الاحتجاجات عنواناً للأزمة في الأردن

01 مارس 2019
+ الخط -
تنتظم مسيرات المتعطّلين عن العمل، يوميا، من مدن الأردن وأريافه، ميمّمةً وجهها شطر الديوان الملكي في قلب العاصمة عمّان، بحثا عن فرص عمل، في بلد تبلغ نسبة البطالة فيه 18.5%، حسب إحصاءات رسمية.
تلك المسيرات تعبير عن تبرّم نحو 300 ألف أردني متعطل عن العمل في البلاد، يزاحمون مليون عامل وافد، بينهم نحو 680 ألف عامل غير مرخّص، ومليون ونصف المليون مغترب سوري، بينهم نحو 600 ألف لاجئ، تعهدت الحكومة بتوفير فرص عمل لهم، في مقابل عدد من التسهيلات الدولية للبضائع الأردنية في الأسواق الغربية.
تنسجم الإحصاءات والأرقام الرسمية مع الخطاب الرسمي الذي يؤكد، على الدوام، أن الأزمة التي تواجه البلاد اقتصادية حصرا، مستخدمة تلك الاحتجاجات المطلبية لتعزيز تلك الرؤية والموقف من الأزمة.
لعل إطلالة على الحركات الاحتجاجية، من حيث جوهرها الاجتماعي والمناطقي الخاص بها، يكشف عن أن هذه الظاهرة تعكس تبدلاتٍ عميقةً في بنية النظام السياسي الأردني، وقواعده الاجتماعية، مؤشّرة إلى جملة تغييراتٍ، تترك أثرها العميق في مقبل الأيام.
انقسم الجمهور المحتج (معيشيا) في الأردن، خلال العقد الأخير (العاملون، والمتقاعدون، والمتعطلون)، إلى ثلاث فئات، مزاحما القوى السياسية على منصات الاحتجاج، واضعا الهمّ المعيشي في المقدّمة، متجاوزا الشعارات والمطالب السياسية.
بدأت شرارة الاحتجاجات المطلبية في عام 2006 تحت عنوان "عمال المياومة"، وهم مجموعة من العاملين في الدولة، وفق نظام العقود، وتحديدا في وزارتي الزراعة والبلديات، وكانوا يعانون من غياب الاستقرار الوظيفي، أو تأمين على مستقبلهم، انتهت تلك الاحتجاجات بتثبيت هؤلاء في وظائف دائمة، ولكن بعد أن مهدت الطريق لتجربة ناجعة في الاحتجاج، لتحصيل الحقوق.
سرعان ما انضمّ المتقاعدون العسكريون إلى الفعل الاحتجاجي، ولكن بنكهة سياسية، مع رفع 
شعارات مطلبية تتعلق بهم، حيث كان بيان 1 مايو/أيار 2009 ذروة صعود هذا التيار الذي خرج نتيجة تراجع اهتمام النظام السياسي بهذه الفئات، ليأتي دور المعلمين والمهندسين والقطاعات المهنية العاملة في سلك الدولة، من أجل تحقيق مطالب معيشية، كانت ذروتها في تأسيس نقابة المعلمين (نحو 120 ألف معلم ومعلمة عام 2011)، بعد نحو نصف قرن من إغلاق النقابة، في خمسينيات القرن الماضي.
على هامش هذا الحراك، كانت هناك محاولات لتنظيم الفعل الاحتجاجي العمالي، خصوصا مع إعلانٍ عن تأسيس ما تسمى النقابات العمالية المستقلة، والتي حاولت تجاوز هيمنة الدولة على هذه القطاعات، خصوصا في القطاع الخاص، حيث يتربّع على رأس الاتحاد العام للنقابات العمالية، النقابي مازن المعايطة، منذ ما يزيد على ثلاثين عاما.
تصاعدت، منذ الأسبوع الماضي، المطالب المعيشية، بدخول جسم العاطلين عن العمل في محافظة العقبة (323 كلم جنوب العاصمة) سيرا على الأقدام، إلى هذا المعترك، وقد اختاروا التوجه إلى القصر الملكي مباشرة، حيث تلقّوا وعدا رسميا بتأمين فرص عمل لهم، وهو ما فتح شهية مزيد من المتعطلين من جميع المحافظات، إلى التوجه نحو القصر، بغية الحصول على وظائف مماثلة.
لعل القاسم المشترك بين المحتجين من مختلف الأوضاع الاقتصادية (عاملين، ومتقاعدين، ومتعطلين) أنهم ينتمون تاريخيا إلى الفئات التي تشكل قاعدة الحكم وخزان "الولاء والانتماء" الذين يحظون برعاية الدولة واهتمامها. ومع تفاقم الأزمة الاقتصادية، وتخلّي الدولة عن دورها في توفير فرص العمل لجمهور ما يسميها رئيس الوزراء، عمر الرزاز، "دولة الريع"، في مقابل مشروع الدولة القائم على "الاعتماد على الذات" في مسار "دولة الإنتاج"، وهي تحولاتٌ لها أكلافٌ كبيرة، خصوصا مع عجز الدولة عن وضع خطةٍ واضحةٍ قادرةٍ على تأمين انتقالٍ سلس وآمن من دولة الريع إلى دولة الإنتاج.
لعل الجمهور المطلبي المحتج على قضايا معيشية بحتة، والذي يتجه اليوم إلى القصر الملكي، سيضع أمام الدولة تحدّي إمكانية الاستمرار في النهج السياسي نفسه الذي تجري المطالبة بتغييره، بعد أن بات القصر يقف أمام مطالبات الناس مباشرة، والتي كانت، حتى وقتٍ قريب، مهمةً ملقاةً على عاتق البرلمان (الخدمي) والحكومة والجهات الوسيطة التي تعفي القصر من الحرج الشعبي.

دلالات
78D57413-9DA6-427B-B957-612337B4E39B
78D57413-9DA6-427B-B957-612337B4E39B
منصور المعلا

كاتب ومحلل سياسي اردني، بكالوريوس في العلوم السياسية

منصور المعلا