الثقافة الأميركية في مواجهة أيام مظلمة قادمة

22 يناير 2017
(مظاهرات ضد ترامب يوم تنصيبه، واشنطن، تشيب سوموديفيللا)
+ الخط -

تعمّ مدن عدّة في أنحاء العالم مظاهرات ضد ما يمثّله دونالد ترامب، من عنصرية وذكورية و"قومجية"، بعد يوم واحد من توليه منصبه. في الولايات المتحدة التي أصبح ترامب رئيسها خرج مئات الآلاف، وربما الملايين (ما زالت المسيرات مستمرة والتقديرات الرسمية غير نهائية) في عدد كبير من المدن، في تجمّعات ومسيرات ضخمة لتذكير الرئيس بالمعارضة القوية الموجودة ضده.

أبرز تلك المسيرات نظّمت في العاصمة الأميركية واشنطن تحت عنوان "مسيرة النساء" تقودها نساء من جمعيات أميركية وشخصيات من المجمتع المدني تضمّ مكوّنات المجتمع المختلفة؛ ومن بينها تنظيمات تعنى بشؤون العرب والمسلمين، والأميركان من أصول أفريقية، والسكان الأصليين، واللاتينو، وناشطين في مجال البيئة وحقوق المثلين، والتخطيط الأسري وحق الإجهاض، كما يحضرها رموز الفن والموسيقى والإعلام والسياسة يقدّمون كلمات أمام جمهور غفير ومتنوّع على بعد كيلومترات قليلة من البيت الأبيض.

توافد عشرات المشاهير على المنصة لإظهار معارضتهم لترامب؛ ومن بينهم مغنية البوب الشهيرة مادونا والممثلة ووبي غولدبيرغ والمخرج مايكل مور والممثلة سكارليت جونسون والنسوية البارزة غلوريا ستاينم والمغنية أليشا كيز والممثلة المعروفة أميركا فيرارو التي قالت في كلمتها "نحن أميركا.. نحن هنا لكي نبقى. إننا نسير (نتظاهر) اليوم من أجل عائلاتنا وجيراننا ومستقبلنا ومن أجل الأهداف التي نؤمن بها. إننا نسير اليوم من أجل النواة الأخلاقية لهذا المجتمع التي أعلن رئيسنا الجديد حربه ضدها".

أما مادونا فقالت "ليست النساء فقط في خطر بل كل هؤلاء الذين يعيشون على الهامش. لقد أيقظتنا هذه اللحظة المظلمة من سباتنا. اليوم يشير إلى بداية قصتنا. الثورة تبدأ هنا. نحن لسنا لوحدنا ولا نخاف ولن نخضع، هناك قوة في اتحادنا".

في الوقت الذي تتصدّر وسائل الإعلام، ويتناقل نشطاء على وسائل التواصل الاجتماعي، عناوين حول الخصخصة وتخفيض الدعم في قطاعات أساسية ينوي ترامب القيام بها، بدأت تبرز مواضيع أخرى تتعلّق بالثقافة والفن، إذ يبدو أن إدارة ترامب ستقود حرباً، ليس فقط على التعليم العام والصحة والفقراء بل كذلك على المؤسسات الثقافية ووسائل الإعلام الأميركية المموّلة حكومياً، والتي، على الرغم من قلّتها، فإنها تقدم في الغالب تغطيات إخبارية ذات جودة عالية، نسبياً، مقابل بحر من وسائل إعلام خاصة تتبع كبريات الشركات وتقدم في غالبها تغطيات متحيّزة لهذا الطرف المموّل أو ذاك.

ويبدو أن فريق ترامب، سيقدّم خطة بخصخصة وسائل الإعلام العامة في الوقت الذي سيُسحب التمويل بشكل كامل من مؤسسات ثقافية مثل ”الصندوق القومي لدعم الفنون" (NEA) وكذلك "الصندوق القومي للإنسانيات"، اللذين يقدّمان منحاً للفنانين والكتاب والأكاديميين، ولمشاريع تعليمية ثقافية، ولإقامة معارض، وبحوث في مجال الثقافة وغيرها.

لا تأتي هذه "الحرب على الثقافة" من فراغ، حيث حاولت إدارات أميركية سابقة للحزب الجمهوري إغلاق تلك الصناديق أو تقليص ميزانياتها بشكل ملحوظ، فقد حاول رونالد ريغان، عند توليه منصبه عام 1981، إغلاقها. وعندما لم يتمكّن من ذلك قام بتقليص ميزانيتها إلى درجة أدّت إلى شبه شلل في عملها ومنحها. واعترض، على مرّّ العقود، عدة أعضاء من الحزب الجمهوري في الكونغرس، على تمويلها الفيدرالي بحجة أنها تدعم "فناً غير محتشم" وغيرها من الحجج .

وإذا سحب ترامب التمويل بشكل كامل عن تلك الصناديق ومثيلاتها سيعني هذا نجاحه بإطلاق رصاصة الموت عليها بعد محاولات لم تتمكن من القضاء على تلك الصناديق والمشاريع بشكل كامل وإن كانت قد أضرّتها.

في رسالة مفتوحة حملت عنوان "20 يناير إضراب الفن" (J20 Art Strike) دعا مئات الفنانين والمثقفين الأميركيين المؤسسات الفنية والثقافية في الولايات المتحدة إلى الإضراب والاحتجاج في يوم تنصيب الرئيس الأميركي وتوليه مهامه بشكل رسمي. وطالبوا المتاحف والمؤسسات الثقافية والمعارض بإغلاق أبوابها والخروج إلى الشوارع احتجاجاً.

ولبّت متاحف ومعارض مختلفة تلك الدعوة، كلّ على طريقته، حيث قام "متحف كوينز" بفتح أبوابه ساعتين فقط، دعا خلالها الجمهور إلى القدوم والتظاهر وكتابة أو رسم منشورات في أروقته تعبيراً عن اعتراضه ومخاوفه تجاه ترامب.

أما "متحف بروكلين" فخصّص قراءة مستمرة على مدار سبع ساعات مع استراحات، لقصيدة "دع أميركا تكون أميركا مرة أخرى" للشاعر والروائي والكاتب المسرحي الأميركي من أصول أفريقية لانغستون هيوز، التي نشرت عام 1935. وتعدّ هذه القصيدة، وأعمال هيوز عامة، من الأعمال البارزة ليس فقط بسبب قيمتها الفنية والإبداعية، بل لمحتواها الإنساني والسياسي ضد الظلم والعنصرية في الولايات المتحدة. ويمثّل محتوى القصيدة، التي كتبت قبل حوالي تسعين عاماً من تولي ترامب الرئاسة، كرد على شعار حملته: "فلنجعل أميركا عظيمة مجدداً".

من جهتها، انضمت عشرات المسارح الأميركية لـ"مشروع شبح الضوء" (the Ghostlight project) حيث أشعل محبو المسرح والممثّلون والعاملون في تلك المسارح أضواءً أمام تلك المسارح كي تنير الطريق في "الفترة المظلمة التي تنتظر أميركا" تحت رئاسة دونالد ترامب.

وطالب منظّمو الحملة المشاركين فيها بالالتزام بعمل تطوعي في أي مؤسسة أو جمعية أيام الإثنين، حيث تغلق المسارح أبوابها، لساعات من أجل دعم تلك الشرائح الضعيفة من المجتمع الأميركي وربط حب الثقافة والفن والمسرح بالعمل التطوعي.

يبقى السؤال الرئيسي هو كيف يمكن ترجمة هذه المظاهرات والمسيرات إلى حركة وحملة تقود تغييراً حقيقياً وجذرياً تحتاجه أميركا أكثر من أي بلد أخر، ليس فقط بسبب الفروقات الاجتماعية والطبقية داخلها، بل لأنها إحدى أكثر الدول تأثيراً في العالم وفي مصير شعوبه.

المساهمون