تواترت الأنباء تباعاً يوم الثاني من أكتوبر/ تشرين الأول 2018: اختفى جمال خاشقجي بعد الدخول إلى سفارة بلاده في إسطنبول. بدأت الأقاويل والتحليلات، ثمّ سادت المخاوف. تحرّكت وسائل إعلاميّة عربيّة وعالميّة على الفور؛ تابعت أنباء الاختفاء، تحدّثت إلى مسؤولين، حاورت صحافيين، ثمّ بعد أيام، بات المشهد أكثر سوداويّة: احتمال الموت بات أكثر ترجيحاً... قُتل جمال خاشقجي في قنصليّة بلاده.
كان الإعلام التركي رأس الحربة في المواجهة، إذ كان سباقاً في نشر الروايات الأولى عن الجريمة مع نشره تسريبات عن التحقيقات، وبيانات النائب العام التركي ومعلومات عن فريق الاغتيال وصوره وحتى تقطيع الجثّة، كما أنه أول من نشر مضامين التسجيلات للمحادثة الأخيرة بين خاشقجي وقاتليه قبل اغتياله، وسط صمت رسميّ تركيّ تام. فاعتمدت الحكومة
لعبة التسريبات للصحف المحلية، بينها "صباح" التي كانت أول من نشر صور "فريق الاغتيال"، ثمّ تلتها صحف أخرى بينها "يني شفق". إلى جانب الإعلام التركي حصلت شبكة "الجزيرة" القطرية، بدورها على حصتها من التسريبات، وإن بزخم أقلّ. لكنها منذ اللحظة الأولى عرفت كيف تحوّل قضية خاشقجي إلى قضيتها، فاتحة الهواء لساعات طويلة، وموزعة مراسليها في مختلف أنحاء إسطنبول.
ولصحيفة "واشنطن بوست" التي كان يكتب فيها خاشقجي دورٌ بارزٌ أيضاً. فقد نشرت تفاصيل وتابعت القضيّة لحظةً بلحظة، ووقفت بجانب صحافي تخلّى عنه زملاؤه القدامى لحظة مصرعه. ولم تنتظر الصحيفة الأميركيّة كثيراً حتى تتهم ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، بالمسؤوليّة عن الجريمة، بل وسّعت تحقيقاتها في الموضوع. على غرارها فعل الإعلام الأميركي، وبينه "نيويورك تايمز" و"تايم" التي سمّت خاشقجي شخصيّة العام بعد 70 يوماً على الجريمة. في الإعلام البريطاني، كان لـ"ذا غارديان" صوتٌ مرتفع في الدفاع عن حريّة الصحافة وتسليط الضوء على القضيّة؛ فيما كانت "ذا إندبندنت" التي لها ارتباطات بالسعوديّة تنقل الوقائع، فيما نشرت "ديلي تيليغراف" مقالاً حاول التخفيف من وطء الجريمة.
على وقع القضيّة أيضاً، قاطعت وسائل إعلاميّة عالميّة مؤتمراً كبيراً عن الاستثمار في الرياض وبينها "سي إن إن" و"لوس أنجليس تايمز" و"بلومبرغ" و"نيويورك تايمز" و"سي إن بي سي"، فيما زار رئيس تحرير "إندبندنت"، كريستيان بروتون، الرياض للقاء شريكه السعودي.
وبعيداً عن سياسة كلّ وسيلة إعلاميّة بعينها، فرضت الجريمة نفسها على الصحافة العالميّة. وبينما كانت الوكالات العالميّة تحاول تغطيتها "موضوعيًا"، وقعت "رويترز" في فخّ تسويق الرواية السعوديّة الأولى التي تنكر وجود خاشقجي في القنصليّة، فزارت القنصليّة ونشرت صوراً من داخلها "تظهر خلوّها".
اقــرأ أيضاً
لكنّ الإعلام السعودي، والميديا الدائرة في فلكه من مصريّة وإماراتيّة وغيرها، كان في مكانٍ آخر. عاش في نظريّة المؤامرة ووسّعها إلى نهج "اكذب ثمّ حرّض". فبعد يومين على الجريمة، لم يكن لها ذكرٌ في ذلك الإعلام، متجاهلاً سنوات الزمالة التي قضاها خاشقجي فيه كصحافي. ولدى إعلان استنتاج الشرطة التركيّة حول مقتل خاشقجي، دبّ النشاط فيه، فبات خائفاً على "مصير مواطن سعودي"، محرّضاً مرّة جديدة ضدّ دولة قطر.
ركّز الإعلام السعودي والمصري، ومعه وسائل إعلاميّة عربيّة أخرى بينها "الشرق" اللبنانيّة، على خطيبة خاشقجي، خديجة جنكيز، فنشر مقالاتٍ ذكوريّة عن مظهرها الخارجي، وحاول اختلاق مواجهةٍ بينها وبين عائلة خاشقجي السعوديّة.
والفضيحة الكبرى كانت لصحفٍ عمل فيها خاشقجي، كـ"الحياة" و"الوطن" اللتين لم تخصّصا أيّ مساحةٍ لنعيه، بل انشغلتا بمعارك مع الإعلام القطري والتركي. فقد بدأت "الحياة" تغطيتها بالحديث عن "مواطن سعودي" ثم كرّست نفسها لتصريحات نفي الجريمة. أما صحيفة "الوطن"، والتي كان خاشقجي رئيس تحريرها، فاستخدمت الأسلوب ذاته، مع تركيز تحريضها ضدّ قطر. وخصّصت "عكاظ" أكثر من تقرير للتحريض على نفس المنوال، فيما بدأت "الرياض" تغطيتها بالحديث عن الإعلام التركي. وقناة "العربية" بدأت حربها ببيان القنصليّة السعوديّة قبل أن تتحوّل إلى منصة "تكذيب" لاستنتاجات الشرطة التركيّة، قبل أن تزجّ بعائلة خاشقجي في القضيّة، وتطالب خطيبته بالكفّ عن تناولها.
جريمة اغتيال جمال خاشقجي على وحشيّتها؛ كانت ستُنسى. في التاريخ الحديث للعالم، هناك المئات من عمليّات الاغتيال البشعة، والآلاف من الانتهاكات بحقّ الإنسان وحقوقه وحريّته. كلّ ذلك، لم يعنِ شيئاً لكثيرين تشغلهم، ربّما، قضايا يوميّة. لكنّ هذه الجريمة كانت مختلفة. وهي، على وحشيّتها، لم تكُن لتكون حاضرةً بارزة في أذهان الجمهور، بعد عامٍ واحد على اغتياله، لولا الإعلام وتغطيته الكثيفة، والمستمرّة.... علّ جثّته توارى الثرى يوماً ما.
لعبة التسريبات للصحف المحلية، بينها "صباح" التي كانت أول من نشر صور "فريق الاغتيال"، ثمّ تلتها صحف أخرى بينها "يني شفق". إلى جانب الإعلام التركي حصلت شبكة "الجزيرة" القطرية، بدورها على حصتها من التسريبات، وإن بزخم أقلّ. لكنها منذ اللحظة الأولى عرفت كيف تحوّل قضية خاشقجي إلى قضيتها، فاتحة الهواء لساعات طويلة، وموزعة مراسليها في مختلف أنحاء إسطنبول.
ولصحيفة "واشنطن بوست" التي كان يكتب فيها خاشقجي دورٌ بارزٌ أيضاً. فقد نشرت تفاصيل وتابعت القضيّة لحظةً بلحظة، ووقفت بجانب صحافي تخلّى عنه زملاؤه القدامى لحظة مصرعه. ولم تنتظر الصحيفة الأميركيّة كثيراً حتى تتهم ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، بالمسؤوليّة عن الجريمة، بل وسّعت تحقيقاتها في الموضوع. على غرارها فعل الإعلام الأميركي، وبينه "نيويورك تايمز" و"تايم" التي سمّت خاشقجي شخصيّة العام بعد 70 يوماً على الجريمة. في الإعلام البريطاني، كان لـ"ذا غارديان" صوتٌ مرتفع في الدفاع عن حريّة الصحافة وتسليط الضوء على القضيّة؛ فيما كانت "ذا إندبندنت" التي لها ارتباطات بالسعوديّة تنقل الوقائع، فيما نشرت "ديلي تيليغراف" مقالاً حاول التخفيف من وطء الجريمة.
على وقع القضيّة أيضاً، قاطعت وسائل إعلاميّة عالميّة مؤتمراً كبيراً عن الاستثمار في الرياض وبينها "سي إن إن" و"لوس أنجليس تايمز" و"بلومبرغ" و"نيويورك تايمز" و"سي إن بي سي"، فيما زار رئيس تحرير "إندبندنت"، كريستيان بروتون، الرياض للقاء شريكه السعودي.
وبعيداً عن سياسة كلّ وسيلة إعلاميّة بعينها، فرضت الجريمة نفسها على الصحافة العالميّة. وبينما كانت الوكالات العالميّة تحاول تغطيتها "موضوعيًا"، وقعت "رويترز" في فخّ تسويق الرواية السعوديّة الأولى التي تنكر وجود خاشقجي في القنصليّة، فزارت القنصليّة ونشرت صوراً من داخلها "تظهر خلوّها".
لكنّ الإعلام السعودي، والميديا الدائرة في فلكه من مصريّة وإماراتيّة وغيرها، كان في مكانٍ آخر. عاش في نظريّة المؤامرة ووسّعها إلى نهج "اكذب ثمّ حرّض". فبعد يومين على الجريمة، لم يكن لها ذكرٌ في ذلك الإعلام، متجاهلاً سنوات الزمالة التي قضاها خاشقجي فيه كصحافي. ولدى إعلان استنتاج الشرطة التركيّة حول مقتل خاشقجي، دبّ النشاط فيه، فبات خائفاً على "مصير مواطن سعودي"، محرّضاً مرّة جديدة ضدّ دولة قطر.
ركّز الإعلام السعودي والمصري، ومعه وسائل إعلاميّة عربيّة أخرى بينها "الشرق" اللبنانيّة، على خطيبة خاشقجي، خديجة جنكيز، فنشر مقالاتٍ ذكوريّة عن مظهرها الخارجي، وحاول اختلاق مواجهةٍ بينها وبين عائلة خاشقجي السعوديّة.
والفضيحة الكبرى كانت لصحفٍ عمل فيها خاشقجي، كـ"الحياة" و"الوطن" اللتين لم تخصّصا أيّ مساحةٍ لنعيه، بل انشغلتا بمعارك مع الإعلام القطري والتركي. فقد بدأت "الحياة" تغطيتها بالحديث عن "مواطن سعودي" ثم كرّست نفسها لتصريحات نفي الجريمة. أما صحيفة "الوطن"، والتي كان خاشقجي رئيس تحريرها، فاستخدمت الأسلوب ذاته، مع تركيز تحريضها ضدّ قطر. وخصّصت "عكاظ" أكثر من تقرير للتحريض على نفس المنوال، فيما بدأت "الرياض" تغطيتها بالحديث عن الإعلام التركي. وقناة "العربية" بدأت حربها ببيان القنصليّة السعوديّة قبل أن تتحوّل إلى منصة "تكذيب" لاستنتاجات الشرطة التركيّة، قبل أن تزجّ بعائلة خاشقجي في القضيّة، وتطالب خطيبته بالكفّ عن تناولها.
جريمة اغتيال جمال خاشقجي على وحشيّتها؛ كانت ستُنسى. في التاريخ الحديث للعالم، هناك المئات من عمليّات الاغتيال البشعة، والآلاف من الانتهاكات بحقّ الإنسان وحقوقه وحريّته. كلّ ذلك، لم يعنِ شيئاً لكثيرين تشغلهم، ربّما، قضايا يوميّة. لكنّ هذه الجريمة كانت مختلفة. وهي، على وحشيّتها، لم تكُن لتكون حاضرةً بارزة في أذهان الجمهور، بعد عامٍ واحد على اغتياله، لولا الإعلام وتغطيته الكثيفة، والمستمرّة.... علّ جثّته توارى الثرى يوماً ما.