الإعلام المصري: اختبار كراهية اللاجئين السوريين

13 أكتوبر 2015
لاجئة سورية مع طفلها (Getty)
+ الخط -
حالة من الجدل الإعلامي والسياسي والحقوقي أثيرت في مصر، عقب الانتقادات الحادة التي وجهها رواد مواقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" و"تويتر"، لمقدمة البرامج المصرية، ريهام سعيد، بسبب حلقةٍ سجلتها في لبنان عن أوضاع السوريين اللاجئين هناك، أظهرت فيها قدرًا كبيرًا من المتاجرة بالقضية والإذلال للشعب السوري.
إلا أن واقعة تلك المذيعة، ليست الأولى على الإطلاق، ولن تكون الأخيرة، في ظل هذا المناخ السياسي المعتم المؤثر مباشرة على الإعلام ومحتواه المؤيد للنظام.
فموقع مثل "يوتيوب" كفيل بسرد كل الانتهاكات والمواقف السلبية والتحريضية على الشعب السوري واللاجئين في مصر؛ إذا ما أراد النظام محاسبة مرتكبي تلك الانتهاكات يوما ما.

البداية كانت مع مقدم البرامج على قناته الفضائية الخاصة، توفيق عكاشة، عندما خرج في واحدة من الحلقات يقول "إذا قعدوا مع الإخوان بعد 48 ساعة، الشعب هيطلع يدمر بيوتكم.. عناوينكم كلها موجودة"، ليكمل تحريضه في حلقة أخرى ويقول "مش عاوزين نتعاطف مع حد ونقول أصلهم بيتقتلوا ويتضربوا، ما هما كمان بيضربوا، المعارضة في سورية معاها سلاح، النظام السوري ما بيضربهم وهما قاعدين ومخبيين السلام تحت السرير"، بل "وهو يضربهم لأنهم يضربونه"، هذا ما أراد إيصاله.

وكانت مصر قد غيّرت سياستها بالنسبة لدخول السوريين إلى أراضيها، بفرض الحصول على تأشيرة وتصريح أمني قبل وصولهم إلى مصر، كـ"إجراء مؤقت نتيجة للاضطرابات الحالية بالبلاد"، حسب ما ذكرت وزارة الخارجية المصرية على صفحتها في "فيسبوك".

مذيع آخر، يُدعى محمد الغيطي، قال في برنامجه إن "النساء السوريات يعرضون أنفسهم على المعتصمين المناضلين من الإخوان ومن والاهم؛ لجهاد المناكحة"، في إشارة منه إلى اعتصام مؤيدي الرئيس المصري المعزول، محمد مرسي، بميدان رابعة العدوية، قبل فضه بمذبحة على يد قوات الشرطة والجيش.

اقرأ أيضاً: يسري فودة يردّ على ريهام سعيد:"عليكي وعلى اللي شغّلهالك"


العدوى انتقلت بدورها إلى المذيع المصري المرافق للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في أغلب جولاته ومناسباته المحلية والدولية، يوسف الحسيني، الذي تفتق ذهنه بتوجيه رسالة للاجئين السوريين في مصر بعدم التدخل في الشأن المصري قائلا "تتدخل في شأن مصر، هتاكل ثلاثين جزمة في وسط الشارع، ومش بالقانون ولا حاجة، المصريين هيعملوا معاك أحلى واجب ويلبسوك الطرحة بتاعت مرشدكم"، واستفاض "لو إنت دكر، تاخد بعضك وترجع على سورية، إنما جاي لا مؤاخذة زي النتاية هربان وديلك في سنانك، وجاي هنا تعملي راجل! لا.. أظبط!".

ويوجد في مصر، ما يزيد على 120 ألف سوري يقطنون في المناطق الحضرية في أنحاء مصر، منذ بدء الأحداث في سورية عام 2011 وحتى سبتمبر/ أيلول 2013، وفق ما سجلته المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. فيما تشير أرقام وزارة الخارجية المصرية، أن نصيب مصر من اللاجئين السوريين، بلغ 320 ألفا منذ بدء الصراع وحتى الآن.
كل تلك الوقائع لا تختلف كثيرًا عما قامت به الصحافية المجرية، بيترا لازلو، بركل اللاجئين السوريين وعرقلة آخر كان يحمل طفلاً، بالقرب من الحدود الصربية. وعقب انتشار فيديو تلك الواقعة بكثافة على شبكة الإنترنت، قررت الشبكة التلفزيونية المجرية التي كانت تعمل معها، لازلو، فصلها فورا، كما أحيلت الواقعة بالكامل للتحقيق الجنائي، من قبل السلطات الصربية، بحسب وكالة "إم تي آي" المجرية. فيما لم تحرك السلطات المصرية ساكنا في أي من الانتهاكات التي ارتكبها إعلاميون موالون للنظام، بحق اللاجئين السوريين في مصر على مدار الأعوام القليلة الماضية، فيما عدا بيان أصدرته شبكة قنوات "أون تي في" التي يعمل بها يوسف الحسيني، عقب الحلقة التي هاجم فيها السوريين، وجهت فيها اعتذارا للشعب السوري على أراضيها.
وحده صوت خافت، انطلق من تسع منظمات حقوقية مصرية، في يوليو/تموز 2013، أعربت عن رفضها واستنكارها الشديد لـ"استمرار تصاعد خطاب التحريض على العنف والكراهية في بعض وسائل الإعلام المصرية، والذي بدأ يطاول اللاجئين السوريين في مصر، كما لم يسلم منه الشعب الفلسطيني الذي يرزح تحت الاحتلال الإسرائيلي منذ عقود، وهو أمر أوشك أن يصبح معتادًا بعد السكوت على خطاب الكراهية والتحريض ضد شرائح من المواطنين المصريين بسبب خلفياتهم الدينية أو السياسية".

نبوءات المنظمات التسع، تحققت بالفعل. وأصبح خطاب الكراهية والتحريض في الإعلام المصري أمرا معتادا، لكنها لم تخرج ثانية للإدانة أو الرفض، حتى وقتنا هذا.
وفي 9 سبتمبر/أيلول الماضي، أصدرت اللجنة السورية لحقوق الإنسان، تقريرا بعنوان "انتهاكات الإعلاميين لحقوق الإنسان في سورية والعالم العربي: غياب للمحاسبة وانتهاك لقواعد السلوك المهني"، أكدت فيه أن مصر ولبنان شهدتا أوسع هذه الحالات، فقد تم تسجيل عشرات الحالات التي قام فيها إعلاميون ببث خطاب كراهية ضد السوريين المقيمين هناك، مع اتهامهم بما أسماه الإعلام المؤيد للنظام السوري بجهاد النكاح، ودعوا إلى ممارسة العنف ضد اللاجئين.


ولاحظت اللجنة أن وسائل الإعلام، في الدول العربية، لم تقم في إطارها العام بإدانة هذه الانتهاكات، إذ اقتصرت الإدانات على وسائل الإعلام المخالفة سياسياً لتلك التي ارتكبت الانتهاكات، بما يعكس غياباً لقواعد السلوك المهني لدى معظم وسائل الإعلام في المنطقة.
وطالبت اللجنة بمحاسبة الإعلاميين الذين يقومون ببث خطاب الكراهية والخطاب العنصري، والحض على القتل؛ على غرار إقالة المصوّرة المجرية بعد سلوكها المشين، بالاعتداء على اللاجئين السوريين في المجر. كما دعت وسائل الإعلام العربية لالتزام قواعد السلوك المهني، والالتزام بالقواعد الدنيا لاحترام حقوق الإنسان.

أما الموقف القانوني لمثل تلك الانتهاكات، فأشارت المحامية الحقوقية، ومسؤولة الوحدة القانونية بمؤسسة حرية الفكر والتعبير، فاطمة سراج، إلى أن القانون الدولي لحقوق الإنسان، حظر التحریض على العنف أو الكراهية ضد الأفراد والجماعات، خاصة إذا اقترنت هذه الدعایة بالتمییز الدیني أو العنصري، ومن أبرز القواعد المرساة بهذا الصدد تلك المنصوص عليها في الفقرة الثانیة من المادة 20 من العهد الدولي للحقوق المدنیة والسیاسیة التي نصت على أن "تحظر بالقانون أیة دعوة إلى الكراهية القومیة أو العنصریة أو الدینیة تشكل تحریضا على التمییز أو العداوة أو العنف". 

ووقّعت الحكومة المصریة على الاتفاقیة الدولیة للقضاء على جمیع أشكال التمییز العنصري في 28 سبتمبر/أيلول 1966 وصدّقت على هذا التوقیع في 1 مایو/أيار 1967. أما فيما يتعلق بالالتزامات الدولیة الخاصة بإسهام وسائل الإعلام في مكافحة العنصریة، فقد أصدر المؤتمر العام لمنظمة الأمم المتحدة للتربیة والعلوم والثقافة (الیونسكو) في دورته العشرین المنعقد في 28 نوفمبر/تشرين الثاني 1978 إعلاناً بشأن المبادئ الأساسیة الخاصة بإسهام وسائل الإعلام في دعم السلام والتفاهم الدولي، وتعزیز حقوق الإنسان، ومكافحة العنصریة والفصل العنصري والتحریض على الحرب.
المساهمون