطوة إيجابية تمهد الطريق لبدء محادثات بين الأفغان". وبالتوازي مع ذلك، أرسلت الحكومة الأفغانية "فريقاً فنياً" إلى قطر للتحضير لمحادثات السلام المرتقبة. وقالت المتحدثة باسم وزارة الدولة لشؤون السلام ناجية أنواري، لـ"فرانس برس"، إنّه تم إرسال "فريق فني صغير" إلى الدوحة لتحضير الاستعدادات اللوجستية، مشيرة إلى أنّ فريق مفاوضي كابول سيغادر أيضاً إلى الدوحة "قريباً جداً".

لم تكن موضع ترحيب أبداً في كابول، الزيارة التي أجراها أخيراً وفد "طالبان" إلى إسلام آباد

ومنذ توقيع اتفاق الدوحة للسلام في فبراير/شباط الماضي، والذي ينص على إفراج الحكومة عن 5 آلاف سجين لـ"طالبان"، مقابل إفراج الحركة عن ألف أسير للحكومة، ظلّت عملية التبادل هذه محط جدل بين الطرفين، وعائقاً أساسياً في وجه الحوار المباشر بين الأطياف الأفغانية. في البداية، رفضت الحكومة الإفراج عن سجناء "طالبان"، مُصّرة على مناقشة القضية في الحوار الأفغاني، أو أن يأتي الإفراج عنهم مقابل قبول "طالبان" وقف إطلاق النار. لكن مع إصرار الأخيرة على موقفها الرافض لذلك، وفي ظلّ الضغوط الأميركية المتزايدة على كابول، أُرغمت الحكومة على الإفراج عن سجناء "طالبان" تدريجياً، حتى وصل المفرج عنهم إلى 4600 سجين، فيما صنّفت الـ400 الباقين في عداد مرتكبي الجرائم الخطيرة، والذين لا يمكنها إطلاق سراحهم إلا بعد التشاور مع الزعامة القبلية.

وفي السابع من أغسطس/آب الماضي، دعت الحكومة الأفغانية إلى عقد اجتماع قبلي يعرف محلياً باسم "لويا جرغه"، من أجل التشاور حول قضية سجناء "طالبان". وخرج الاجتماع باتفاق أعضائه على الإفراج عن هؤلاء السجناء، للمضي قدماً نحو الحوار المباشر. وفي اليوم الأخير للاجتماع، أعلن الرئيس الأفغاني أشرف غني التوقيع على قرار الإفراج عن سجناء الحركة، لتنتعش آمال الأفغانيين مجدداً في إمكانية عقد الحوار الداخلي، على أن يقود إلى سلام دائم في البلاد، ويوقف الموت المستمر منذ ما يقارب العقدين من الزمن.
وفي غضون أيام بعد توقيع القرار، أفرجت الحكومة عن 80 أسيراً من أصل 400 احتراماً للمشيئة القبلية، لكن عملية التبادل سرعان ما عادت لتتوقف، بحجة أن بعض الدول من حلفاء أفغانستان، وتحديداً فرنسا وأستراليا، أبدت تحفظات على الإفراج عن هؤلاء السجناء، لتعلن الحكومة أنها تسعى لإيجاد حلّ مناسب لهذه الأزمة. ثم جاء وزير الخارجية الأفغاني محمد حنيف أتمر ليزيد الخلاف تعقيداً، بقوله إن حركة "طالبان" مرتبطة بعلاقات مع تنظيم "القاعدة"، وحركات مسلحة أخرى، وبالتالي فـ"لا جدوى من أي اتفاق معها". واستدل أتمر بالتقرير الأخير لوزارة الدفاع الأميركية، الذي يؤكد وجود علاقات بين "القاعدة" و"طالبان"، مطالباً الحركة بقطع علاقاتها مع تلك التنظيمات، معتبراً أن أي جهد للحوار قبل ذلك سيكون بلا جدوى.
ولم تقتصر المواقف المتباينة للحكومة بشأن عملية التبادل للأسرى والسجناء مع "طالبان"، أو الحوار معها، على كلام وزير الخارجية. فكتب المتحدث باسم مكتب مستشار الأمن القومي الأفغاني، جاويد فيصل، في تغريدة على "تويتر" أخيراً، أن الحكومة لن تفرج عن سجناء "طالبان"، حتى تقوم الأخيرة بالإفراج عن عناصر من القوات الخاصة المحتجزين لديها. وتنفي الحركة وجود عناصر من القوات الخاصة لديها، بالعدد الذي أعلنته الحكومة. كل ذلك كان قبل الإعلان عن عودة تبادل الأسرى والسجناء منذ يوم الإثنين.

لكن مسألة التبادل ليست وحدها التي تعرقل الحوار الأفغاني، بل أيضاً الخلافات الداخلية بين الحكومة والشخصيات السياسية الأفغانية من جهة، وشركاء الحكومة من جهة ثانية. فعلى سبيل المثال، اتفق غني ومنافسه في الانتخابات الرئاسية عبدالله عبدالله، على توزيع المناصب بين معسكريهما، بعدما حلّ الخلاف بينهما حول نتائج الانتخابات الرئاسية التي جرت في سبتمبر/أيلول الماضي، بتعيين عبدالله رئيساً للمجلس الأعلى الوطني للمصالحة. لكن إلى الآن، لم يتوصل الطرفان إلى حلّ لأزمة تعيين الوزراء. وما أثار استغراب المراقبين، إعلان الرئاسة الأفغانية يوم الأحد الماضي، تعيين أعضاء المجلس الأعلى الوطني للمصالحة، والذي يقوم بالدور التشاوري لهيئة التفاوض، لكن مكتب عبدالله رفض هذا التعيين، مؤكداً أن قائمة الأسماء المعلنة ليست محط توافق بين الطرفين. كذلك اعتذر بعض أعضاء المجلس عن العمل تحت مظلة الحكومة، منهم الرئيس الأفغاني السابق حامد كرزاي، ووزير الخارجية السابق (زعيم الجمعية الإسلامية) صلاح الدين رباني. وسبق أن رفض زعيم الحزب الإسلامي قلب الدين حكمتيار المشاركة في عملية السلام تحت مظلة الحكومة. وتعتبر هذه التطورات مؤشراً إلى وجود خلاف بين غني وعبدالله من جهة، وبين الأول وطاقم كبير من السياسيين من جهة ثانية.

اتهم بعض السياسيين الأفغان، الحكومة، بأنها غير صادقة في ما خصّ عزمها المضي في عملية السلام

إلى ذلك، اتهم بعض السياسيين الأفغان، الحكومة، بأنها غير صادقة في ما خصّ عزمها المضي في عملية السلام، بل هم يرون أنها تراهن فقط على عامل الوقت، وتنتظر نتيجة الانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، لعلها تخرج دونالد ترامب من البيت الأبيض، ما قد يقود إلى تغيير في السياسة الأميركية حيال القضية الأفغانية. وفي هذا الصدد، اتهم رئيس اللجنة العليا للمصالحة الأفغانية، محمد كريم خليلي، في كلمة له في مراسم عاشوراء، الأحد الماضي، الحكومة بعرقلة عملية السلام، مضيفاً أنه راسل زعيم "طالبان" الملا هيبت الله أخوند، وطلب منه أن يجري حواراً مباشراً مع الحكومة. ووفق خليلي، فقد أبدت "طالبان" موافقتها، لكنه عندما طرح القضية مع غني، أجابه الأخير بأن أوان الحوار لم يحن بعد.
ولا يُستبعد في هذا الإطار، أن يكون الدور الباكستاني في أفغانستان، قد أدى إلى استياء الحكومة الأفغانية، ودفعها إلى التباطؤ في العملية، إذ لم تكن موضع ترحيب أبداً في كابول، الزيارة التي أجراها أخيراً وفد "طالبان" إلى إسلام آباد، وتصريحات وزير الخارجية الباكستاني شاه محمود قرشي، على إثرها، والتي أكد فيها أن لبلاده دوراً فعالاً في عملية السلام بأفغانستان. وذهب النائب الأول للرئيس الأفغاني، أمر الله صالح، إلى القول إن "طالبان، الحركة الإرهابية، تُستقبل في قلب باكستان. هكذا تتعامل إسلام آباد مع قرارات الأمم المتحدة"، ناشراً على "تويتر" صورة وفد الحركة خلال لقائه القرشي ومسؤولين آخرين في العاصمة الباكستانية.
وأخيراً، تبرز مسألة تعدد كيانات المصالحة في أفغانستان كمسببٍ لعرقلة الحوار. وتوجد حالياً 4 كيانات تتعامل مع قضية السلام، أولها "اللجنة العليا لعملية السلام"، التي تأسست في وقت الرئيس السابق حامد كرزاي، ويتزعمها حالياً محمد كريم خليلي، زعيم حزب الوحدة، أكبر الأحزاب الشيعية في أفغانستان. وتضم اللجنة عددا من القادة المنفصلين عن "طالبان" وبعض الوجوه السياسية والأحزاب، وتتمتع بميزانية خاصة، ويعتقد مراقبون أنها شكلت فقط لإرضاء بعض الوجوه السياسية، ومنح مناصب حكومية لآخرين.
أما الكيان الثاني، فهو وزارة شؤون المصالحة التي أسسها غني العام الماضي، وعيّن لرئاستها أحد المقربين منه، وهو عبد السلام رحيمي. لكن بعد التوافق مع عبدالله، قرّر غني أن تكون الوزارة تحت إدارة الأخير، فتمت إزاحة رحيمي من دون تعيين وزير حتى اليوم. وقال مصدر في الرئاسة لـ"العربي الجديد"، إن الخلاف بهذا الشأن يتمحور حول سعي غني لإعادة تعيين رحيمي، فيما يرغب عبدالله في تعيين مصطفى مستور، إلا أن التوافق قد يحصل، بحسب المصدر، على شخصية ثالثة، هي سيد سعادت منصور نادري.

ويعد المجلس الاستشاري الأعلى للمصالحة، الكيان الثالث الذي يصب في هذا الإطار، والذي تتواصل الخلافات بشأن هوية أعضائه. وشكّل المجلس بهدف حلّ معضلة أزمة الرئاسة بين غني وعبدالله، ويتولى رئاسته الأخير حالياً. وتعتبر "هيئة تفاوض الحكومة مع طالبان"، الكيان الأخير للمصالحة، ويتولى زعامتها رئيس الاستخبارات السابق محمد معصوم ستانكزاي، وهو أحد المقربين من غني. ولم تبدأ الهيئة مهامها، وترفض الحركة الجلوس معها حتى الآن.