01 يناير 2024
الانتخابات التركية.. الحسم بيد القوميين
كانت الأحزاب القومية الرابح الرئيس في الانتخابات التركية الماضية، في يونيو/حزيران الماضي، مع حصول حزب الحركة القومية اليميني على 16% من أصوات الناخبين، أي أنه زاد قوّته بمقدار الربع تقريباً عن الانتخابات التي سبقتها، بينما تجاوز حزب الشعوب الديموقراطية الكردي نسبة الحسم العالية أصلاً، إثر حصوله على 13% من أصوات الناخبين. وقد شهدت الانتخابات الماضية كذلك تراجعاً في مكانة الحزبين الكبيرين، أي "العدالة والتنمية" الذي فقد 9% من قوته قياساً لانتخابات 2011، مع تسرب أصوات منه للحزبين القوميين التركي والكردي، و"الشعب الجمهوري"، حزب المعارضة الرئيسي، الذي فقد 3% من قوته الانتخابية، قياساً أيضاً إلى الانتخابات قبل الماضية. وعلى أعتاب الانتخابات المبكرة المقررة بعد غد الأحد، الأول من نوفمبر/تشرين ثاني، يبدو وكأن العكس يحدث مع تراجع في مكانة الأحزاب القومية التركية والكردية وزيادة في قوتي هذين الحزبين الكبيرين.
وحسب استطلاع للرأي، نشرت نتائجه صحيفة راديكال اليسارية المقربة من المعارضة، 23 أكتوبر/تشرين أول الجاري، يحصل حزب العدالة والتنمية على 43% من أصوات الناخبين، بينما ينال حزب الشعب نسبة 26%، وحزب الحركة القومية 15%، وحزب الشعوب الديموقراطية 12% من الأصوات. وهذا يعني زيادة شعبية حزبي العدالة والشعب 2% لكل منهما، وتراجع حزبي الحركة والشعوب 1% لكل منهما، علماً أن استطلاعات أخرى تتحدث عن أن نسبة التراجع قد تصل إلى 2% لكل منهما، بينما ترتفع نسبة حزب العدالة 3% تقريباً لتلامس حدود الـ44%، ما يعني حصوله على الغالبية البرلمانية واستعادة قدرته على تشكيل الحكومة منفرداً.
ما الذي حصل بالضبط؟ وما الذي تغير في المزاج الشعبي التركي منذ يونيو/حزيران؟ فيما يتعلق بحزب الحركة القومية رأى مصوّتوه، أو نسبة منهم على الأقل، أي التى تسرّبت إليه من حزب العدالة والتنمية، كونهم يغرفون من المعين الانتخابي نفسه، أن أداء الحزب لم يكن على المستوى المأمول، وأنه فوّت فرصة تشكيل ائتلاف قومي يميني مستقر عبر شروطه التعجيزية، وبل وإقفاله باب الائتلاف مع العدالة، منذ الساعات الأولى لإعلان نتائج تلك الانتخابات. إلى ذلك، تعتقد نسبة معتبرة في الشارع اليميني أن إضعافهم حزب العدالة والتنمية لم يأت بالنتائج المرجوّة، حيث أدّى إلى حالة من عدم الاستقرار السياسي الاقتصادي والأمني، وإن الحزب وحده القادر على انتشال البلد من الوضع الذي وصلت إليه في الشهور الخمسة الماضية.
أمر مماثل حدث لدى مصوّتي حزب الشعوب الكردي من الأكراد، حيث تدهورت الأوضاع فى مناطقهم على كل المستويات، وارتدّ تصويتهم سلباً عليهم مع جنوح الحزب إلى مزيد من التطرّف، وانحيازه إلى جانب عسكر جبال قنديل، على حساب منطق التسوية الحكمة التعقل
والهدوء، كما أن حالة الاستقرار التي سادت المناطق الكردية، في السنوات العشر الماضية، انهارت مع استئناف حزب العمال عملياته بعد الانتخابات، بل وذهابه إلى حد إعلان الإدارة الذاتية في بعض المناطق (جيزرة مثلاً)، ما أدّى إلى رد فعل عنيف من السلطات. وكما في الشارع التركي، تميل شريحة من الناخبين الأكراد إلى إعادة النظر في طريقة تصويتهم، وستعود نسبة منهم بالتأكيد إلى حزب العدالة والتنمية، خصوصاً مع تصحيحه الخطأ الذي ارتكبه في الانتخابات الماضية، بما يخص مرشحيه في المناطق الكردية تحديداً.
يجب الانتباه كذلك إلى أن نسبة معتبرة من مناطق الغرب التركي صوّتت لصالح حزب الشعوب، أيضاً ما ساعده على تجاوز عتبة الحسم، وهذه النسبة تضم أساساً شريحة يسارية علمانية متشددة من أنصار حزب الشعب الجمهوري التي صوّتت للشعوب، بقصد إضعاف حزب العدالة، ومنعه من الحصول على الغالبية البرلمانية، أو بغرض الاحتجاج على حزبها الأمّ، أي حزب الشعب، وعجزه عن تحدي الحزب الحاكم جدّياً. وستعود هذه الشريحة إلى جذورها، إمّا لأنها متيقّنة أن حزب الشعوب بات قادراً على أن يتجاوز نسبة الحسم بنفسه، أو لأنها تفهم أن أي زيادة في قوة حزب المعارضة الأكبر ستجعله في موقع أفضل عند مفاوضات ائتلافية قادمة، إذا ما فشل "العدالة" في نيل الغالبية البرلمانية مرة أخرى.
ويُذكر أن منسوب التجييش لصالح حزب الشعوب في مناطق الغرب، وتحديداً في القنوات اليسارية العلمانية، أو حتى تلك التابعة لجماعة فتح الله غولن، انخفض كثيراً في ظل تنامي الشعور القومي التركي، واتهام شرائح واسعة لحزب الشعوب بالتماهي، أو حتى بالصمت عن أفعال حزب العمال الكردستاني وجرائمه.
لم يكتف حزب العدالة من جهته بمراجعة الناخبين القوميين طريقة تصويتهم، بل بادر إلى مراجعة جذرية لحملته الانتخابية، مع التقليل قدر الإمكان من التصويب على الأحزاب المنافسة، خصوصاً حزب الحركة القومي، والتركيز، في المقابل، على برنامجه الانتخابي، وليس برامج منافسيه، والحديث عما سيفعله، وليس ما فعله، خصوصاً فيما يتعلق بالشباب والمرأة، ودعم أصحاب المشاريع الاقتصادية الصغيرة والمتوسطة، إضافة طبعاً إلى المضي في المشاريع العملاقة التي بدأها.
سعى الحزب كذلك للتمييز بين حزب الشعوب وقيادته وناخبيه بشكل عام، ومع اتهام القيادة
بالتماهي مع الإرهاب والتراجع عن عملية التسوية. من ناحية أخرى، ركّز على المضي في المشاريع التنموية في المناطق الكردية على قدم المساواة مع المناطق التركية، كما كان الحال في الفترة التي سبقت الانتخابات، غير أن أهم ما ميّز الحملة الانتخابية للحزب الحاكم كان تأكيده الدائم على أنه وحده القادر على حماية مصالح البلد والدفاع عنها، وأن إعطاءه التفويض اللازم للحكم منفرداً يعني حكماً العودة إلى الحالة المستقرة سياسياً وأمنياً، والناهضة اقتصادياً التي عاشتها تركيا في العقد الماضي.
تلقى حزب العدالة، في الأيام، بل في الساعات الماضية، أخبار جدّ سارة مع الإعلان عن زيادة الإقبال على التصويت من المغتربين الأتراك بنسبة 43.7%، وهي نسبة لافتة وكبيرة، كما استفاد الحزب الحاكم من تدفق المسؤولين الأوروبيين على أنقرة، بما فيهم أنجيلا ميركل لطلب المساعدة في قضية اللاجئين والتطورات في سورية بشكل عام، مع اتفاق مبدئي على مساعدة تركيا في تحمل أعباء اللاجئين، كما على تسهيل سفر المواطنين إلى دول الاتحاد الأوروبي، وهي قضية كانت، وما زالت، جد مهمة ومؤثرة بالنسبة لتركيا.
قياساً إلى المعطيات السابقة، وباختصار، يتجه حزب العدالة والتنمية نحو زياده قوته بنقطتين أو ثلاث مئوية، وهو حال حزب الشعب الجمهوري المعارض، بينما يفقد حزب الحركة القومي نقطة إلى نقطتين، وهو حال الحزب الكردي، ما يعني أننا أمام احتمال جدّي لحصول حزب العدالة على الغالبية البرلمانية، أو الوصول إلى بُعد مقاعد قليلة منها، وربما لن يعاني كثيراً في تشكيل الحكومة عندئذ، وقد تتأثر الخريطة الحزبية بنتائج الانتخابات، ولكن المشهد السياسي سيظل على حاله، حيث الكتل البرلمانية ستكون مضطرة للتحاور والالتقاء فيما بينها، تحت سقف البرلمان، من أجل حلّ الأزمات الداخلية والخارجية التي تعانيها تركيا. وطبعاً على قاعدة احترام آراء الناخبين، كما ستتبدّى في صناديق الاقتراع.
وحسب استطلاع للرأي، نشرت نتائجه صحيفة راديكال اليسارية المقربة من المعارضة، 23 أكتوبر/تشرين أول الجاري، يحصل حزب العدالة والتنمية على 43% من أصوات الناخبين، بينما ينال حزب الشعب نسبة 26%، وحزب الحركة القومية 15%، وحزب الشعوب الديموقراطية 12% من الأصوات. وهذا يعني زيادة شعبية حزبي العدالة والشعب 2% لكل منهما، وتراجع حزبي الحركة والشعوب 1% لكل منهما، علماً أن استطلاعات أخرى تتحدث عن أن نسبة التراجع قد تصل إلى 2% لكل منهما، بينما ترتفع نسبة حزب العدالة 3% تقريباً لتلامس حدود الـ44%، ما يعني حصوله على الغالبية البرلمانية واستعادة قدرته على تشكيل الحكومة منفرداً.
ما الذي حصل بالضبط؟ وما الذي تغير في المزاج الشعبي التركي منذ يونيو/حزيران؟ فيما يتعلق بحزب الحركة القومية رأى مصوّتوه، أو نسبة منهم على الأقل، أي التى تسرّبت إليه من حزب العدالة والتنمية، كونهم يغرفون من المعين الانتخابي نفسه، أن أداء الحزب لم يكن على المستوى المأمول، وأنه فوّت فرصة تشكيل ائتلاف قومي يميني مستقر عبر شروطه التعجيزية، وبل وإقفاله باب الائتلاف مع العدالة، منذ الساعات الأولى لإعلان نتائج تلك الانتخابات. إلى ذلك، تعتقد نسبة معتبرة في الشارع اليميني أن إضعافهم حزب العدالة والتنمية لم يأت بالنتائج المرجوّة، حيث أدّى إلى حالة من عدم الاستقرار السياسي الاقتصادي والأمني، وإن الحزب وحده القادر على انتشال البلد من الوضع الذي وصلت إليه في الشهور الخمسة الماضية.
أمر مماثل حدث لدى مصوّتي حزب الشعوب الكردي من الأكراد، حيث تدهورت الأوضاع فى مناطقهم على كل المستويات، وارتدّ تصويتهم سلباً عليهم مع جنوح الحزب إلى مزيد من التطرّف، وانحيازه إلى جانب عسكر جبال قنديل، على حساب منطق التسوية الحكمة التعقل
يجب الانتباه كذلك إلى أن نسبة معتبرة من مناطق الغرب التركي صوّتت لصالح حزب الشعوب، أيضاً ما ساعده على تجاوز عتبة الحسم، وهذه النسبة تضم أساساً شريحة يسارية علمانية متشددة من أنصار حزب الشعب الجمهوري التي صوّتت للشعوب، بقصد إضعاف حزب العدالة، ومنعه من الحصول على الغالبية البرلمانية، أو بغرض الاحتجاج على حزبها الأمّ، أي حزب الشعب، وعجزه عن تحدي الحزب الحاكم جدّياً. وستعود هذه الشريحة إلى جذورها، إمّا لأنها متيقّنة أن حزب الشعوب بات قادراً على أن يتجاوز نسبة الحسم بنفسه، أو لأنها تفهم أن أي زيادة في قوة حزب المعارضة الأكبر ستجعله في موقع أفضل عند مفاوضات ائتلافية قادمة، إذا ما فشل "العدالة" في نيل الغالبية البرلمانية مرة أخرى.
ويُذكر أن منسوب التجييش لصالح حزب الشعوب في مناطق الغرب، وتحديداً في القنوات اليسارية العلمانية، أو حتى تلك التابعة لجماعة فتح الله غولن، انخفض كثيراً في ظل تنامي الشعور القومي التركي، واتهام شرائح واسعة لحزب الشعوب بالتماهي، أو حتى بالصمت عن أفعال حزب العمال الكردستاني وجرائمه.
لم يكتف حزب العدالة من جهته بمراجعة الناخبين القوميين طريقة تصويتهم، بل بادر إلى مراجعة جذرية لحملته الانتخابية، مع التقليل قدر الإمكان من التصويب على الأحزاب المنافسة، خصوصاً حزب الحركة القومي، والتركيز، في المقابل، على برنامجه الانتخابي، وليس برامج منافسيه، والحديث عما سيفعله، وليس ما فعله، خصوصاً فيما يتعلق بالشباب والمرأة، ودعم أصحاب المشاريع الاقتصادية الصغيرة والمتوسطة، إضافة طبعاً إلى المضي في المشاريع العملاقة التي بدأها.
سعى الحزب كذلك للتمييز بين حزب الشعوب وقيادته وناخبيه بشكل عام، ومع اتهام القيادة
تلقى حزب العدالة، في الأيام، بل في الساعات الماضية، أخبار جدّ سارة مع الإعلان عن زيادة الإقبال على التصويت من المغتربين الأتراك بنسبة 43.7%، وهي نسبة لافتة وكبيرة، كما استفاد الحزب الحاكم من تدفق المسؤولين الأوروبيين على أنقرة، بما فيهم أنجيلا ميركل لطلب المساعدة في قضية اللاجئين والتطورات في سورية بشكل عام، مع اتفاق مبدئي على مساعدة تركيا في تحمل أعباء اللاجئين، كما على تسهيل سفر المواطنين إلى دول الاتحاد الأوروبي، وهي قضية كانت، وما زالت، جد مهمة ومؤثرة بالنسبة لتركيا.
قياساً إلى المعطيات السابقة، وباختصار، يتجه حزب العدالة والتنمية نحو زياده قوته بنقطتين أو ثلاث مئوية، وهو حال حزب الشعب الجمهوري المعارض، بينما يفقد حزب الحركة القومي نقطة إلى نقطتين، وهو حال الحزب الكردي، ما يعني أننا أمام احتمال جدّي لحصول حزب العدالة على الغالبية البرلمانية، أو الوصول إلى بُعد مقاعد قليلة منها، وربما لن يعاني كثيراً في تشكيل الحكومة عندئذ، وقد تتأثر الخريطة الحزبية بنتائج الانتخابات، ولكن المشهد السياسي سيظل على حاله، حيث الكتل البرلمانية ستكون مضطرة للتحاور والالتقاء فيما بينها، تحت سقف البرلمان، من أجل حلّ الأزمات الداخلية والخارجية التي تعانيها تركيا. وطبعاً على قاعدة احترام آراء الناخبين، كما ستتبدّى في صناديق الاقتراع.