التفوق الغائب في معركة الإعلام السوري الثائر

09 اغسطس 2016
نحن اليوم بحاجة إلى النوع أكثر من الكم(فرانس برس)
+ الخط -
لم يعد في عصرنا الراهن ثمة أي شك في أهمية دور الإعلام الحاسم في صناعة الرأي العام، المحلي والعالمي، ومن ثم ترجيح كفة جهة أو تيار أو دولة أو ثورة في مواجهة الخصوم، ولهذا تفوقت ثورات الربيع العربي، في مرحلتها الأولى، على الأنظمة الديكتاتورية التي أوغلت في الظلم، إعلامياً، عبر استخدام وسائل التواصل الاجتماعي التي كانت ميدانا حديثاً لم يخض فيه إلا الشباب واليافعون، ولكن الأمر تغير بعد أن دخلت الأنظمة بقضّها وقضيضها هذا الميدان وزجت بما يعرف بالجيوش الإلكترونية في معركتها، ما حرم القوى الثورية تفوقها في هذا الميدان.


عند انطلاق الثورة السورية، عانى السوريون الذين واجهوا آلة القمع والموت الأسدية بالتحركات السلمية من ضعف خبرتهم الإعلامية، وعدم امتلاكهم أية منابر صحفية وإعلامية تسوق روايتهم للأحداث والتطورات، إلا ما ندر، ولهذا السبب اعتمدت وسائل الإعلام الكبرى التي اهتمت بالشأن السوري على صفحات فيسبوك لتستقي الأخبار منها، وقد كانت تلك الصفحات فعالة بقدر ما في البدايات، عندما كان المطلوب منها إيصال الصوت إلى الخارج، وتغطية الحراك الذي يسعى النظام للتعتيم عليه، وإبراز وحشية القمع الذي يواجهه.

ومع استمرار الثورة وصمودها في مواجهة القمع، بدأ السوريون يتجهون لإطلاق وسائل إعلام تغطي ما سبق، إلا أن الثورة كانت قد دخلت في مرحلة حمل السلاح وتحولت إلى صراع عسكري وحرب سيطرة على المدن والقرى، وهو ما كان يستلزم استراتيجية جديدة تواكب التطور المفصلي، إلا أن الإعلام المؤيد للثورة لم يكن سابقاً قد اعتمد استراتيجية محددة أصلاً، وبالتالي تأخر كثيرا في استيعاب الحاجة لاستراتيجية إعلامية موحدة بعد رفع السلاح في وجه آلة النظام العسكرية وحلفائه، فضلاً عن التخبط الذي ظهر فيه منذ البداية، كنتيجة طبيعية لحالة التصحّر السياسي والاحتكار الرسمي وشبه الرسمي للإعلام خلال عقود من حكم الأسد الأب والابن.

الاسترايتيجية الإعلامية المفترض اتباعها من قبل المواقع والصحف والإذاعات والفضائيات الجديدة كانت تقتضي، أولاً: تقديم رواية الثوار للداخل والخارج على نحو من التكامل والانسجام في جميع المستويات، وثانياً: تفكيك رواية ودعاية النظام، وتعرية مواقفه وسلوكياته صغيرها وكبيرها، واستباق ردود الأفعال على أي حدث طائش برواية عقلانية تعترف بالإشكال إن وجد وتحيل إلى الجوانب التي تخفف من وقع هذا الإشكال، فنحن بحاجة إلى إعلام موضوعي يخدم أهداف ثورتنا بموضوعيته أولاً ويناصرها بتغطيته واستراتيجيته التحريرية ثانياً.

وسائل الإعلام السورية المناصرة للثورة حققت "جزئياً" هذه الأهداف، ولكن أياً منها لم يحقق هذه الاستراتيجية كاملة على نحو متقن، فضلاً عن أنها لم تبلغ حد الوصول إلى "توحيد" هذه الاستراتيجية فيما بينها، رغم أننا شهدنا محاولات في هذا الصدد.

يضاف إلى ذلك الدور الحساس الذي كان ينبغي على الإعلام الثوري الاضطلاع به، وهو تقديم خطاب ناضج لثورة يتوقع من مكوناتها أو بعضهم كل التصرفات الطائشة والمتهورة، فالثورة في نهاية المطاف قامت ضد "نظام" وضد "الدولة" ولو قامت بها دولة أخرى أو جهة وحيدة منظمة لما كانت ثورة بل صراعاً ثنائياً.

إذن، فالإعلام المؤيد للثورة السورية مطالب بتأدية دور في صناعة الثقافة الشعبية والوعي العام تجاه أهدافها وتجلياتها، وإبعاد الضمير الجمعي، قدر المستطاع، عن التشنج والحدية، فضلاً عن التطرف والغلو في أي اتجاه كان.

لوحظ في الآونة الأخيرة طفرة واضحة في عدد وسائل الإعلام والمواقع الإخبارية وحتى الوكالات التي تختص بالشأن السوري، ولكننا اليوم في حاجة إلى النوع أكثر من حاجتنا إلى الكم، أي أننا بحاجة لمؤسسات إعلامية وصحفية "ضخمة"، تركز على الحدث السوري ولا تقتصر عليه، تخاطب الجمهور المحلي والعربي والإسلامي والغربي، وتبرز أهمية هذه المؤسسات مع تراجع وكالات الأنباء العالمية ووسائل الإعلام الكبرى عن دورها في تغطية الشأن السوري، وتغيير مفردات الصراع من ثورة أو انتفاضة شعبية، إلى حرب أهلية، تساوقاً مع الموقف الأميركي العملي "غير المعلن تماماً".

هذه الحاجة تنبع في الأساس من حاجة أكبر وأهم، وهي ضرورة الاعتماد على النفس في كل المستويات بدون استثناء، وإذا كان ثمة مبررات للاعتماد "جزئياً" على الآخرين في بعض المستويات كالعسكري، فإنه لا مبرر على الإطلاق في المستوى الإعلامي، إذ إن الأدوات المطلوبة للقيام بما يجب في هذا الإطار حاضرة وفي متناول الجميع.

ومن ناحية أخرى، لم يعد الحدث السوري شأنا محلياً، إذ بات ومنذ أمد طويل، شأناً عالمياً، تبنى على تطوراته الميدانية الصغيرة وتغيرات ميزان القوى بين أطرافه، سياسات دولية وتفاهمات ثنائية على مستوى الدول الكبرى والإقليمية.
المساهمون