التكوين النفسي للشاب الداعشي في الغرب

14 يناير 2015
من أنا؟ ما تأثيري في المجتمع؟ (Getty)
+ الخط -

قد نتفق على أن معظم هؤلاء الملتحقين بداعش من الدول العربية هم نتاج القمع والاضطهاد العربي، ولربما اليأس من الثورات العربية، والذي كانت أهم أسبابه فشل القوى الثورية في إحداث التغيير الذي كان يرتجى منها، مما خلف وراءه شباباً عربياً يائساً محبطاً أشبه بمن يبحث عمّن يأخذه إلى بر الخلاص. ومن هنا أصبح الشباب قابلاً للتشكل والبرمجة بما تهوى أنفس هذا التنظيم والذي راح يعبث بعقول الشباب ويصور لهم صور النصر والحرية وجنة الخلد. وبالطبع كان البديل للثورات العربية السلمية، التي صور لهم أنها فشلت، هو حمل السلاح.

على العموم، قد يكون هذا هو أبسط تحليل لأسباب التحاق الشاب العربي بتنظيم الدولة. ولكن، ما الذي يدفع بالشاب المسلم الغربي إلى السفر المفاجىء للالتحاق بداعش؟ هل هي صرعة جديدة؟ هل هو رغبة في الجهاد أم أنه جهل في الدين؟ هل هو يأس من الحياة أم أنه تعبير عن رفض المجتمع الغربي الذي نشأ فيه؟ هل يمكن أن نعتبره وسيلة لإثبات الذات أم أنه بحث عن الهوية؟

إن معظم هؤلاء الشباب لم يكمل تعليمه الثانوي، بعضهم عليهم أحكام وقضايا في المحاكم تتعلق بمخدرات، سياقة بدون رخصة وعنف عائلي. أما بعضهم فبريئون من ذلك، ولكن يتفقون في الفشل دراسياً وعدم وجود رؤية محددة لديهم.

الخلاصة هي أنه شباب يائس، متمرد بطبيعة السن، يبحث عن فرصة لإثبات الذات، يتوق الى التغيير، عنده الكثير من العنفوان والحماس المخزون غير الموجه. ولكن عندما يكون هذا الخليط ممزوجاً بكمية جهل في أمور الدين الإسلامي والخبرة في الحياة، هنا تكون الطامة الكبرى. من المضحك، والجدير بالذكر على سبيل المثال، هو ذلك الشاب المسلم الأسترالي الذي كان يعمل كموديل لإحدى المجلات الأسترالية للأزياء، وفجأة اختفى وإذا به أصبح داعشي الملة!

والسؤال هنا، من الذي يقوم بغسيل أدمغة هؤلاء الشباب وتسخير عقولهم لخدمة هذا التنظيم بهذه السرعة وهذا الانتشار؟

بالنسبة للشاب المسلم الذي ينشأ في بلاد الغرب، إنما هو صراع داخلي طبيعي يتكون نتيجة كونه مسلماً، طبيعته البشرية تفرض عليه الاعتزاز بهويته الإسلامية، حتى ولو أنكرها، وكونه يعيش في مجتمع غربي بكل مكوناته الإيجابية منها والسلبية. وعندئذ إن لم يوجه هذا الشاب توجيهاً سليماً وإن لم يتم رسم الخطوط العريضه في مسار حياته بالنسبة لكونه مسلماً غربياً، فإن هذا الصراع الداخلي سيمزقه.

إذا نظرنا بدقة وتمعن في تكوين شخصية ونفسية الشاب الداعشي، ومعظمهم في الأعمار ما بين 16 إلى 20 سنة، سنجد أن التكوين النفسي الطبيعي لشخصية تلك الفئة العمرية هو أن تكون شخصية متقلبة متأرجحة. في غالب الأمر ليس لها هدف واضح محدد، بالإضافة إلى أنها تعتمد في تكوين رؤيتها واتخاذ قراراتها بالشكل الأكبر على مؤثرات وضغوط خارجية. في هذه المرحلة العمرية، يكون الشاب أو الفتاة في أمس الحاجة إلى تلقي المؤثر الجيد الذي يأخذ بيده إلى طريق الصلاح، لأنه قد يكون لقمة سهلة لأي مؤثر آخر يمكن أن يستخدمه لأغراضه الخاصة. ومن هنا نجد أن معظم حالات الإدمان والانخراط في مشاكل الشارع الإنحرافية تظهر في هذه المرحلة الحرجة من العمر. من الملحوظ أيضاً في تلك المرحلة العمرية هو انبهارها بالشخصيات الأسطورية والشخصيات العالمية الناجحة ولربما الشخصيات الإجرامية الشهيرة كذلك. قد يتأثر كثيراً بأي فكر شاذ أو مختلف عن المألوف وذلك لأنه في مرحلة يسعى فيها لإثبات نفسه وجلب انتباه المجتمع من حوله، حتى وإن كان بالتصرف الشاذ. فإن لم يجد من يأخذ بيده ويوجهه الى الطريق السليم لإثبات الذات، لجأ إلى الطريق الآخر والذي في غالب الأمر تكون نهايته دماراً.

في هذه المرحلة العمرية، يمر الشاب بشيء من الصراع النفسي لماهية الشخصية، فتنتابه أسئلة داخلية "من أنا؟ ما تأثيري في المجتمع؟ لماذا يتحكم المجتمع بتكويني؟ إلى من أنتمي؟"

المساهمون