التدخل الدولي وتعقيد الأزمة الليبية

07 يناير 2020
+ الخط -
منذ إعلانه عن انقلابه العسكري سنة 2014، بدأ اللواء المتقاعد خليفة حفتر، رحلة تدويل الصراع الليبي الداخلي، عبر الاستعانة بحلفاء إقليميين تجسّد بداية في الدعم الإماراتي والسعودي والمصري الذي بدأ بالتزايد إلى الحد الذي أصبح فيه هؤلاء شركاء فعليين في الصراع، سواء عبر إمدادهم مليشيات حفتر بالسلاح، أو عبر إرسال الخبراء والتقنيين لتولي الإشراف على غرف عمليات المعارك، وصولا إلى تحريك الطائرات التابعة للنظامين، المصري والإماراتي، لقصف المواقع التابعة لحكومة الوفاق الوطني، برئاسة فائز السراج. 
جاء الاعتداء أخيرا على الكلية العسكرية في طرابلس، وما أسفر عنه من سقوط عدد كبير من الطلبة بين قتيل وجريح، ليؤكد هذا الحضور الأجنبي، حيث وجهت حكومة الوفاق أصابع الاتهام رسمياً للطيران المسيّر الإماراتي، على الرغم من محاولة الناطق باسم قوات حفتر، أحمد المسماري، التملص من تبعات الجريمة النكراء، فقد كان واضحا أن داعمي حفتر قد تورّطوا في الهجوم الذي لا يمثل حادثا معزولا، إذا تذكّرنا الهجوم المماثل على مأوى اللاجئين في تاجوراء (يوليو/ تموز 2019) الذي أسفر أيضا عن سقوط ضحايا كثيرين لا علاقة لهم بالصراع.
بالإضافة إلى الدعم المصري الإماراتي المباشر، تدخلت فرنسا بشكل معلن لدعم قوات خليفة 
حفتر، في سياقات صراع دولي على النفط الليبي، والرغبة الفرنسية في انتزاع موطئ قدم على الساحل الليبي، وهي التي تقود ما تسمى "مجموعة الخمسة" التي تشكل حلفا عسكريا بين خمسة بلدان صحراوية تجاور ليبيا بحكم الجغرافيا، وتحاول فرنسا الاستفادة من حلفها مع حفتر للتمدّد والسيطرة على منابع النفط، أو على الأقل الحفاظ على أقصى ما يمكن من مصالح هناك.
يضاف إلى هذه الدول التي تدعم حفتر، التدخل الروسي عبر مرتزقة شركة "فاغنر"، وقد كشفت مصادر إعلامية عن حضور هذه المجموعات من المرتزقة التابعين لهذه الشركة، بداية من شهر سبتمبر/ أيلول الماضي، حيث اتجه بعضهم إلى قاعدة الجفرة وسط البلاد، فيما تمركز الباقون جنوب طرابلس.
في المقابل، كان آخر الوافدين من القوى الدولية هو الحليف التركي، الداعم حكومة الوفاق، حيث بدأ تفعيل الاتفاق الأمني بين الطرفين، التركي وحكومة الوفاق الليبية، بما يسمح لها بالانتشار العسكري في مناطق في غرب ليبيا. وإذا أضفنا إلى كل هؤلاء الأدوار التي تقوم بها الولايات المتحدة وإيطاليا وألمانيا، يكون الصراع على ليبيا قد وصل إلى حالة من التنازع 
الدولي غير المسبوق، حيث لم تعد المسألة تتعلق بدعم خارجي للتزويد بالسلاح، بقدر ما تحول إلى حضور عسكري على الأرض لجنسيات شتى.
وفي ظل هذا النزاع الدولي الذي زاد الوضع الليبي تعقيدا، تجاوزت الأزمة الليبية مجرد النزاع المحلي لتحيل إلى مستويين من النزاع، ينبغي تسويتهما، أولهما إيجاد صيغة من الاتفاق بين القوى الدولية المتدخلة في ليبيا، بما يحفظ جانبا من مصالحها، ويدفعها إلى عدم الوقوف في وجه الحل السياسي. أما المستوى الثاني فهو الحوار الليبي - الليبي الذي يستوجب إيجاد أرضية مشتركة تلغي فكرة الخيار الصفري التي يؤمن بها حفتر، من حيث رغبته في إلغاء حكومة الوفاق والقوى الداعمة لها، لينفرد وحده بحكم ليبيا، وهو خيارٌ أثبتت الوقائع عدم جدواه، فالاستخدام المفرط للقوة لم يفض إلا إلى مزيد من الضحايا من المدنيين الليبيين، ولم يحسم الصراع لصالح مليشيات حفتر التي أساءت تقدير قوة خصومها، وتوهمت أنها قادرة على بسط نفوذها على كامل التراب الليبي، عبر القوة العسكرية المفرطة.
تقتضي شروط المصالحة الليبية أولا وأساسا وقف إطلاق النار بين الجانبين المتحاربين، وهو ما يعني أن على القوى الدولية المؤثرة، أو المتدخلة، في الصراع، الاقتناع بأن حضورها العسكري لن يزيد المشهد إلا تأزّما، بما يجعل المدخل الأساسي لأي حل للأزمة الليبية يمرّ 
أولا عبر تفاهم القوى الداعمة التي يمكنها ممارسة الضغط على الفرقاء الليبيين للجلوس إلى مائدة الحوار.
لا يمكن نفي وجود تدخّل دولي غير مباشر في الشأن الليبي قبل انقلاب حفتر، لكن الأكيد أن الحرب التي أشعلها الأخير جعلت هذا التدخل أشبه باحتلالٍ متعدّد الجنسيات، تراوح بين طيف واسع من القوى الدولية والجيوش الرسمية ومجموعات المرتزقة من الروس والجنجويد السودانيين ومقاتلين تشاديين، جلبهم حفتر لتحقيق نصر وهمي، أراده أن يكون معمّدا بدماء أبناء الشعب الليبي من الطرفين. وبنقضه اتفاق الصخيرات، جعل حفتر الحل يخرج من أيدي الليبيين، وكلما تزايد الحضور الأجنبي على الأرض أصبح الحل الوطني، أعني التوافقي بين الليبيين، بعيد المنال، وليصبح الموقف مرتهنا بتوافق دولي قبل أي مصالحة داخلية.
B4DD7175-6D7F-4D5A-BE47-7FF4A1811063
سمير حمدي

كاتب وباحث تونسي في الفكر السياسي، حاصل على الأستاذية في الفلسفة والعلوم الإنسانية من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بصفاقس ـ تونس، نشرت مقالات ودراسات في عدة صحف ومجلات. وله كتب قيد النشر.